[ ص: 161 ] ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره ، عليه الصلاة والسلام ، عن الغيوب المستقبلة  
فمن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " من حديث إبراهيم بن سعد ،  عن أبيه ، عن أبي سلمة ،  عن عائشة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه قد كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب     " 
وقد قال يعقوب بن سفيان    : ثنا  عبيد الله بن موسى ،  أنا أبو إسرائيل ،  كوفي ، عن الوليد بن العيزار ،  عن عمرو بن ميمون ،  عن علي ،  رضي الله عنه ، قال : ما كنا ننكر ونحن متوافرون - أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم - أن السكينة تنطق على لسان عمر    . قال  البيهقي    : تابعه زر بن حبيش   والشعبي  عن علي    . 
قال يعقوب بن سفيان    : ثنا مسلم بن إبراهيم ،  ثنا شعبة ،  عن  قيس بن مسلم ،  عن  طارق بن شهاب  قال : كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب  ينطق على لسان ملك ، وقد ذكرنا في " سيرة عمر بن الخطاب    " ، رضي الله عنه ، أشياء كثيرة ، من مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات ، كقصة سارية بن زنيم ،   [ ص: 162 ] وما شاكلها ولله الحمد والمنة . 
ومن ذلك ما رواه  البخاري  من حديث فراس ،  عن الشعبي ،  عن مسروق ،  عن عائشة ،  رضي الله عنها ، أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده ، فقلن يوما : يا رسول الله ، أينا أسرع بك لحوقا؟ فقال : " أطولكن يدا " . وكانت سودة  أطولنا ذراعا ، فكانت أسرعنا به لحوقا . هكذا وقع في " الصحيح " عند  البخاري  أنها سودة ،  وقد رواه  يونس بن بكير ،  عن زكريا بن أبي زائدة ،  عن الشعبي ،  فذكر الحديث مرسلا ، وقال : فلما توفيت زينب  علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة   . والذي رواه مسلم ،  عن محمود بن غيلان ،  عن الفضل بن موسى ،  عن طلحة بن يحيى بن طلحة ،  عن  عائشة بنت طلحة ،  عن  عائشة أم المؤمنين ،  رضي الله عنها ، فذكرت الحديث ، وفيه : فكانت زينب  أطولنا يدا; لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق . وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش  كانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاة    . قال الواقدي    : توفيت سنة عشرين ، وصلى عليها عمر بن الخطاب .  قلت : وأما سودة  فإنها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب  أيضا . قاله  ابن أبي خيثمة    . 
ومن ذلك ما رواه مسلم  من حديث أسير بن جابر ،  عن عمر بن الخطاب  في قصة  أويس القرني ،  وإخباره ، عليه الصلاة والسلام ، عنه بأنه خير التابعين   [ ص: 163 ] وأنه كان به برص ، فدعا الله فأذهبه عنه ، إلا موضعا قدر الدرهم من جسده ، وأنه بار بأمه ، وأمره لعمر بن الخطاب  أن يستغفر له ، وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب  على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من " مسند عمر بن الخطاب    " ، رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة . 
ومن ذلك ما رواه أبو داود    : حدثنا  عثمان بن أبي شيبة ،  ثنا  وكيع ،  ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ،  حدثتني جدتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري ،  عن أم ورقة بنت نوفل ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا  قالت : يا رسول الله ، ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم ، لعل الله يرزقني الشهادة . فقال لها : " قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة " فكانت تسمى الشهيدة ، وكانت قد قرأت القرآن ، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في بيتها مؤذنا ، فأذن لها ، وكانت دبرت غلاما لها وجارية ، فقاما إليها بالليل ، فغماها في قطيفة لها حتى ماتت وذهبا ، فأصبح عمر ،  فقام في الناس ، وقال : من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما - يعني فجيء بهما -   [ ص: 164 ] فأمر بهما فصلبا ، وكانا أول مصلوبين بالمدينة    . وقد رواه  البيهقي  من حديث أبي نعيم ،  ثنا الوليد بن جميع ،  حدثتني جدتي ، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ،  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة . فذكر الحديث وفي آخره : فقال عمر    : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول   : " انطلقوا بنا نزور الشهيدة 
ومن ذلك ما رواه  البخاري  من حديث  أبي إدريس الخولاني ،  عن عوف بن مالك  في حديثه ، عنه في الآيات الست بعد موته ، وفيه   : " ثم موتان يأخذكم كقعاص الغنم وهذا قد وقع في أيام عمر ،  وهو طاعون عمواس  سنة ثماني عشرة ، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة ، منهم ، معاذ بن جبل ،  وأبو عبيدة ،  ويزيد بن أبي سفيان ،  وشرحبيل بن حسنة ،   وأبو جندل سهل بن عمر ،  وأبوه ،  والفضل بن العباس بن عبد المطلب ،  رضي الله عنهم أجمعين . 
