قال ابن إسحاق : وكان مما بكي به أصحاب مؤتة قول حسان :
تأوبني ليل بيثرب أعسر وهم إذا ما نوم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت لي عبرة
سفوحا وأسباب البكاء التذكر بلى إن فقدان الحبيب بلية
وكم من كريم يبتلى ثم يصبر رأيت خيار المسلمين تواردوا
شعوبا وخلفا بعدهم يتأخر فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا
بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيد وعبد الله حين تتابعوا
جميعا وأسباب المنية تخطر غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم
إلى الموت ميمون النقيبة أزهر [ ص: 465 ] أغر كضوء البدر من آل هاشم
أبي إذا سيم الظلامة مجسر فطاعن حتى مال غير موسد
بمعترك فيه القنا متكسر فصار مع المستشهدين ثوابه
جنان وملتف الحدائق أخضر وكنا نرى في جعفر من محمد
وفاء وأمرا حازما حين يأمر وما زال في الإسلام من آل هاشم
دعائم عز لا يزلن ومفخر هم جبل الإسلام والناس حولهم
رضام إلى طود يروق ويقهر بهاليل منهم جعفر وابن أمه
علي ومنهم أحمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم
عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم تفرج اللأواء في كل مأزق
عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر هم أولياء الله أنزل حكمه
عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر
نام العيون ودمع عينك يهمل سحا كما وكف الطباب المخضل
في ليلة وردت علي همومها طورا أحن وتارة أتململ
واعتادني حزن فبت كأنني ببنات نعش والسماك موكل
وكأنما بين الجوانح والحشا مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
فمضوا أمام المسلمين كأنهم فنق عليهن الحديد المرفل
إذ يهتدون بجعفر ولوائه قدام أولهم فنعم الأول
حتى تفرجت الصفوف وجعفر حيث التقى وعث الصفوف مجدل [ ص: 467 ]
فتغير القمر المنير لفقده والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قرم علا بنيانه من هاشم فرعا أشم وسؤددا ما ينقل
قوم بهم عصم الإله عباده وعليهم نزل الكتاب المنزل
فضلوا المعاشر عزة وتكرما وتغمدت أحلامهم من يجهل
لا يطلقون إلى السفاه حباهم ويرى خطيبهم بحق يفصل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
وبهديهم رضي الإله لخلقه وبجدهم نصر النبي المرسل