فيما ورد من هواتف الجان وأقوال الكهان
قال ابن وهب : أخبرنا عمر بن محمد ، قال : حدثني عن أبيه ، قال : ما سمعت سالم بن عبد الله ، عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط إني لأظنه كذا ، إلا كان كما يظن ، فبينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال : لقد أخطأ ظني ، أو إن هذا على دينه في الجاهلية ، أو لقد كان كاهنهم ، علي الرجل ، فدعي له ، فقال له عمر : لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية ، أو لقد كنت كاهنهم . فقال : ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم ، قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني . فقال : كنت كاهنهم في الجاهلية . فقال : فما أعجب ما جاءتك به جنيتك ؟ قال : بينا أنا جالس جاءتني أعرف فيها الفزع قالت :
ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها بعد وإبلاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
وإياسها من أنساكها
فروى يحيى بن أيوب ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن سليمان ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : بينما رجل مار ، فقال عمر : قد كنت مرة ذا فراسة ، وليس لي رئي ، ألم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة ، أدعوه لي ، فدعوه ، فقال عمر : من أين قدمت ؟ قال : من الشام . قال : فأين تريد ؟ قال : أردت هذا البيت ، ولم أكن أخرج حتى آتيك . قال : هل كنت تنظر في الكهانة ؟ قال : نعم . قال : فحدثني . قال : إني ذات ليلة بواد ، إذ سمعت صائحا يقول : يا جليح ، خبر نجيح ، رجل يصيح ، يقول : لا إله إلا الله ، الجن وإياسها ، والإنس وإبلاسها ، والخيل وأحلاسها ، فقلت : من هذا ؟ إن هذا لخبر يئست منه الجن ، وأبلست منه الإنس ، وأعملت فيه الخيل ، فما حال الحول حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ورواه الوليد بن مزيد العذري ، عن عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، ابن مسكين الأنصاري ، قال : بينا عمر جالس . وهذا منقطع . ورواه عن حجاج بن أرطأة ، مجاهد . ويروي عن ابن كثير أحد القراء ، عن مجاهد موقوفا .
ويشبه أن يكون هذا الكاهن هو سواد بن قارب المذكور في حديث أحمد بن موسى الحمار الكوفي ، قال : حدثنا زياد بن يزيد القصري ، قال : حدثنا محمد بن تراس الكوفي ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : بينا عمر يخطب إذ قال :
[ ص: 165 ] أفيكم سواد بن قارب ؟ فلم يجبه أحد تلك السنة ، فلما كانت السنة المقبلة قال : أفيكم سواد بن قارب ؟ قالوا : وما سواد بن قارب ؟ قال : كان بدء إسلامه شيئا عجبا ، فبينا نحن كذلك ، إذ طلع سواد بن قارب ، فقال له : حدثنا ببدء إسلامك يا سواد ، قال : كنت نازلا بالهند ، وكان لي رئي من الجن ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءني في منامي ذلك ، قال : قم فافهم واعقل إن كنت تعقل ، قد بعث رسول الله من لؤي بن غالب ، ثم أنشأ يقول :
عجبت للجن وأنجاسها وسدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فانهض إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى راسها
عجبت للجن وتطلابها وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس قداماها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى نابها
عجبت للجن وتخبارها وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس ذوو الشر كأخيارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم ما مؤمنو الجن ككفارها
آتاني رئيي بعد ليل وهجعة ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة أتاك نبي من لؤي بن غالب
فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت بي الذعلب الوجناء عند السباسب
فأشهد أن الله لا شيء غيره وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين شفاعة إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
هذا حديث منكر بالمرة ، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما ، وأخاف أن يكون موضوعا على ولكن أصل الحديث مشهور . أبي بكر بن عياش ،
وقد قال أبو يعلى الموصلي ، وعلي بن شيبان : حدثنا يحيى بن حجر الشامي ، قال : حدثنا علي بن منصور الأبناوي ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الوقاصي ، عن قال : بينما محمد بن كعب القرظي ، عمر جالس إذ مر به رجل ، فقال قائل : أتعرف هذا ؟ قال : ومن هو ؟ قال : سواد بن قارب ، فأرسل إليه عمر فقال : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم . قال : أنت الذي أتاه رئيه بظهور النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : فأنت على كهانتك . فغضب وقال : ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت . قال عمر : سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم ، قال : فأخبرني بإتيانك [ ص: 167 ] رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان ، إذ أتاني فضربني برجله ، وقال : قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي واعقل ، إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى عبادة الله ، ثم ذكر الشعر قريبا مما تقدم ، ثم أنشأ عمر يقول : كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح ، وقد ذبحوا عجلا ، والجزار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا هو يقول : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، صائح يصيح ، بلسان فصيح ، يشهد أن لا إله إلا الله .
أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن ، متفق على تركه ، وعلي بن منصور فيه جهالة ، مع أن الحديث منقطع .
وقد رواه الحسن بن سفيان ، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء ، عن بشر بن حجر أخي يحيى بن حجر ، عن علي بن منصور ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، بنحوه .
وقال في " كامله " : حدثنا ابن عدي الوليد بن حماد ، بالرملة ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا الحكم بن يعلى المحاربي ، قال : حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد ، قال : سمعت سعيد بن جبير ، يقول : أخبرني سواد بن قارب قال : كنت نائما على جبل من جبال الشراة ، فأتاني آت فضربني برجله وقال : قم يا سواد أتى رسول من لؤي بن غالب ، فذكر الحديث .
كذا فيه سعيد يقول : أخبرني سواد ، وعباد ليس بثقة يأتي بالطامات .
وقال معمر ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، قال : أول ما سمع بالمدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة ، كان لها تابع من الجن ، [ ص: 168 ] فجاء يوما فوقع على جدارها ، فقالت : ما لك لا تدخل ؟ فقال : إنه قد بعث نبي يحرم الزنى . فحدثت بذلك المرأة عن تابعها من الجن ، فكان أول خبر تحدث به بالمدينة .
وقال يحيى بن يوسف الزمي : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، جابر ، قال : أول خبر قدم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن امرأة كان لها تابع ، فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم ، فقالت له المرأة : انزل ، قال : لا ، إنه قد بعث بمكة نبي يحرم الزنى ، قد منع منا القرار .
وفي الباب عدة أحاديث عامتها واهية الأسانيد .