وقد قال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع ،  ثنا النهاس بن قهم ،  ثنا شداد أبو   [ ص: 165 ] عمار ،  عن معاذ بن جبل  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ست من أشراط الساعة;  موتي ، وفتح بيت المقدس ،  وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم ، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم ، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها ، وأن يغدر الروم  فيسيرون إليكم بثمانين بندا ، تحت كل بند اثنا عشر ألفا " 
وقد قال الحافظ  البيهقي    : أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ،  ثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب ،  ثنا بحر بن نصر ،  ثنا ابن وهب ،  أخبرني ابن لهيعة  عن عبد الله بن حيان ،  أنه سمع  سليمان بن موسى  يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة ،  فقام عمرو بن العاص  فقال يا أيها الناس ، إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه . فقام شرحبيل بن حسنة  فقال : يا أيها الناس ، إني قد سمعت قول صاحبكم ، وإني والله لقد أسلمت وصليت وإن عمرا  لأضل من بعير أهله ، وإنما هو بلاء أنزله الله عز وجل ، فاصبروا . فقام معاذ بن جبل  فقال : يا أيها الناس ، إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين ، وإن هذا الطاعون رحمة بكم ، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنكم ستقدمون الشام  فتنزلون أرضا يقال لها : أرض عموسة    . فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل ، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ، ويزكي به   [ ص: 166 ] أموالكم " . اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فارزق معاذا  وآل معاذ  منه الحظ الأوفى ، ولا تعافه منه . قال : فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول : اللهم بارك فيها ، فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا . ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال : الحق من ربك فلا تكونن من الممترين    [ يونس : 94 ] . فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين    [ الصافات : 102 ] . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش  وجامع بن أبي راشد ،  عن شقيق بن سلمة  عن حذيفة  قال : كنا جلوسا عند عمر  فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت : أنا . قال : هات إنك لجريء . فقلت : فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره ، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال ليس هذا أعني ، إنما أعني التي تموج موج البحر . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . قال : ويحك ، أيفتح الباب أم يكسر؟ قلت بل يكسر . قال : إذا لا يغلق أبدا . قلت : أجل . فقلنا لحذيفة    : فكان عمر  يعلم من الباب؟  قال نعم ، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . قال : فهبنا أن نسأل حذيفة  من الباب ، فقلنا لمسروق  فسأله ، فقال : عمر    . وهكذا وقع من بعد مقتل عمر  وقعت الفتن في الناس وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان  ، رضي الله عنهما . 
وقد قال يعلى بن عبيد  عن الأعمش  ، عن شقيق ،  عن عزرة بن قيس   [ ص: 167 ] قال : خطبنا خالد بن الوليد  فقال : إن أمير المؤمنين عمر  بعثني إلى الشام  ، فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند    . فقال رجل من تحته : اصبر أيها الأمير ، فإن الفتن قد ظهرت . فقال خالد    : أما وابن الخطاب  حي فلا ، وإنما ذاك بعده . 
