[ ص: 683 ] ثم دخلت
nindex.php?page=treesubj&link=33874_33800سنة خمس وستين وسبعمائة
استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية ، والشامية ، والحرمين ، وما يتبع ذلك -
الملك الأشرف ناصر الدين شعبان ابن سيدي حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي ، وهو في عمر عشر سنين ، ومدبر الممالك بين يديه الأمير الكبير
نظام الملك سيف الدين يلبغا الخاصكي ، وقضاة
مصر هم المذكورون في السنة التي قبلها ، ووزيرها
فخر الدين بن قروينه ، ونائب
دمشق الأمير
سيف الدين منكلي بغا الشمسي ، وهو مشكور السيرة ، وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها ، وناظر الدواوين بها الصاحب
سعد الدين ماجد ، وناظر الجيش
علم الدين داود ، وكاتب السر القاضي
فتح الدين بن الشهيد ، ووكيل بيت المال القاضي
جمال الدين بن الرهاوي .
استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس ، إلا أنه خف وقل ، ولله الحمد . وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة - وكان
بهاء الدين أبا البقاء السبكي - إلى الديار المصرية مطلوبا من جهة
الأمير يلبغا ، وفي الكتاب إجابته له إلى ما سأل . وتوجه بعده قاضي القضاة
تاج الدين - الحاكم
بدمشق وخطيبها - يوم
[ ص: 684 ] الاثنين الرابع عشر من المحرم على خيل البريد . وتوجه بعدهما الشيخ
شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي ، مطلوبا إلى الديار المصرية ، وكذلك توجه الشيخ
ولي الدين المنفلوطي مطلوبا .
وتوفي في العشر الأوسط من المحرم صاحبنا الشيخ
شمس الدين بن العطار الشافعي ، كان لديه فضيلة ، واشتغال ، وله فهم ، وعلق بخطه فوائد جيدة ، وكان إماما بالسجن من
مشهد علي بن الحسين بجامع
دمشق ، ومصدرا بالجامع ، وفقيها بالمدارس ، وله مشيخة الحديث الوادعية ، وجاوز الخمسين بسنوات ، ولم يتزوج قط . وقدم الركب الشافعي إلى
دمشق يوم الخميس الرابع والعشرين من المحرم ، وهم شاكرون مثنون بكل خير عن هذه السنة أمنا ورخصا ، ولله الحمد .
وفي يوم الأحد حادي عشر صفر درس بالمدرسة الفتحية صاحبنا الشيخ
عماد الدين إسماعيل بن خليفة الحسباني الشافعي ، وحضر عنده جماعة من الأعيان والفضلاء ، وأخذ في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا [ التوبة : 36 ] .
وفي يوم الخميس خامس عشره
nindex.php?page=treesubj&link=8730نودي في البلد على أهل الذمة بإلزامهم بالصغار ، وتصغير العمائم ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=8744لا يستخدموا في شيء من الأعمال ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=8727_8726لا [ ص: 685 ] يركبوا الخيل ، ولا البغال ، ويركبون الحمير بالأكف بالعرض ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=8722يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات الأجراس ، وأن يكون أحد النعلين أسود مخالفا للون الأخرى ، ففرح بذلك المسلمون ، ودعوا للآمر بذلك .
وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول قدم قاضي القضاة
تاج الدين من الديار المصرية مستمرا على القضاء ، والخطابة ، فتلقاه الناس ، وهنئوه بالعود والسلامة .
وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي
الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين
بدمشق ، وهنأه الناس ، وباشر بصرامة ، واستعمل في غالب الجهات من أبناء المسلمين . وفي يوم الاثنين حادي عشره ركب قاضي القضاة بدر
الدين بن أبي الفتح على خيل البريد متوجها إلى الديار المصرية; لتوليه قضاء قضاة الشافعية
بدمشق عن رضى من خالة قاضي القضاة
تاج الدين ، ونزوله عن ذلك .
