[ ص: 352 ] ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة 
 استهلت بيوم الأربعاء والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، وليس للشافعي قاض ، وقاضي الحنفية عماد الدين الطرسوسي ،  وقاضي المالكية شرف الدين الهمداني ،  وقاضي الحنابلة علاء الدين بن المنجا ،  وكاتب السر محيي الدين بن فضل الله ،  وناظر الجامع عماد الدين بن الشيرازي    . 
وفي ثامن المحرم قدم البشير بسلامة السلطان من الحجاز ،  واقتراب وصوله إلى البلاد ، فدقت البشائر ، وزينت البلد ، وأخبر البشير بوفاة الأمير سيف الدين بكتمر الساقي  وولده شهاب الدين أحمد  وهما راجعان في الطريق ، بعد أن حجا قريبا من مصر;  الولد أولا ، ثم من بعده أبوه بثلاثة أيام بعيون القصب ،  ثم نقلا إلى تربتهما بالقرافة ، ووجد  لبكتمر  من الأموال ، والجواهر ، واللآلئ ، والقماش ، والأمتعة ، والحواصل شيء كثير لا يكاد ينحصر ولا ينضبط . وأفرج عن الصاحب شمس الدين غبريال  في المحرم ، وطلب في صفر إلى مصر ،  فتوجه على خيل البريد ، واحتيط على أهله بعد مسيره ، وأخذت منهم أموال كثيرة لبيت المال . 
 [ ص: 353 ] وفي أواخر صفر قدم الصاحب أمين الملك  على نظر الدواوين بدمشق  عوضا عن غبريال    . وبعده بأربعة أيام قدم القاضي فخر الدين بن الحلي  على نظر الجيش بعد وفاة قطب الدين ابن شيخ السلامية    . 
وفي نصف ربيع الأول لبس ابن جملة  خلعة القضاء للشافعية بدمشق ،  بدار السعادة ،  ثم جاء إلى الجامع وهي عليه ، وذهب إلى العادلية ،  وقرئ تقليده بها بحضرة الأعيان ، ودرس بالعادلية  والغزالية  يوم الأربعاء ثاني عشر الشهر المذكور ، ثم في يوم الاثنين رابع عشرينه حضر ابن أخيه جمال الدين محمود  إعادة القيمرية ، نزل له عنها ، ثم استنابه بعد ذلك في المجلس ، وخرج إلى العادلية  فحكم بها ، ثم لم يستمر بعد ذلك ، ثم عزل عن النيابة بيومه ، واستناب بعده جمال الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن يوسف الحسباني ،  وله همة ، وعنده نزاهة وخبرة بالأحكام . 
وفي ربيع الأول ولي الأمير شهاب الدين قرطاي  نيابة طرابلس  ، وعزل عنها طينال إلى نيابة غزة  ، وتولى نائب غزة  نيابة حمص  ، وحصل للذي جاء بتقليدهم مائة ألف درهم منهم . 
وفي ربيع الآخر أعيد القاضي محيي الدين بن فضل الله  وولده إلى كتابة سر مصر ،  ورجع شرف الدين بن الشهاب محمود  إلى كتابة سر الشام  كما كان . 
 [ ص: 354 ] وفي منتصف هذا الشهر ولي نقابة الأشراف عماد الدين موسى الحسيني  عوضا عن أخيه شرف الدين عدنان ،  توفي في الشهر الماضي ، ودفن بتربتهم عند مسجد الذبان ، وفيه درس الفخر المصري  بالدولعية عوضا عن ابن جملة  بحكم ولايته القضاء . 
وفي خامس عشرين رجب درس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف    - ويعرف بابن الوحيد    - عوضا عن ابن جهبل ،  توفي في الشهر الماضي ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، وكنت إذ ذاك بالقدس  أنا والشيخ شمس الدين بن عبد الهادي  وآخرون . وفيه رسم السلطان الملك الناصر  بالمنع من رمي البندق ، وأن لا تباع قسيه ولا تعمل; وذلك لإفساد رماة البندق أولاد الناس ، وأن الغالب على من تعاناه اللواط ، والفسق ، وقلة الدين ، ونودي بذلك في البلاد المصرية والشامية . 