وقد روى  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن الزهري ،  عن سالم ،  عن أبيه قال : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر  ثوبا فقال : " أجديد ثوبك أم غسيل؟ " قال : بل غسيل . قال " البس جديدا ، وعش حميدا ، ومت شهيدا " وأظنه قال : " ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة "   . وهكذا رواه  النسائي   وابن ماجه  من حديث عبد الرزاق  به ، ثم قال  النسائي    : هذا حديث منكر ، أنكره  يحيى القطان  على عبد الرزاق ،  وقد روي عن الزهري  من وجه آخر مرسلا . قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ    : لا أعلم أحدا رواه عن الزهري  غير معمر ،  وما أحسبه بالصحيح ، والله أعلم . قلت رجال إسناده واتصاله على شرط " الصحيحين " ، وقد قبل الشيخان تفرد معمر  عن الزهري  في غيرما حديث ، ثم قد روى البزار  هذا الحديث من طريق جابر الجعفي ،  وهو ضعيف ، عن عبد الرحمن بن سابط ،  عن  جابر بن عبد الله ،   [ ص: 168 ] مرفوعا مثله سواء ، وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث; فإنه ، رضي الله عنه ، قتل شهيدا وهو قائم يصلي  الفجر في محرابه من المسجد النبوي ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام . وقد تقدم حديث أبي ذر  في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ،  ثم عمر ،  ثم عثمان ،  وقوله ، عليه الصلاة والسلام   : " هذه خلافة النبوة " 
وقال نعيم بن حماد  ثنا  عبد الله بن المبارك ،  أنا حشرج بن نباتة ،  عن سعيد بن جمهان ،  عن  سفينة  قال : لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة  جاء أبو بكر  بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر  بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان  بحجر فوضعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هؤلاء يكونون الخلفاء بعدي وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة  قوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من نجا منهن فقد نجا; موتي ، وقتل خليفة مصطبر ، والدجال    " وفي حديثه الآخر الأمر باتباع عثمان  عند وقوع الفتنة . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث  سليمان بن بلال ،  عن شريك بن أبي نمير ،  عن  سعيد بن المسيب ،  عن أبي موسى  قال : توضأت في بيتي ، ثم خرجت فقلت : لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا : خرج وتوجه هاهنا . فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس  ،   [ ص: 169 ] وبابها من جريد ، فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس ، فجئته فسلمت عليه ، فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس  فتوسطه ، ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه ، فرجعت إلى الباب وقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم أنشب أن دق الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : أبو بكر    . قلت : على رسلك . وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذا أبو بكر  يستأذن . فقال : " ائذن له وبشره بالجنة " . قال : فخرجت مسرعا حتى قلت لأبي بكر    : ادخل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة . قال : فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ، ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ ، وقد كان قال لي : أنا على إثرك . فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به . قال : فسمعت تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عمر    . قلت : على رسلك قال : وجئت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلمت عليه وأخبرته ، فقال : " ائذن له وبشره بالجنة " . قال : فجئت وأذنت له ، وقلت له : رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة . قال : فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره ، وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر    . قال : ثم رجعت فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به - يريد أخاه - فإذا تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفان    . قلت : على رسلك . وذهبت إلى رسول الله فقلت : هذا عثمان  يستأذن . فقال : " ائذن   [ ص: 170 ] له وبشره بالجنة مع بلوى أو بلاء يصيبه " . قال : فجئت فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك . فدخل وهو يقول : الله المستعان . فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر ، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر  وعمر ،  رضي الله عنهما قال  سعيد بن المسيب  فأولتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان    . 
