[ ص: 159 ] إسلام الجن  قال الله تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن   ( 29 ) ) [ الأحقاف ] الآيات ، وقال : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم   ( 130 ) ) [ الأنعام ] وأنزل فيهم سورة الجن . 
وقال أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ،  وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها . قال : فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة  إلى رسول الله وهو بنخلة  ، عامدا إلى سوق عكاظ ،  وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ،  فأنزلت ( قل أوحي إلي   ( 1 ) ) [ الجن ] . متفق عليه . 
ويحمل قول ابن عباس   : إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ على الجن ولا رآهم ،  [ ص: 160 ] يعني أول ما سمعت الجن القرآن ، ثم إن داعي الجن أتى النبي صلى الله عليه وسلم كما في خبر ابن مسعود ،   وابن مسعود  قد حفظ القصتين ، فقال  سفيان الثوري  عن عاصم  عن زر ،  عن عبد الله  قال : هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة ،  فلما سمعوه أنصتوا ، قالوا : صه ، وكانوا سبعة أحدهم زوبعة ، فأنزل الله تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن   ( 29 ) ) [ الأحقاف ] الآيات  . 
وقال مسعر ،  عن معن ،  قال : حدثنا أبي ، قال : سألت مسروقا   : من آذن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال : حدثني أبوك ، يعني ابن مسعود   : أنه آذنته بهم شجرة . متفق عليه . 
وقال  داود بن أبي هند ،  عن الشعبي ،  عن علقمة ،  قال : قلت  لابن مسعود   : هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد ؟ فقال : ما صحبه منا أحد ، ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة ،  فقلنا اغتيل ، استطير ، ما فعل ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما كان في وجه الصبح أو قال في السحر إذا نحن به يجيء من قبل حراء ،  فقلنا : يا رسول الله ، فذكروا الذي كانوا فيه ، فقال : " إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم " ، فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم  . رواه مسلم   . 
وقد جاء ما يخالف هذا ، فقال عبد الله بن صالح :  حدثني الليث ،  قال : حدثني يونس ،  عن ابن شهاب ،  قال : أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي  من أهل الشام ،   أنه سمع ابن مسعود  يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ، وهو بمكة   " من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل " . فلم يحضر منهم أحد غيري حتى إذا كنا بأعلى مكة  خط لي برجله خطا ، ثم أمرني أن أجلس فيه ، ثم انطلق حتى قام ، فافتتح القرآن  [ ص: 161 ] فغشيته أسودة كثيرة ، حالت بيني وبينه ، حتى سمعت ما أسمع صوته ، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ، ذاهبين ، حتى ما بقي منهم رهط ، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر ، فانطلق فتبرز ، ثم أتاني فقال : " ما فعل الرهط ؟ فقلت : هم أولئك يا رسول الله ، فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث  . أخرجه  النسائي  من حديث يونس   . 
وقال سليمان التيمي ،  عن  أبي عثمان النهدي ،  أن ابن مسعود  أبصر زطا في بعض الطريق فقال : ما هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء الزط . قال : ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن ، وكانوا مستثفرين يتبع بعضهم بعضا  . صحيح . 
يقال : استثفر الرجل بثوبه ، إذا أخذ ذيله من بين فخديه إلى حجزته فغرزه . وكذا يقال في الكلب ، إذا جعل ذنبه بين فخذيه ، ومنه قوله للحائض : استثفري . 
وقال عثمان بن عمرو بن فارس ،  عن مستمر بن الريان ،  عن أبي الجوزاء ،  عن ابن مسعود ،  قال : انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ، حتى أتى الحجون فخط علي خطا ، ثم تقدم إليهم ، فازدحموا عليه ، فقال سيد لهم يقال له وردان : إني أنا أرحلهم عنك ، فقال : إني لن يجيرني من الله أحد  . 
وقال زهير بن محمد التميمي ،  عن ابن المنكدر ،  عن جابر ،  قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " الرحمن " ، ثم قال : " ما لي أراكم سكوتا ، للجن كانوا أحسن ردا منكم ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان   ( 13 ) ) [ الرحمن ] ، إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا  [ ص: 162 ] نكذب ، فلك الحمد " . زهير  ضعيف . 
وقال عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص ،  عن جده سعيد ،  قال : كان  أبو هريرة  يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإداوة لوضوئه . فذكر الحديث ، وفيه : " أتاني جن نصيبين  فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بروثة ولا بعظم إلا وجدوا طعاما  " . أخرجه  البخاري   . ويدخل هذا الباب في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوة قلبه . 
ومنه حديث محمد بن زياد ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان   : ( رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي   ( 35 ) ) [ ص ] ، فرددته خاسئا  . وفي لفظ : فأخذته فذغته ، يعني خنقته ، متفق عليه . 
				
						
						