وفي ليلة الخميس خامس ربيع الآخر احترقت الباشورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر ، ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت ، وقد حضر طفأها نائب السلطنة ، والحاجب الكبير ، ونائب القلعة ، والولاة ، وغيرهم . وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة بسبب كثرة الأمطار ، وذلك في أوائل كانون الثاني ، وركب الماء سوق الخيل بكماله ، ووصل إلى ظاهر باب الفراديس ،
[ ص: 686 ] وتلك النواحي ، وكسر جسر الخشب الذي عند
جامع يلبغا ، وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضا . وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف
حاجب الحجاب قماري عن المباشرة بدار السعادة ، وأخذت القضاة من يده ، وانصرف إلى داره في قل من الناس ، واستبشر بذلك كثير من الناس; لكثرة ما كان يفتات على الأحكام الشرعية .
وفي أواخره اشتهر موت القاضي
تاج الدين المناوي بديار
مصر ، وولاية قاضي القضاة
بهاء الدين أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها ، ووكالة السلطان أيضا ، ورتب له مع ذلك كفايته . وتولى في هذه الأيام الشيخ
سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ
بهاء الدين أحمد ابن قاضي القضاة السبكي بالشام ، وقد ولي هو أيضا قضاء
الشام ، كما تقدم ، ثم عاد إلى
مصر موقرا مكرما ، وعاد أخوه
تاج الدين إلى
الشام ، وكذلك ولوا مع
البلقيني إفتاء دار العدل لحنفي يقال له : الشيخ
شمس الدين بن الصائغ ، وهو مفت حنفي أيضا .
وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول توفي الشيخ
نور الدين محمد ابن الشيخ أبي بكر ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أبي بكر بن قوام بزاويتهم بسفح
جبل قاسيون ، وغدا الناس إلى جنازته . وقد كان من العلماء الفضلاء الفقهاء بمذهب
[ ص: 687 ] الشافعي ، درس
بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه ،
وبالرباط الدويداري داخل
باب الفرج ، وكان يحضر المدارس ، ونزل عندنا
بالمدرسة النجيبية ، وكان يحب السنة ويفهمها جيدا ، رحمه الله .
وفي مستهل جمادى الأولى ولي قاضي القضاة
تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت
بدرب القلى ، وكانت دارا لواقفها
جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري الذي كان استاذا
للأمير طاز ، وجعل فيها درس
للحنابلة ، وجعل المدرس لهم الشيخ
برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية ، وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس ، ثم جرت أمور يطول بسطها . واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس ، واستفرد كلا منهم ، وسأله كيف شهد في أصل الكتاب - المحضر - الذي أثبتوه لهم ، فاضطربوا في الشهادات ، وضبط ذلك عليهم ، وفيه مخالفة كثيرة لما شهدوا به في أصل المحضر ، وشنع عليهم كثير من الناس . ثم ظهرت ديون كثيرة
لبيت طاز على
جمال الدين التدمري الواقف ، وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بإبطال ما حكم به الحنبلي ، فتوقف في ذلك . وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة ، فصرفوا .
وفي شهر جمادى الآخرة توفي الشيخ
شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية - ويعرف بالتتري - يوم الخميس ثامنه . صلي عليه
بالجامع المظفري [ ص: 688 ] بعد العصر ، ودفن
بالسفح ، وقد قارب الثمانين .
وفي الرابع عشر منه عقد
بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتين ، وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ، ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث ، فوقف الحنبلي في أمرهم ، ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع .
وفي العشر الأول من رجب وجد جراد كثير منتشر ، ثم تزايد ، وتراكم ، وتضاعف ، وتفاقم الأمر بسببه ، وسد الأرض كثرة ، وعاث يمينا وشمالا ، وأفسد شيئا كثيرا من الكروم ، والمقاثي ، والزروعات النفيسة ، وأتلف للناس شيئا كثيرا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ، ووكيل بيت المال إلى
باب كيسان ، فوقفوا عليه وعلى هيئته ، ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به .