وقد روى  البيهقي  من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور  عن إبراهيم بن محمد بن حاطب ،  عن عبد الرحمن بن بجير ،  عن  زيد بن أرقم  قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " انطلق حتى تأتي أبا بكر  فتجده في داره جالسا محتبيا فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة . ثم انطلق حتى تأتي الثنية ، فتلقى عمر  راكبا على حمار تلوح صلعته ، فقل : إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة . ثم انصرف حتى تأتي عثمان  فتجده في السوق يبيع ويبتاع ، فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة بعد بلاء شديد    " . فذكر الحديث في ذهابه إليهم ، فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلا منهم يقول : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول : في مكان كذا وكذا . فيذهب إليه ، وأن عثمان  لما رجع قال : يا رسول الله ، وأي بلاء يصيبني؟ والذي   [ ص: 171 ] بعثك بالحق ما تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك ، فأي بلاء يصيبني؟ فقال : " هو ذاك " ثم قال  البيهقي    : عبد الأعلى  ضعيف ، فإن كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم  زيد بن أرقم ،  فجاءوا وأبو موسى  جالس على الباب كما تقدم . وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الأمصار بلا علم ، فوقع ما سنذكره في دولته ، إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى اضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه ، حتى غسل بعد ذلك وصلي عليه ودفن بحش كوكب - بستان في طرف البقيع    - رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه . 
كما قال  الإمام أحمد    : حدثنا يحيى ،  عن إسماعيل بن قيس ،  عن أبي سهلة مولى عثمان ،  عن عائشة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادعوا لي بعض أصحابي " . قلت : أبو بكر؟  قال " لا " . قلت عمر؟  قال : " لا " . قلت ابن عمك علي؟  قال : " لا " . قلت : عثمان؟  قال : " نعم " . فلما جاء عثمان  قال : " تنحى " . فجعل يساره ولون عثمان  يتغير . قال أبو سهلة    : فلما كان يوم الدار وحصر فيها ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، ألا تقاتل؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا ، وإني صابر نفسي عليه تفرد به أحمد ،  ثم قد رواه أحمد  عن  وكيع ،  عن إسماعيل ،  عن قيس ،  عن عائشة ،  فذكر مثله ،   [ ص: 172 ] وأخرجه ابن ماجه  من حديث  وكيع    . 
وقال نعيم بن حماد  في كتابه " الفتن والملاحم " : حدثنا عتاب بن بشير ،  عن خصيف ،  عن مجاهد ،  عن عائشة ،  رضي الله عنها ، قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان  بين يديه يناجيه ، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان    : أظلما وعدوانا يا رسول الله؟! فما دريت ما هو حتى قتل عثمان ،  فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عنى قتله . قالت عائشة    : وما أحببت أن يصل إلى عثمان  شيء إلا وصل إلي مثله ، غير أن الله علم أني لم أحب قتله ، ولو أحببت قتله لقتلت . وذلك لما رمي هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ 
وقال  أبو داود الطيالسي    : ثنا إسماعيل بن جعفر ،  عن  عمرو بن أبي عمرو ، مولى المطلب ،  عن المطلب ،  عن حذيفة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم ، وتجتلدوا بأسيافكم ، ويرث دنياكم شراركم " 
وقال  البيهقي    : أنا  أبو الحسين بن بشران ،  أنا علي بن محمد المصري ،  ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ،  ثنا عبد الله بن صالح ،  حدثني الليث ،  حدثني خالد بن يزيد  عن سعيد بن أبي هلال ،  عن ربيعة بن سيف ،  أنه حدثه أنه جلس   [ ص: 173 ] يوما مع شفي الأصبحي ،  فقال : سمعت عبد الله بن عمر  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون فيكم اثنا عشر خليفة; أبو بكر الصديق ،  لا يلبث خلفي إلا قليلا ، وصاحب دارة رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا " . فقال رجل : ومن هو يا رسول الله؟ قال : " عمر بن الخطاب    " . ثم التفت إلى عثمان  فقال : " وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله ، والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط   " 
