الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 344 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم دخلت سنة تسع وخمسين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها شتى عمرو بن مرة الجهني في أرض الروم في البر . قال الواقدي : ولم يكن فيها غزو في البحر . وقال غيره : بل غزا في البحر عامئذ جنادة بن أبي أمية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عزل معاوية ابن أم الحكم عن الكوفة ; لسوء سيرته فيهم ، وولى عليها النعمان بن بشير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد ولاية خراسان ، وعزل عنها سعيد بن عثمان بن عفان فصار عبيد الله على البصرة ، وعباد بن زياد على سجستان ، وعبد الرحمن بن زياد على خراسان ولم يزل عليها إلى زمن يزيد ، فقدم عليه بعد مقتل الحسين ، فقال له : كم قدمت به من المال ؟ قال : عشرون ألف ألف . فقال له : إن شئت حاسبناك ، وإن شئت سوغناكها وعزلناك عنها ، على أن تعطي عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم . قال : بل تسوغنيها ، وأما عبد الله بن جعفر فأعطيه ما قلت ، ومثلها معها . فعزله وولى غيره ، وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم ، وقال : خمسمائة ألف من جهة أمير المؤمنين ، وخمسمائة ألف من قبلي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة وفد عبيد الله بن زياد على معاوية ، ومعه أشراف أهل البصرة والعراق ، فاستأذن لهم عبيد الله عليه على منازلهم منه ، فكان آخر من أدخله [ ص: 345 ] على معاوية الأحنف بن قيس ، ولم يكن عبيد الله يجله ، فلما رأى معاوية الأحنف رحب به وعظمه وأجله وأجلسه معه على السرير ، ثم تكلم القوم فأثنوا على عبيد الله ، والأحنف ساكت ، فقال له معاوية : ما لك يا أبا بحر لا تتكلم ؟ فقال : إن تكلمت خالفت القوم . فقال معاوية : انهضوا فقد عزلته عنكم ، فاطلبوا واليا ترضونه . فمكثوا أياما يترددون إلى أشراف بني أمية ، يسألون كل واحد منهم أن يتولى عليهم ، فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ثم جمعهم معاوية فقال : من اخترتم ؟ فاختلفوا عليه والأحنف ساكت ، فقال له معاوية : ما لك لا تتكلم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن كنت تريد غير أهل بيتك فراء رأيك . فقال معاوية : قد أعدته إليكم . وقال ابن جرير : قال الأحنف : يا أمير المؤمنين ، إن وليت علينا من أهل بيتك فإنا لا نعدل بعبيد الله أحدا ، وإن وليت علينا من غيرهم فانظر لنا في ذلك . فقال معاوية : قد أعدته إليكم . ثم إن معاوية أوصى عبيد الله بالأحنف خيرا ، وقبح رأيه في مباعدته ، فكان الأحنف بعد ذلك أخص أصحاب عبيد الله ، ولما وقعت الفتنة لم يف لعبيد الله غير الأحنف بن قيس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية