قال الزهري في حديثه : فجاء فقال : هات اكتب بيننا وبينك كتابا . فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " . فقال سهيل بن عمرو ، سهيل : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب باسمك اللهم " ثم قال : " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " . فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله .
قال الزهري : وذلك لقوله : لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .
[ ص: 35 ] فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف . فقال : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن لك من العام المقبل . فكتب . فقال سهيل : على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . فقال : المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينا هم كذلك إذ جاء يرسف في قيوده قد خرج من أسفل أبو جندل بن سهيل بن عمرو مكة حتى رمى نفسه بين أظهر المسلمين . فقال سهيل : وهذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد . قال : فوالله إذا لا نصالحك على شيء أبدا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجره لي . قال : ما أنا بمجيره لك . قال : بلى ، فافعل . قال : ما أنا بفاعل . قال مكرز : بلى قد أجرناه . قال : معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ، ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله . أبو جندل
فقال عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ألست نبي الله ؟ قال : " بلى " قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : " بلى " قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : " إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري " قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف حقا ؟ قال : " بلى " أنا أخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا . قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى . قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي [ ص: 36 ] ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه لعلى الحق . قلت : أوليس كان يحدثنا أنه سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا . قال : فإنك آتيه ومطوف به .
قال : الزهري . قال عمر : فعملت لذلك أعمالا .
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا فانحروا ثم احلقوا . قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك ، ثم تدعو بحالقك فيحلقك . فقام فخرج فلم يكلم أحدا حتى فعل ذلك . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . ثم جاءه نسوة مؤمنات ، وأنزل الله : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) حتى بلغ ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( 10 ) ) [ الممتحنة ] . فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما معاوية ، والأخرى صفوان بن أمية .
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجاءه أبو بصير ، رجل من قريش ، وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا . فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم . فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا جيدا جدا . فاستله الآخر فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت . فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه . فأمكنه منه فضربه حتى برد . وفر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم قتل والله صاحبي وإني لمقتول . قال : فجاء أبو بصير فقال : يا نبي [ ص: 37 ] الله قد أوفى الله ذمتك ، والله قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم . فخرج حتى أتى سيف البحر . وينفلت منهم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلحق أبو جندل بن سهيل بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة .
قال : فوالله لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم . فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ، فمن أتاه منهم فهو آمن . فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل : ( وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ( 24 ) ) حتى بلغ ( حمية الجاهلية ( 26 ) ) [ الفتح ] . وكانت حميتهم أنهم لم يقروا بنبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين البيت . أخرجه عن البخاري ، المسندي ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، بطوله .
وقال قرة ، عن عن أبي الزبير ، جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثنية المرار ، فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل . فكان أول من صعد خيل بني الخزرج . ثم تبادر الناس بعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر . فقلنا : تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم . وإذا هو رجل ينشد ضالة . أخرجه من يصعد الثنية ، مسلم .
وقال : البخاري عن عبيد الله بن موسى ، إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية . كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع [ ص: 38 ] عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فما تركنا فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا نحن وركابنا . أخرجه تعدون أنتم الفتح فتح . البخاري
وقال عن عكرمة بن عمار ، عن أبيه ، قال : إياس بن سلمة بن الأكوع ، الحديبية ، ونحن أربع عشرة مائة ، وعليها خمسون شاة ما ترويها ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها ، فإما دعا وإما بزق فيها فجاشت فسقينا واستقينا . أخرجه قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلم .
وقال البكائي : قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة عن مسور ، أنهما حدثاه ، قالا : ومروان بن الحكم الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا . وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبع مائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
قال ابن إسحاق : وكان فيما بلغني يقول : كنا أصحاب جابر بن عبد الله الحديبية أربع عشرة مائة .
قلت : قد ذكرنا عن جماعة من الصحابة كقول جابر .
ثم ساق ابن إسحاق حديث الزهري بطوله ، وفيه ألفاظ غريبة ، منها : وجعل عروة بن مسعود يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، والمغيرة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد . قال : فجعل يقرع يد عروة إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : اكفف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 39 ] لا تصل إليك . فيقول عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له عروة : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة . قال : أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس ؟
قال ابن هشام : أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك بن ثقيف ، فتهايج الحيان من ثقيف رهط المقتولين ، والأحلاف رهط المغيرة ، فودى عروة المقتولين ثلاثة عشر دية ، وأصلح الأمر .
وقال ابن لهيعة : حدثنا أبو الأسود ، قال عروة : وخرجت قريش من مكة ، فسبقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلدح وإلى الماء ، فنزلوا عليه ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد سبق نزل على الحديبية ، وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة ، فأشفق القوم من الظمأ وهم كثير ، فنزل فيها رجال يميحونها ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج فيه ، وأمر أن يصب في البئر ، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ودعا الله تعالى ، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها ، وهم جلوس على شفتها . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سلك على غير الطريق التي بلغه أن قريشا بها .