ثم روى  البيهقي  من حديث  موسى بن عقبة    : حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة  أنه دخل الدار وعثمان  محصور فيها ، وأنه سمع  أبا هريرة  يستأذن عثمان  في الكلام فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا " . فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله؟ أو : ما تأمرنا؟ فقال : " عليكم بالأمين وأصحابه " . وهو يشير إلى عثمان  بذلك وقد رواه  الإمام أحمد  عن عفان ،  عن وهيب ،  عن  موسى بن عقبة  به . وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة  شاهدان له بالصحة . والله أعلم . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرحمن ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن   [ ص: 174 ] ربعي ،  عن البراء بن ناجية ،  عن  عبد الله هو ابن مسعود ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما " . قال : قلت : أبما مضى أو بما بقي؟ قال : وبما " بقي ورواه أبو داود  عن محمد بن سليمان الأنباري ،  عن عبد الرحمن بن مهدي  به ، ثم رواه أحمد  عن إسحاق  وحجاج ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن ربعي ،  عن البراء بن ناجية الكاهلي ،  عن  عبد الله بن مسعود  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن رحى الإسلام ستزول بخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن تهلك فسبيل ما هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما " . قال : قال عمر    : يا رسول الله ، أبما مضى أو بما بقي؟ قال : " بل بما بقي " وهكذا رواه يعقوب بن سفيان  عن  عبيد الله بن موسى ،  عن إسرائيل ،  عن منصور  به . فقال له عمر ،  فذكره . قال  البيهقي    : وقد تابع إسرائيل  الأعمش   وسفيان الثوري ،  عن منصور    . قال : وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان فيها قتل عثمان  سنة خمس وثلاثين ، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام علي ،  وأراد بالسبعين ملك بني أمية ،  فإنه بقي بين ما بين أن استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة   [ ص: 175 ] بخراسان  وضعف أمر بني أمية  ودخل الوهن فيه ، نحوا من سبعين سنة . 
حديث آخر : قال  الإمام أحمد    : حدثنا إسحاق بن عيسى ،  حدثني يحيى بن سليم  عن عبد الله بن عثمان ،  عن مجاهد ،  عن  إبراهيم بن الأشتر ،  عن أبيه ، عن أم ذر  قالت : لما حضرت أبا ذر  الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يد لي بدفنك ، وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه . قال : فلا تبكي وأبشري ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين " . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة ، وإني أنا الذي أموت بالفلاة ، والله ما كذبت ولا كذبت تفرد به أحمد رحمه الله ، وقد رواه  البيهقي  من حديث  علي بن المديني ،  عن يحيى بن سليم الطائفي  به مطولا والحديث مشهور في موته ، رضي الله عنه ، بالربذة  سنة ثنتين وثلاثين ، في خلافة عثمان بن عفان ،  وكان في النفر الذين قدموا عليه وهو في السياق  عبد الله بن مسعود ،  وهو الذي صلى عليه ، ثم قدم المدينة  ، فأقام بها عشر ليال ، ومات رضي الله عنه . 
حديث آخر : قال  البيهقي    : أنا  الحاكم ،  أنا الأصم ،  ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ،  ثنا عمر بن سعيد الدمشقي ،  ثنا سعيد بن عبد العزيز ،  عن إسماعيل   [ ص: 176 ] بن عبيد الله ،  عن أبي عبد الله الأشعري ،  عن  أبي الدرداء  قال : قلت : يا رسول الله ، بلغني أنك تقول : " ليرتدن أقوام بعد إيمانهم " . قال : " أجل ، ولست منهم " . قال : فتوفيأبو الدرداء  قبل أن يقتل عثمان  
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا صفوان ،  ثنا  الوليد بن مسلم ،  ثنا عبد الله ،  أو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد الله ،  عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال : سمعت أبا الدرداء  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، أنتظر من يرد علي منكم ، فلا ألفين أنازع أحدكم فأقول : إنه من أمتي . فيقال : هل تدري ما أحدثوا بعدك؟ " قال أبو الدرداء    : فتخوفت أن أكون منهم ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له . فقال : " إنك لست منهم " . قال : فتوفي أبو الدرداء  قبل أن يقتل عثمان ،  وقبل أن تقع الفتن   . قال  البيهقي    : تابعه يزيد بن أبي مريم  عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم ،  عن  أبي الدرداء  إلى قوله : " لست منهم " . قلت : قال سعيد بن عبد العزيز    : توفي أبو الدرداء  لسنتين بقيتا من خلافة عثمان  وقال الواقدي  وأبو عبيد  وغير واحد : توفي سنة ثنتين وثلاثين . رضي الله عنه . 
				
						
						