وعدم للناس غلات كثيرة ، وأشياء من أنواع الزروع; بسبب كثرة الجراد ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وفي هذا الشهر كثر الوباء والفناء في الناس ، وبلغت العدة إلى السبعين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
[ ص: 683 ] ثُمَّ دَخَلَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=33874_33800سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ، وَالشَّامِيَّةِ ، وَالْحَرَمَيْنِ ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ -
الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ ابْنُ سَيِّدِي حُسَيْنٍ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ ، وَهُوَ فِي عُمْرِ عَشْرِ سِنِينَ ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ
نِظَامُ الْمُلْكِ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ ، وَقُضَاةُ
مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَوَزِيرُهَا
فَخْرُ الدِّينِ بْنُ قَرَوِينَهَ ، وَنَائِبُ
دِمَشْقَ الْأَمِيرُ
سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا الشَّمْسِيُّ ، وَهُوَ مَشْكُورِ السِّيرَةِ ، وَقُضَاتُهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ بِهَا الصَّاحِبُ
سَعْدُ الدِّينِ مَاجِدٌ ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ
عَلَمُ الدِّينِ دَاوُدُ ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي
فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الْقَاضِي
جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الرَّهَاوِيِّ .
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَدَاءُ الْفَنَاءِ مَوْجُودٌ فِي النَّاسِ ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّ وَقَلَّ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ تَوَجَّهَ قَاضِي الْقُضَاةِ - وَكَانَ
بَهَاءَ الدِّينِ أَبَا الْبَقَاءِ السُّبْكِيَّ - إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَطْلُوبًا مِنْ جِهَةِ
الْأَمِيرِ يَلْبُغَا ، وَفِي الْكِتَابِ إِجَابَتُهُ لَهُ إِلَى مَا سَأَلَ . وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ - الْحَاكِمُ
بِدِمَشْقَ وَخَطِيبُهَا - يَوْمَ
[ ص: 684 ] الِاثْنَيْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ . وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُمَا الشَّيْخُ
شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ ، مَطْلُوبًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ
وَلِيُّ الدِّينِ الْمَنْفَلُوطِيُّ مَطْلُوبًا .
وَتُوُفِّيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنَ الْمُحَرَّمِ صَاحَبُنَا الشَّيْخُ
شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ الشَّافِعِيُّ ، كَانَ لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ ، وَاشْتِغَالٌ ، وَلَهُ فَهْمٌ ، وَعَلَّقَ بِخَطِّهِ فَوَائِدَ جَيِّدَةً ، وَكَانَ إِمَامًا بِالسِّجْنِ مَنَّ
مَشْهَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ ، وَمُصَدَّرًا بِالْجَامِعِ ، وَفَقِيهًا بِالْمَدَارِسِ ، وَلَهُ مَشْيَخَةُ الْحَدِيثِ الْوَادِعِيَّةِ ، وَجَاوَزَ الْخَمْسِينَ بِسَنَوَاتٍ ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ . وَقَدِمَ الرَّكْبُ الشَّافِعِيُّ إِلَى
دِمَشْقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، وَهُمْ شَاكِرُونَ مُثْنُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَمْنًا وَرُخْصًا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ دَرَسَ بِالْمَدْرَسَةِ الْفَتْحِيَّةِ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ
عِمَادُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ الْحُسْبَانِيُّ الشَّافِعِيُّ ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْفُضَلَاءِ ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا [ التَّوْبَةِ : 36 ] .
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسَ عَشَرَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=8730نُودِيَ فِي الْبَلَدِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِإِلْزَامِهِمْ بِالصِّغَارِ ، وَتَصْغِيرِ الْعَمَائِمِ ، وَأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8744لَا يُسْتَخْدَمُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8727_8726لَا [ ص: 685 ] يَرْكَبُوا الْخَيْلَ ، وَلَا الْبِغَالَ ، وَيَرْكَبُونَ الْحَمِيرَ بِالْأَكُفِّ بِالْعَرْضِ ، وَأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8722يَكُونَ فِي رِقَابِهِمْ وَرِقَابِ نِسَائِهِمْ فِي الْحَمَّامَاتِ الْأَجْرَاسُ ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّعْلَيْنِ أَسْوَدَ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْأُخْرَى ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ ، وَدَعَوْا لِلْآمِرِ بِذَلِكَ .
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَالِثِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقَضَاءِ ، وَالْخَطَابَةِ ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ ، وَهَنَّئُوهُ بِالْعَوْدِ وَالسَّلَامَةِ .
