فصل
فالجنة معدة للمتقين ، والنار معدة للكافرين ; كما نطق بذلك القرآن العظيم ، وتواترت بذلك الأخبار عن رسول رب العالمين ، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة ، رحمهم الله أجمعين ، المتمسكين بالعروة الوثقى ، وهي السنة إلى قيام الساعة ، خلافا لمن زعم أنهما لم يخلقا بعد وإنما يخلقان يوم القيامة ، وهذا القول قاله من لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها ، وإخراجها في " الصحيحين " وغيرهما من كتب الإسلام المعتمدة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة ، مما لا يمكن دفعه ولا رده ، لتواتره واشتهاره . والجنة والنار موجودتان الآن ،
قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [ البقرة : 24 ] . وقال : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر : 46 ] . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، " . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا [ ص: 422 ] خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله ما أطلعكم عليه
وفي " الصحيحين " من حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة
، وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود قال : " ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل أرواح الشهداء في حواصل طير خضر " . وذكر الحديث .
وروينا في " مسند الإمام " ، ثنا أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي ، مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " " . إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه
[ ص: 423 ] وتقدم الحديث المتفق على صحته من طريق عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة " . حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات
وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن مرفوعا : " أبي هريرة لجبريل : اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار . لما خلق الله تعالى الجنة قال
وكذلك في الحديث الآخر : قد أفلح المؤمنون " . لما خلق الله تعالى الجنة قال لها : تكلمي . فقالت :
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضا . فأذن لها بنفسين ; نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون من الزمهرير من بردها ، وجميع ما تجدون من الحر من فيحها ، فإذا كان الحر فأبردوا عن الصلاة
وفي " الصحيحين " من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن - وعند أبي هريرة مسلم عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 424 ] " " . لفظ مسلم . تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها ، فتقول : قط قط . فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا
وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " . لا تزال جهنم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد . حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، بعزتك وكرمك . ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ، فيسكنهم فضل الجنة
وقد ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار ليلة أسري به .
[ ص: 425 ] فأما ما وقع في " صحيح عن البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى ينشئ للنار من يشاء ، فيلقى فيها ، فتقول : هل من مزيد ؟ " . فقد قال بعض الحفاظ : هذا غلط من بعض الرواة ، وكأنه اشتبه عليه ، ودخل عليه لفظ في لفظ ، فنقل هذا الحكم من أهل الجنة إلى النار . أبي هريرة ،
قلت : فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى يمتحنهم في العرصات ، كما يمتحن غيرهم ممن لم تقم عليه الحجة في الدنيا ، فمن عصى منهم أدخله النار ، ومن استجاب أدخله الجنة ; لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] . وقال تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [ النساء : 165 ] .