[ ص: 190 ] ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها . بدمشق ، سقط بسببها شيء كثير من الجدران ، واقتلعت أشجارا كثيرة . وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم خلع على القاضي وفي مستهل المحرم هبت ريح شديدة جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي .
وفي يوم الأربعاء خامس صفر درس بالناصرية الجوانية ابن صصرى ، عوضا عن ابن الشريشي أيضا ، وحضر عنده الناس على العادة . وفي عاشره باشر شد الدواوين جمال الدين آقوش الرحبي ، عوضا عن فخر الدين أياس ، وكان آقوش متولي دمشق من سنة سبع وسبعمائة ، وولي مكانه بالبلاد الأمير علم الدين طرقشي الساكن العقيبة .
وفي هذا اليوم نودي بالبلد أن يصوم الناس لأجل الخروج إلى الاستسقاء ، وشرع في قراءة " البخاري " ، وتهيأ الناس لذلك ، ودعوا عقيب الصلوات وبعد الخطب ، وابتهلوا إلى الله تعالى في الاستسقاء ، فلما كان يوم [ ص: 191 ] السبت منتصف صفر - وكان سابع نيسان - خرج أهل البلد برمتهم إلى عند مسجد القدم ، وخرج نائب السلطنة والأمراء مشاة يبكون ، ويتضرعون ، واجتمع الناس هنالك ، وكان مشهدا عظيما ، وخطب بالناس القاضي صدر الدين سليمان الجعفري ، وأمن الناس على دعائه ورجعوا ، فلما أصبح الناس من اليوم الثاني جاءهم الغيث بإذن الله ورحمته ورأفته ، لا بحولهم ولا بقوتهم ، ففرح الناس فرحا شديدا ، وعم البلاد كلها ، ولله الحمد والمنة .
وفي أواخر الشهر شرعوا في إصلاح رخام الجامع وترميمه ، وجلي أبوابه ، وتحسين ما فيه .
وفي رابع عشر ربيع الآخر درس بالناصرية الجوانية ، ابن الشيرازي بتوقيع سلطاني ، وأخذها من ابن صصرى ، وباشرها إلى أن مات .
وفي يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى باشر ابن شيخ السلامية فخر الدين - أخو ناظر الجيش - الحسبة بدمشق ، عوضا عن ابن الحداد ، وباشر ابن الحداد نظر الجامع عوضا عن ابن شيخ السلامية ، وخلع على كل منهما .
وفي بكرة الثلاثاء خامس جمادى الآخرة قدم من مصر إلى دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن الشيخ زكي الدين ظافر الهمداني المالكي - على قضاء المالكية بالشام ، عوضا عن ابن سلامة ، توفي ، فكان بينهما ستة أشهر ، ولكن تقليد هذا مؤرخ بآخر ربيع [ ص: 192 ] الأول ، ولبس الخلعة ، وقرئ تقليده بالجامع .
وفي هذا الشهر درس بالخاتونية البرانية القاضي بدر الدين بن الفويرة الحنفي ، وعمره خمس وعشرون سنة ، عوضا عن القاضي شمس الدين محمد قاضي ملطية ، توفي .
دمشق سيل عظيم أتلف للناس شيئا كثيرا ، وارتفع حتى دخل من باب الفرج ، ووصل إلى وفي يوم السبت خامس رمضان وصل إلى العقيبة ، وانزعج الناس له ، وانتقلوا من أماكنهم ، ولم تطل مدته ؛ لأن أصله كان مطرا وقع بأرض آبل السوق والحسينية .
وفي هذا اليوم باشر طرقشي شد الدواوين بعد موت جمال الدين الرحبي ، وباشر ولاية المدينة صارم الدين الجوكندار ، وخلع عليهما .
ولما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة ، وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمن منع الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الفتيا في مسألة الطلاق ، وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك .
وفي يوم الجمعة تاسع شوال خطب القاضي صدر الدين الداراني عوضا عن [ ص: 193 ] بدر الدين بن ناصر الدين بن عبد السلام ، بجامع جراح ، وكان فيه خطيبا قبله ، فتولاه بدر الدين حسن العقرباني ، واستمر ولده في خطابة داريا التي كانت بيد أبيه من بعده .
وفي يوم السبت عاشره خرج الركب وأميرهم عز الدين أيبك المنصوري أمير علم .
وحج فيها صدر الدين قاضي القضاة الحنفي ، وبرهان الدين بن عبد الحق ، وشرف الدين ابن تيمية ، ونجم الدين الدمشقي وهو قاضي الركب ، ورضي الدين المنطيقي ، وشمس الدين بن الوزير خطيب جامع القبيبات ، وعبد الله بن رشيق المالكي ، وغيرهم .
وفيها حج سلطان الإسلام الملك الناصر محمد بن قلاوون ، ومعه جمع كثير من الأمراء ، ووكيله كريم الدين ، وفخر الدين كاتب المماليك ، وكاتب السر ، وقاضي القضاة ابن الأثير بدر الدين بن جماعة ، وصاحب حماة الملك عماد الدين ، والصاحب شمس الدين غبريال ، في خدمة السلطان ، وكان في خدمته خلق كثير من الأعيان .
وفيها كانت وقعة عظيمة بين التتار ، بسبب أن سلطانهم بو سعيد كان قد ضاق ذرعا بجوبان ، وعجز عن مسكه ، فانتدب له جماعة من الأمراء عن [ ص: 194 ] أمره منهم أبو يحيى خال أبيه ، ودقماق ، وقرمشي ، وغيرهم من أكابر الدولة ، وأرادوا كبس جوبان ، فهرب وجاء إلى السلطان ، فانتهى إليه ما كان منهم ، وفي صحبته الوزير علي شاه ، ولم يزل بالسلطان حتى رضي عن جوبان ، وأمده بجيش كثيف ، وركب السلطان معه أيضا ، والتقوا مع أولئك ، فكسروهم وأسروهم ، وتحكم فيهم جوبان ، فقتل منهم إلى آخر هذه السنة نحوا من أربعين أميرا .