[ ص: 367 ] إسلام إياس بن معاذ
قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن لبيد ، قال : لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ، ومعه فتية من بني عبد الأشهل ، فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم ، فجلس إليهم ، فقال : " هل لكم في خير مما جئتم له ؟ " . قال : فقالوا : وما ذاك ؟ قال : " أنا رسول الله إلى العباد ، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب " . ثم ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . قال : فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا : يا قوم ، هذا والله خير مما جئتم له . فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء ، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال : دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا . قال : فصمت إياس ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ، وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج . قال : ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك . قال محمود [ ص: 368 ] بن لبيد : فأخبرني من حضرني من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ، ويكبره ، ويحمده ، ويسبحه حتى مات ، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع .
قلت : كان يوم بعاث ، وبعاث موضع بالمدينة ، كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم ، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل .
وقد روى في " صحيحه " عن البخاري عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم .
وقال في كتابه " دلائل النبوة " : باب إسلام أبو زرعة الرازي رافع بن مالك ، ثنا ومعاذ بن عفراء ، إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد [ ص: 369 ] بن هانئ الشجري ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عبيد بن يحيى ، عن معاذ بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه ، عن جده ، معاذ ابن عفراء ، حتى قدما مكة ، فلما هبطا من الثنية ، رأيا رجلا تحت شجرة . قال : وهذا قبل خروج الستة من الأنصار . قال : فلما رأيناه كلمناه ، قلنا : نأتي هذا الرجل نستودعه راحلتينا حتى نطوف بالبيت . فجئنا فسلمنا عليه تسليم أهل الجاهلية ، فرد علينا تسليم أهل الإسلام ، وقد سمعت بالنبي . قال : فأنكرنا . فقلنا : من أنت ؟ قال : " انزلوا " . فنزلوا فقلنا : أين هذا الرجل الذي يدعي ما يدعي ، ويقول ما يقول ؟ قال : " أنا هو " . قلنا : فاعرض علينا الإسلام . فعرض ، وقال : " من خلق السماوات والأرض والجبال ؟ " قلنا : خلقهن الله . قال : " من خلقكم ؟ " قلنا : الله . قال : " فمن عمل هذه الأصنام التي تعبدون ؟ " قلنا : نحن . قال : " الخالق أحق بالعبادة أو المخلوق ؟ " قلنا : الخالق . قال : " فأنتم أحق أن تعبدكم ، وأنتم عملتموها ، والله أحق أن [ ص: 370 ] تعبدوه من شيء عملتموه ، وأنا أدعو إلى عبادة الله ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وصلة الرحم ، وترك العدوان ، وإن غضب الناس " . فقالا : والله لو كان هذا الذي تدعو إليه باطلا ، لكان من معالي الأمور ، ومحاسن الأخلاق ، فأمسك راحلتينا حتى نأتي البيت . فجلس عنده معاذ ابن عفراء . قال رافع : وجئت البيت فطفت ، وأخرجت سبعة قداح ، وجعلت له منها قدحا ، فاستقبلت البيت ، فقلت : اللهم إن كان ما يدعو إليه محمد حقا فأخرج قدحه . سبع مرات ، فضربت بها سبع مرات ، فصحت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فاجتمع الناس علي ، وقالوا : مجنون ، رجل صبأ . فقلت : بل رجل مؤمن . ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فلما رآني معاذ ابن عفراء ، قال : لقد جئت بوجه ما ذهبت به ، رافع . فجئت وآمنت ، وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " يوسف " و " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ، ثم خرجنا راجعين إلى المدينة ، فلما كنا بالعقيق ، قال معاذ : إني لم أطرق ليلا قط ، فبت بنا حتى نصبح . فقلت : أبيت ومعي ما معي من الخير؟! ما كنت لأفعل . وكان رافع إذا خرج سفرا ثم قدم عرض قومه إسناد وسياق حسن . أنه خرج هو وابن خالته