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعِهِ لَبِسَ الْقَاضِي
الصَّاحِبُ الْبَهْنَسِيُّ الْخِلْعَةَ لِنَظْرِ الدَّوَاوِينِ
بِدِمَشْقَ ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ ، وَبَاشَرَ بِصَرَامَةٍ ، وَاسْتَعْمَلَ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَهُ رَكِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ
الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ; لِتَوَلِّيهِ قَضَاءَ قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ
بِدِمَشْقَ عَنْ رِضًى مِنْ خَالَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجِ الدِّينِ ، وَنُزُولِهِ عَنْ ذَلِكَ .
وَفِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْآخِرِ احْتَرَقَتِ الْبَاشُورَةُ الَّتِي ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ عَلَى الْجِسْرِ ، وَنَالَ حِجَارَةَ الْبَابِ شَيْءٌ مِنْ حَرِيقِهَا فَاتَّسَعَتْ ، وَقَدْ حَضَرَ طَفْأَهَا نَائِبُ السَّلْطَنَةِ ، وَالْحَاجِبُ الْكَبِيرُ ، وَنَائِبُ الْقَلْعَةِ ، وَالْوُلَاةُ ، وَغَيْرُهُمْ . وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ زَادَ النَّهْرُ زِيَادَةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ ، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كَانُونَ الثَّانِي ، وَرَكِبَ الْمَاءُ سُوقَ الْخَيْلِ بِكَمَالِهِ ، وَوَصَلَ إِلَى ظَاهِرِ بَابِ الْفَرَادِيسِ ،
[ ص: 686 ] وَتِلْكَ النَّوَاحِي ، وَكَسَرَ جِسْرَ الْخَشَبِ الَّذِي عِنْدَ
جَامِعِ يَلْبُغَا ، وَجَاءَ فَصُدِمَ بِهِ جِسْرُ الزَّلَابِيَّةِ فَكَسَرَهُ أَيْضًا . وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ صُرِفَ
حَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ ، وَأُخِذَتِ الْقُضَاةُ مِنْ يَدِهِ ، وَانْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ فِي قُلٍّ مِنَ النَّاسِ ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ; لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَفْتَاتُ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَفِي أَوَاخِرِهِ اشْتَهَرَ مَوْتُ الْقَاضِي
تَاجِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ بِدِيَارِ
مِصْرَ ، وَوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ
بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ مَكَانَهُ بِقَضَاءِ الْعَسَاكِرِ بِهَا ، وَوَكَالَةِ السُّلْطَانِ أَيْضًا ، وَرُتِّبَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ كِفَايَتُهُ . وَتَوَلَّى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الشَّيْخُ
سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقَيْنِيُّ إِفْتَاءَ دَارِ الْعَدْلِ مَعَ الشَّيْخِ
بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيِّ بِالشَّامِ ، وَقَدْ وَلِي هُوَ أَيْضًا قَضَاءَ
الشَّامِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى
مِصْرَ مُوَقَّرًا مُكَرَّمًا ، وَعَادَ أَخُوهُ
تَاجُ الدِّينِ إِلَى
الشَّامِ ، وَكَذَلِكَ وَلَّوْا مَعَ
الْبُلْقَيْنِيِّ إِفْتَاءَ دَارِ الْعَدْلِ لِحَنَفِيٍّ يُقَالُ لَهُ : الشَّيْخُ
شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ ، وَهُوَ مُفْتٍ حَنَفِيٌّ أَيْضًا .
