[ ص: 185 ] باب بيان أنه عليه الصلاة والسلام قال : " لا نورث " 
 قال الإمام أحمد    : حدثنا سفيان ،  عن  أبي الزناد ،  عن  الأعرج ،  عن  أبي هريرة  يبلغ به ، وقال مرة  قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " وقد رواه  البخاري  ومسلم وأبو داود  من طرق ، عن مالك بن أنس ،  عن  أبي الزناد عبد الله بن ذكوان ،  عن  عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ،  عن  أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " لفظ  البخاري    . 
ثم قال  البخاري    : حدثنا عبد الله بن مسلمة ،  عن مالك ،  عن ابن شهاب ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان  إلى أبي بكر  يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة    : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   " لا نورث ، ما تركنا صدقة ؟ " وهكذا رواه مسلم  عن يحيى بن يحيى ،  وأبو داود  عن القعنبي ،   والنسائي  عن قتيبة ،   [ ص: 186 ] كلهم عن مالك  به . فهذه إحدى النساء الوارثات - إن لو قدر ميراث - قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا ، والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت ، وتذكرن ما قالت لهن من ذلك ، فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن . والله أعلم . 
وقال  البخاري    : حدثنا إسماعيل بن أبان ،  أخبرنا  عبد الله بن المبارك ،  عن يونس ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " لا نورث ، ما تركنا صدقة "   . 
وقال  البخاري    : باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " لا نورث ، ما تركنا صدقة " حدثنا عبد الله بن محمد ،  ثنا هشام ،  أنبأنا معمر ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن فاطمة  والعباس  أتيا أبا بكر ،  رضي الله عنه ، يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك  وسهمه من خيبر    . فقال لهما أبو بكر    : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " لا نورث ، ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد  من هذا المال " قال أبو بكر    : والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة  فلم تكلمه حتى ماتت . وهكذا رواه الإمام أحمد ،  عن عبد الرزاق ،  عن معمر    . 
 [ ص: 187 ] ثم رواه أحمد ،  عن يعقوب بن إبراهيم ،  عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن فاطمة  سألت أبا بكر  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها  مما ترك مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر    : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " لا نورث ، ما تركنا صدقة " فغضبت فاطمة ،  وهجرت أبا بكر  فلم تزل مهاجرته حتى توفيت . قال : وعاشت فاطمة  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر    . وذكر تمام الحديث . هكذا قال الإمام أحمد    . 
وقد روى  البخاري  هذا الحديث في كتاب المغازي من " صحيحه " عن يحيى بن بكير ،  عن الليث ،  عن عقيل ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  كما تقدم ، وزاد : فلما توفيت دفنها علي  ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ،  وصلى عليها ، وكان لعلي  من الناس وجه حياة فاطمة    . فلما توفيت استنكر علي  وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر  ومبايعته ، ولم يكن بايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر    : ائتنا ولا يأتنا معك أحد . وكره أن يأتيه عمر  لما علم من شدة عمر ،  فقال عمر ،  والله لا تدخل عليهم وحدك . قال أبو بكر    : وما عسى أن يصنعوا بي ؟ والله لآتينهم . فانطلق أبو بكر ،  رضي الله عنه ، فتشهد علي وقال : إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك   [ ص: 188 ] خيرا ساقه الله إليك ، ولكنكم استبددتم بالأمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا في هذا الأمر نصيبا . فلم يزل علي  يذكر حتى بكى أبو بكر  رضي الله عنه ، وقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم في هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته . فقال علي    : موعدك للبيعة عشية . فلما صلى أبو بكر ،  رضي الله عنه ، الظهر رقي على المنبر فتشهد ، وذكر شأن علي  وتخلفه عن البيعة ، وعذره بالذي اعتذر به ، وتشهد علي ،  رضي الله عنه ، فعظم حق أبي بكر ،  وذكر فضيلته وسابقته ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ،  ثم قام إلى أبي بكر ،  رضي الله عنهما ، فبايعه فأقبل الناس على علي  فقالوا : أحسنت . وكان الناس إلى علي  قريبا حين راجع الأمر بالمعروف   . وقد رواه  البخاري  أيضا ومسلم  وأبو داود ،   والنسائي  من طرق متعددة ، عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  بنحوه . 
فهذه البيعة التي وقعت من علي ،  رضي الله عنه لأبي بكر   رضي الله عنه ، بعد وفاة فاطمة ،  رضي الله عنها ، بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما ، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة ، كما رواه  ابن خزيمة  وصححه مسلم بن الحجاج ،  ولم يكن علي  مجانبا لأبي بكر  هذه الستة الأشهر ، بل   [ ص: 189 ] كان يصلي وراءه ويحضر عنده للمشورة ، وركب معه إلى ذي القصة ، كما سيأتي . 
وفي " صحيح  البخاري    " أن أبا بكر ،  رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي  يلعب مع الغلمان ، فاحتمله على كاهله ، وجعل يقول : بأبي شبيه النبي ، ليس شبيها بعلي ، وعلي يضحك . ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها ، فنفى ذلك ، والمثبت مقدم على النافي ، كما تقدم وكما تقرر . والله أعلم . وأما تغضب فاطمة    - رضي الله عنها وأرضاها - على أبي بكر  رضي الله عنه وأرضاه ، فما أدري ما وجهه ، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث ، فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله ، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :   " لا نورث ، ما تركنا صدقة " وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث ، كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة  بذلك ، ووافقنها عليه ، وليس يظن بفاطمة ،  رضي الله عنها ، أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه ، فيما أخبرها به حاشاها وحاشاه من ذلك ، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب ،  وعثمان بن عفان ،  وعلي بن أبي طالب ،   والعباس بن عبد المطلب ،   وعبد الرحمن بن عوف ،   وطلحة بن عبيد الله ،   والزبير بن العوام ،   وسعد بن أبي وقاص ،    وأبو هريرة ،  وعائشة ؟    ! رضي الله عنهم أجمعين ، كما سنبينه قريبا ، ولو تفرد بروايته   [ ص: 190 ] الصديق ، رضي الله عنه ، لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته ، والانقياد له في ذلك ، وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق - إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا - أن يكون زوجها ينظر فيها ، فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلي ما كان يليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : وإني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة ،  فلم تكلمه حتى ماتت . وهذا الهجران والحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا ، وجهلا طويلا ، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم ، ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله ، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله ، ولكنهم طائفة مخذولة ، وفرقة مرذولة ، يتمسكون بالمتشابه ، ويتركون الأمور المحكمة المقررة عند أئمة الإسلام ، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار ، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين . 
				
						
						