قال البرزالي    : وفي نصف شعبان أمر السلطان بتسليم المنجمين إلى والي القاهرة  ، فضربوا ، وحبسوا ، ثم نفوا; لإفسادهم حال النساء ، فمات منهم أربعة تحت العقوبة; ثلاثة من المسلمين ، ونصراني . كتب بذلك إلي الشيخ أبو بكر الرحبي    . 
وفي أول رمضان وصل البريد بتولية الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ  ولاية البر بدمشق ،  بعد وفاة شهاب الدين بن المرواني ،  ووصل كتاب من مكة  إلى   [ ص: 355 ] دمشق  في رمضان يذكر فيه أنه وقعت صواعق ببلاد الحجاز ،  فقتلت جماعة متفرقين في أماكن شتى ، وأمطار كثيرة جدا . 
وجاء البريد في رابع رمضان بتولية القاضي محيي الدين بن جهبل  قضاء طرابلس  ، فذهب إليها ، ودرس ابن المجد عبد الله  بالرواحية عوضا عن الأصبهاني  بحكم إقامته بمصر    . وفي آخر رمضان أفرج عن الصاحب علم الدين  وأخيه شمس الدين موسى ابني التاج أبي إسحاق ،  بعد سجنهما سنة ونصفا . 
وخرج الركب الشامي يوم الخميس عاشر شوال ، وأميره بدر الدين بن معبد ،  وقاضيه علاء الدين بن منصور  مدرس الحنفية بالقدس  بمدرسة تنكز ،  وفي الحجاج صدر الدين المالكي ،  وشهاب الدين الظهيري ،  ومحيي الدين بن الأعقف ،  وآخرون . 
وفي يوم الأحد ثالث عشره درس بالأتابكية ابن جملة  عوضا عن ابن جميل ،  تولى قضاء طرابلس    . وفي يوم الأحد عشرينه حكم القاضي شمس الدين محمد بن كامل التدمري ،  الذي كان في خطابة الخليل بدمشق  نيابة عن ابن جملة ،  وفرح الناس بدينه وفضيلته . 
وفي ذي القعدة مسك تنكز دواداره ناصر الدين محمدا ،  وكان عنده بمكانة عظيمة جدا ، وضربه بين يديه ضربا مبرحا ، واستخلص منه أموالا كثيرة ، ثم حبسه بالقلعة ، ثم نفاه إلى القدس  ، وضرب جماعة من أصحابه ، منهم علاء الدين بن مقلد  حاجب العرب ، وقطع لسانه مرتين ، ومات ، وتغيرت الدولة ، وجاءت دولة أخرى مقدمها عنده حمزة الذي كان سميره وعشيره في هذه   [ ص: 356 ] المرة المتأخرة ، وانزاحت النعمة عن الدودار ناصر الدين  وذويه ومن يليه . 
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة ركب على الكعبة  باب جديد أرسله السلطان ، مرصعا من السنط الأحمر كأنه آبنوس ، مركب عليه صفائح من فضة زنتها خمسة وثلاثون ألفا وثلاثمائة وكسر ، وقلع الباب العتيق ، وهو من خشب الساسم ، وعليه صفائح تسلمها بنو شيبة ،  وكان زنتها ستين رطلا ، فباعوها كل درهم بدرهمين; لأجل التبرك ، وهذا خطأ ، وهو ربا ، وكان ينبغي أن يبيعوها بالذهب ، لئلا يحصل ربا في ذلك ، وترك خشب الباب العتيق داخل الكعبة ،  وعليه اسم صاحب اليمن  في الفردتين ، واحدة عليها : اللهم يا ولي ، يا علي ، اغفر ليوسف بن عمر بن علي    . 
				
						
						
