[ ص: 136 ] فصل في صفة دفنه ، عليه الصلاة والسلام ، وأين دفن  ، وذكر الخلاف في دفنه ليلا كان أم نهارا 
قال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  ثنا  ابن جريج ،  أخبرني أبي - وهو عبد العزيز بن جريج    - أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر    : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :   " لم يقبر نبي إلا حيث يموت " فأخروا فراشه ، وحفروا له تحت فراشه صلى الله عليه وسلم   . وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج  وبين الصديق ،  فإنه لم يدركه . 
لكن رواه  الحافظ أبو يعلى  من حديث ابن عباس   وعائشة ،  عن أبي بكر الصديق ،  رضي الله عنهم ، فقال : حدثنا أبو موسى الهروي ،  ثنا أبو معاوية ،  ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر ،  عن  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض ، فقال أبو بكر    : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه " فقال : ادفنوه حيث قبض   . 
 [ ص: 137 ] وهكذا رواه الترمذي ،  عن أبي كريب ،  عن أبي معاوية ،  عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ،  عن  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه ، فقال أبو بكر    : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته . قال : " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه " ادفنوه في موضع فراشه   . ثم إن الترمذي  ضعف المليكي ،  ثم قال : وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه ، رواه ابن عباس ،  عن أبي بكر الصديق ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الأموي ،  عن أبيه ، عن ابن إسحاق ،  عن رجل حدثه ، عن عروة ،  عن عائشة  أن أبا بكر  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض "   . 
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا    : حدثني محمد بن سهل التميمي ،  ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي ،  عن حماد بن سلمة ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة  قالت : كان بالمدينة  حفاران ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر  رضي الله عنه : في المكان الذي مات فيه . وكان أحدهما يلحد والآخر يشق ، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه مالك بن أنس ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه منقطعا   . 
وقال أبو يعلى    : حدثنا جعفر بن مهران  ثنا عبد الأعلى ،  عن محمد بن إسحاق ،  حدثني حسين بن عبد الله ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : لما أرادوا   [ ص: 138 ] أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عبيدة بن الجراح  يضرح كحفر أهل مكة  وكان  أبو طلحة زيد بن سهل  هو الذي كان يحفر لأهل المدينة  وكان يلحد ، فدعا العباس  رجلين ، فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة    . وللآخر : اذهب إلى أبي طلحة    . اللهم خر لرسولك . قال : فوجد صاحب أبي طلحة  أبا طلحة ،  فجاء به ، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، وضع على سريره في بيته ، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ; فقال قائل : ندفنه في مسجده . وقال قائل : ندفنه مع أصحابه . فقال أبو بكر    : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض " فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته ، ثم أدخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا ; الرجال حتى إذا فرغ منهم أدخل النساء ، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم  من أوسط الليل ليلة الأربعاء   . 
وهكذا رواه ابن ماجه ،  عن  نصر بن علي الجهضمي ،  عن  وهب بن جرير  عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق  فذكر بإسناده مثله . وزاد في آخره : ونزل في حفرته علي بن أبي طالب ،  والفضل  وقثم  ابنا العباس ،  وشقران مولى رسول الله  صلى الله عليه وسلم . قال أوس بن خولي ،  وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب    :   [ ص: 139 ] أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال له علي    : انزل . وكان شقران  مولاه أخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك . فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم   . وقد رواه الإمام أحمد ،  عن حسين بن محمد ،  عن جرير بن حازم ،  عن ابن إسحاق  مختصرا . وكذلك رواه  يونس بن بكير  وغيره عن ابن إسحاق  به . 
وروى الواقدي ،  عن ابن أبي حبيبة ،  عن  داود بن الحصين ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  عن أبي بكر الصديق ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض "   . 
وروى  البيهقي ،  عن  الحاكم ،  عن الأصم ،  عن أحمد بن عبد الجبار ،  عن  يونس بن بكير ،  عن محمد بن إسحاق ،  عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين  أو محمد بن جعفر بن الزبير  قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه ، فقالوا : كيف ندفنه ; مع الناس أو في بيوته ؟ فقال أبو بكر    : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض " فدفن حيث كان فراشه ، رفع الفراش وحفر تحته   . 
 [ ص: 140 ] وقال الواقدي    : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ،  عن عثمان بن محمد الأخنسي ،  عن عبد الرحمن بن سعيد ، يعني ابن يربوع ،  قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره ;  فقال قائل : في البقيع  فقد كان يكثر الاستغفار لهم . وقال قائل : عند منبره . وقال قائل : في مصلاه . فجاء أبو بكر  فقال : إن عندي من هذا خبرا وعلما ; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي   " قال  الحافظ البيهقي    : وهو في حديث يحيى بن سعيد ،  عن  القاسم بن محمد ،  وفي حديث  ابن جريج ،  عن أبيه ، كلاهما عن أبي بكر الصديق ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . 
وقال  البيهقي ،  عن  الحاكم ،  عن الأصم ،  عن أحمد بن عبد الجبار ،  عن  يونس بن بكير ،  عن سلمة بن نبيط بن شريط ،  عن أبيه ، عن سالم بن عبيد ،  وكان من أصحاب الصفة ،  قال : دخل أبو بكر  على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ثم خرج ، فقيل له : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم . فعلموا أنه كما قال ، وقيل له : أنصلي عليه ؟ وكيف نصلي عليه ؟ قال تجيئون عصبا عصبا فتصلون . فعلموا أنه كما قال ، قالوا : هل يدفن ؟ وأين ؟ قال : حيث قبض الله روحه ، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب . فعلموا أنه كما قال   . 
وروى  البيهقي  من حديث سفيان بن عيينة ،  عن يحيى بن سعيد الأنصاري ،  عن  سعيد بن المسيب  قال : عرضت عائشة  على أبيها رؤيا ، وكان   [ ص: 141 ] من أعبر الناس ، قالت : رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري فقال لها : إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة . فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة  هذا خير أقمارك ، ورواه مالك ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن عائشة  منقطعا . 
وفي " الصحيحين " عنها أنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة   . 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث أبي عوانة ،  عن هلال الوزان ،  عن عروة ،  عن عائشة  قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يقول :   " لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد    " قالت عائشة    : ولولا ذلك لأبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا   . 
وقال ابن ماجه    : حدثنا محمود بن غيلان ،  ثنا  هاشم بن القاسم ،  ثنا  مبارك بن فضالة ،  حدثني حميد الطويل ،  عن أنس بن مالك  قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بالمدينة  رجل يلحد وآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ، ونبعث إليهما ، فأيهما سبق تركناه . فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد ،   [ ص: 142 ] فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم   . تفرد به ابن ماجه    . وقد رواه  الإمام أحمد  عن  أبي النضر هاشم بن القاسم  به . 
وقال ابن ماجه  أيضا : حدثنا  عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد ،  ثنا عبيد بن طفيل ،  ثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة ،  حدثني  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق ، حتى تكلموا في ذلك ، وارتفعت أصواتهم فقال عمر    : لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا . أو كلمة نحوها ، فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا ، فجاء اللاحد ، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن صلى الله عليه وسلم   . تفرد به ابن ماجه    . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع ،  ثنا العمري ،  عن نافع ،  عن ابن عمر ،  وعن عبد الرحمن بن القاسم ،  عن أبيه ، عن عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد   . تفرد به أحمد  من هذين الوجهين . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا يحيى  عن شعبة ،  وابن جعفر ،  ثنا شعبة ،  حدثني أبو جمرة  عن ابن عباس  قال : جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء   .   [ ص: 143 ] وقد رواه مسلم   والترمذي   والنسائي  من طرق ، عن شعبة  به . وقد رواه  وكيع ،  عن شعبة    . وقال  وكيع    : كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه  ابن عساكر    . 
وقال ابن سعد    : أنبأنا محمد بن عبد الله الأنصاري ،  ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني  عن الحسن ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته سمل قطيفة حمراء كان يلبسها قال : وكانت أرضا ندية   . 
وقال هشيم عن منصور ،  عن الحسن  قال : جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء ، كان أصابها يوم خيبر    . قال الحسن    : جعلها لأن المدينة  أرض سبخة . قال : ففرشت تحته . 
وقال محمد بن سعد    : ثنا حماد بن خالد الخياط ،  عن عقبة بن أبي الصهباء ،  سمعت الحسن  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   " افرشوا لي قطيفتي   [ ص: 144 ] في لحدي ; فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء    "   . 
وروى  الحافظ البيهقي  من حديث مسدد ،  ثنا عبد الواحد ،  ثنا معمر ،  عن الزهري ،  عن  سعيد بن المسيب  قال : قال علي    : غسلت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم    . قال : وولي دفنه ، عليه الصلاة والسلام ، وإجنانه دون الناس أربعة ;  علي ،  والعباس ،  والفضل ،  وصالح مولى النبي  صلى الله عليه وسلم ، ولحد للنبي صلى الله عليه وسلم لحد ، ونصب عليه اللبن نصبا   . 
وذكر  البيهقي  عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه الصلاة والسلام تسع لبنات . 
وروى الواقدي ،  عن ابن أبي سبرة ،  عن عباس بن عبد الله بن معبد ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء ، يصلي الناس عليه وسريره على شفير قبره ، فلما أرادوا أن يقبروه ، عليه الصلاة والسلام نحوا السرير قبل رجليه ، فأدخل من هناك ، ودخل في حفرته العباس  وعلي  وقثم  والفضل  وشقران    . 
وروى  البيهقي  من حديث إسماعيل السدي ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس   [ ص: 145 ] قال : دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس  وعلي  والفضل ،   وسوى لحده رجل من الأنصار ، وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر    . قال  ابن عساكر    : صوابه يوم أحد    . وقد تقدم رواية ابن إسحاق ،  عن حسين بن عبد الله ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : كان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي  والفضل  وقثم  وشقران    . وذكر الخامس ، وهو أوس بن خولي  ، وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران . 
وقال  الحافظ البيهقي    : أخبرنا أبو طاهر الفقيه ،  أنا أبو طاهر المحمداباذي ،  ثنا أبو قلابة ،  ثنا أبو عاصم ،  ثنا  سفيان بن سعيد    - هو الثوري    - عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن الشعبي  قال : حدثني أبو مرحب  قال : كأني أنظر إليهم في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ; أحدهم عبد الرحمن بن عوف  وهكذا رواه أبو داود ،  عن محمد بن الصباح ،  عن سفيان ،  عن إسماعيل بن أبي خالد  به . ثم رواه عن  أحمد بن يونس ،  عن زهير ،  عن إسماعيل ،  عن الشعبي ،  حدثني مرحب  أو أبو مرحب ،  أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف ،  فلما فرغ   [ ص: 146 ] علي  قال : إنما يلي الرجل أهله . وهذا حديث غريب جدا ، وإسناده جيد قوي ، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه . 
وقد قال أبو عمر بن عبد البر  في " استيعابه " أبو مرحب اسمه سويد بن قيس    . وذكر أبا مرحب  آخر ، وقال : لا أعرف خبره . قال  ابن الأثير  في " الغابة " : فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما أو ثالثا غيرهما . ولله الحمد . 
				
						
						