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ
نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قَوَامٍ بِزَاوِيَتِهِمْ بِسَفْحِ
جَبَلِ قَاسِيُونَ ، وَغَدَا النَّاسُ إِلَى جَنَازَتِهِ . وَقَدْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ الْفُقَهَاءِ بِمَذْهَبِ
[ ص: 687 ] الشَّافِعِيِّ ، دَرَّسَ
بِالنَّاصِرِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ مُدَّةَ سِنِينَ بَعْدَ أَبِيهِ ،
وَبِالرِّبَاطِ الدَّوَيْدَارِيِّ دَاخِلَ
بَابِ الْفَرَجِ ، وَكَانَ يَحْضُرُ الْمَدَارِسَ ، وَنَزَلَ عِنْدَنَا
بِالْمَدْرَسَةِ النَّجِيبِيَّةِ ، وَكَانَ يُحِبُّ السُّنَّةَ وَيَفْهَمُهَا جَيِّدًا ، رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى وَلِيَ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي فُتِحَتْ
بِدَرْبِ الْقِلَى ، وَكَانَتْ دَارًا لَوَاقِفِهَا
جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى التَّدْمُرِيِّ الَّذِي كَانَ اسْتَاذًا
لِلْأَمِيرِ طَازْ ، وَجُعِلَ فِيهَا دَرْسٌ
لِلْحَنَابِلَةِ ، وَجُعِلَ الْمُدَرِّسُ لَهُمُ الشَّيْخُ
بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَيَّمِ الْجَوْزِيَّةِ ، وَحَضَرَ الدَّرْسَ وَحَضَرَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِالدَّرْسِ ، ثُمَّ جَرَتْ أُمُورٌ يَطُولُ بَسْطُهَا . وَاسْتَحْضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ شُهُودَ الْحَنَابِلَةِ بِالدَّرْسِ ، وَاسْتَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمْ ، وَسَأَلَهُ كَيْفَ شَهِدَ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ - الْمَحْضَرِ - الَّذِي أَثْبَتُوهُ لَهُمْ ، فَاضْطَرَبُوا فِي الشَّهَادَاتِ ، وَضُبِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ كَثِيرَةٌ لِمَا شَهِدُوا بِهِ فِي أَصْلِ الْمَحْضَرِ ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ . ثُمَّ ظَهَرَتْ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ
لِبَيْتِ طَازْ عَلَى
جَمَالِ الدِّينِ التَّدْمُرِيِّ الْوَاقِفِ ، وَطُلِبَ مِنَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِإِبْطَالِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَنْبَلِيُّ ، فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ . وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِصَرْفِ الْوُكَلَاءِ مِنْ أَبْوَابِ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ ، فَصُرِفُوا .
وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ
شَمْسُ الدِّينِ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ بِالصَّالِحِيَّةِ - وَيُعْرَفُ بِالتَّتَرِيِّ - يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَامِنِهِ . صُلِّيَ عَلَيْهِ
بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ [ ص: 688 ] بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَدُفِنَ
بِالسَّفْحِ ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ .
وَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ عُقِدَ
بِدَارِ السَّعَادَةِ مَجْلِسٌ حَافِلٌ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفْتِينَ ، وَطُلِبْتُ فَحَضَرْتُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْمَدْرَسَةِ التَّدْمُرِيَّةِ وَقَرَابَةِ الْوَاقِفِ ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِمُ الثُّلُثَ ، فَوَقَفَ الْحَنْبَلِيُّ فِي أَمْرِهِمْ ، وَدَافَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الدِّفَاعِ .
وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وُجِدَ جَرَادٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ ، ثُمَّ تَزَايِدَ ، وَتَرَاكَمْ ، وَتَضَاعَفَ ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ ، وَسَدَّ الْأَرْضَ كَثْرَةً ، وَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَأَفْسَدَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْكُرُومِ ، وَالْمَقَاثِي ، وَالزُّرُوعَاتِ النَّفِيسَةِ ، وَأَتْلَفَ لِلنَّاسِ شَيْئًا كَثِيرًا ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَالِثِ شَعْبَانَ تَوَجَّهَ الْقُضَاةُ ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى
بَابِ كَيْسَانَ ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ وَعَلَى هَيْئَتِهِ ، وَمِنْ نِيَّةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَتْحُهُ لِيَتَفَرَّجَ النَّاسُ بِهِ .
وَعُدِمَ لِلنَّاسِ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَأَشْيَاءُ مِنْ أَنْوَاعِ الزُّرُوعِ; بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْجَرَادِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . وَفِي هَذَا الشَّهْرِ كَثُرَ الْوَبَاءُ وَالْفَنَاءُ فِي النَّاسِ ، وَبَلَغَتِ الْعِدَّةُ إِلَى السَّبْعِينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .