[ ص: 179 ] باب 
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ولا درهما ،  ولا عبدا ولا أمة ، ولا شاة ولا بعيرا ، ولا شيئا يورث عنه ، بل أرضا جعلها كلها صدقة لله ، عز وجل ، فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين ، وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين . 
قال  البخاري    : حدثنا قتيبة ،  ثنا أبو الأحوص ،  عن أبي إسحاق ،  عن عمرو بن الحارث  قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا أمة ، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة   . انفرد به  البخاري  دون مسلم ،  فرواه في أماكن من " صحيحه " من طرق متعددة ، عن أبي الأحوص ،   وسفيان الثوري ،   وزهير بن معاوية ،  ورواه الترمذي  من حديث إسرائيل ،   والنسائي  أيضا من حديث يونس بن أبي إسحاق ،  كلهم عن  أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ،  عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن أبي ضرار    - أخي  جويرية بنت الحارث أم المؤمنين ،  رضي الله عنهما - به . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا أبو معاوية ،  ثنا الأعمش    - وابن نمير ،  عن   [ ص: 180 ] الأعمش    - عن شقيق ، عن مسروق ،  عن عائشة  قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ، ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء . وهكذا رواه مسلم  منفردا به عن  البخاري  وأبو داود   والنسائي   وابن ماجه  من طرق متعددة ، عن سليمان بن مهران الأعمش  عن  شقيق بن سلمة أبي وائل ،  عن مسروق بن الأجدع ،  عن أم المؤمنين عائشة  الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله ، المبرأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا إسحاق بن يوسف  عن سفيان  عن عاصم ،  عن زر بن حبيش  عن عائشة  قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ، ولا أمة ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا . 
وحدثنا عبد الرحمن ،  عن سفيان ،  عن عاصم ،  عن زر  عن عائشة    : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا قال سفيان    : وأكبر علمي وأشك في العبد والأمة . وهكذا رواه الترمذي  في " الشمائل " عن بندار ،  عن عبد الرحمن بن مهدي  به . 
قال الإمام أحمد    : وحدثنا  وكيع  ثنا مسعر  عن عاصم بن أبي النجود ،  عن زر  عن عائشة  قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا   [ ص: 181 ] ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا . هكذا رواه الإمام أحمد  من غير شك . 
وقد رواه  البيهقي  عن أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكي ،  عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب ،  ثنا محمد بن عبد الوهاب ،  أنبأنا  جعفر بن عون ،  أنبأنا مسعر ،  عن عاصم ،  عن زر  قال : قالت عائشة    : تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا وليدة   . قال مسعر    : أراه قال : ولا شاة ولا بعيرا . 
قال : وأنبأنا مسعر  عن عدي بن ثابت  عن علي بن الحسين  قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة . 
وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش  عن إبراهيم  عن الأسود  عن عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد . 
وفي لفظ  للبخاري  رواه عن قبيصة  عن الثوري  عن الأعمش  عن إبراهيم  عن الأسود  عن عائشة  رضي الله عنها ، قالت : توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين   . 
ورواه  البيهقي  من حديث  يزيد بن هارون ،  عن الثوري  عن الأعمش  عن إبراهيم  عن الأسود ،  عنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين   [ ص: 182 ] صاعا من شعير   . ثم قال : رواه  البخاري  عن محمد بن كثير  عن سفيان    . 
ثم قال  البيهقي    : أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان ،  أنبأنا أبو بكر محمد بن محمويه العسكري ،  ثنا جعفر بن محمد القلانسي ،  ثنا آدم ،  ثنا شيبان ،  عن قتادة ،  عن أنس  قال : لقد دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير وإهالة سنخة   . قال أنس    : ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول   " والذي نفس محمد  بيده ، ما أصبح عند آل محمد  صاع بر ولا صاع تمر " وإن له يومئذ تسع نسوة ، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة ، وأخذ منه طعاما ، فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم   . وقد روى ابن ماجه  بعضه من حديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي ،  عن قتادة  به . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الصمد ،  ثنا ثابت ،  ثنا هلال ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أحد  فقال :   " والذي نفسي بيده ما يسرني أن أحدا لآل محمد  ذهبا أنفقه في سبيل الله ، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين " قال : فمات فما ترك دينارا ولا   [ ص: 183 ] درهما ولا عبدا ولا وليدة ، وترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير   . وقد روى آخره ابن ماجه ،  عن  عبد الله بن معاوية الجمحي ،  عن ثابت بن يزيد ،  عن هلال بن خباب العبدي  الكوفي به . ولأوله شاهد في " الصحيح " من حديث أبي ذر  رضي الله عنه . 
وقد قال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الصمد  وأبو سعيد  وعفان ،  قالوا : حدثنا ثابت ، هو ابن يزيد ،  ثنا هلال ، هو ابن خباب ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر  وهو على حصير قد أثر في جنبه ، فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا . فقال :   " ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها " تفرد به أحمد ،  وإسناده جيد ، وله شاهد من حديث ابن عباس ،  عن عمر ،  في المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة الإيلاء . وسيأتي الحديث مع غيره مما شاكله في بيان زهده ، عليه الصلاة والسلام ، وتركه الدنيا ، وإعراضه عنها ، واطراحه لها ، وهو مما يدل على ما قلناه من أنه ، عليه الصلاة والسلام لم تكن الدنيا عنده ببال . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا سفيان ،  ثنا عبد العزيز بن رفيع  قال : دخلت أنا وشداد بن معقل  على ابن عباس ،  فقال ابن عباس    : ما ترك رسول الله   [ ص: 184 ] صلى الله عليه وسلم إلا ما بين هذين اللوحين   . قال : ودخلنا على محمد بن علي  فقال مثل ذلك . وهكذا رواه  البخاري  عن قتيبة  عن سفيان بن عيينة  به . 
وقال  البخاري    : حدثنا أبو نعيم  ثنا  مالك بن مغول  عن طلحة  قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى  أأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا . فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها ؟ قال أوصى بكتاب الله عز وجل   . وقد رواه  البخاري  أيضا ومسلم ،  وأهل السنن إلا أبا داود  من طرق ، عن  مالك بن مغول  به . وقال الترمذي    : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث  مالك بن مغول    . 
تنبيه : قد وردت أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها ، صلوات الله وسلامه عليه ، في حياته ; من دور ومساكن نسائه وإماء وعبيد وخيول وإبل وغنم وسلاح وبغلة وحمار وثياب وأثاث وخاتم ، وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله ، فلعله عليه الصلاة والسلام تصدق بكثير منها في حياته منجزا ، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده وأرصد ما أرصده من أمتعته مع ما خصه الله به من الأرضين من بني النضير  وخيبر وفدك ، في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا ; لما سنذكره قريبا ، وبالله المستعان . 
				
						
						
