قال ابن إسحاق : بني حنيفة ، فيهم وفد مسيلمة بن حبيب الكذاب . فكان منزلتهم في دار بنت الحارث الأنصارية . فحدثني بعض علمائنا أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات . فلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قال : " لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه " . وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني شيخ من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا ; زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لهم ، وقال : " أما إنه ليس بأشركم مكانا " يعني حفظه ضيعة أصحابه . ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه . فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ ، وقال : إني أشركت في الأمر مع محمد ، ألم يقل لكم [ ص: 276 ] حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشركم مكانا ؟ وما ذاك إلا لما يعلم أني قد أشركت معه . ثم جعل يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن : لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى . ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الزنا والخمر ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي . فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك .
وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، قال : حدثنا عن نافع بن جبير ، ابن عباس ، قال : مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته . وقدمها في بشر كثير من قومه . فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد ، حتى وقف على ثابت بن قيس بن شماس ، مسيلمة في أصحابه ، فقال : " إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني أراك الذي أريت فيه ما رأيت ، وهذا يجيبك عني " ثم انصرف ثابت بن قيس . قدم
ابن عباس : فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك الذي أريت فيه ما رأيت " فأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما ، فأوحي إلي في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي " قال : فهذا أحدهما أبو هريرة العنسي صاحب صنعاء ، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة . أخرجاه . قال
[ ص: 277 ] وقال معمر ، عن همام ، عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة ، اليمامة " . متفق عليه . بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في يدي سواران من ذهب ، فكبرا علي وأهماني ، فأوحي إلي أن انفخهما ، فنفختهما ، فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما ; صاحب صنعاء ، وصاحب
وقال : حدثنا البخاري الصلت بن محمد ، قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، قال : أبا رجاء ; هو العطاردي ; يقول : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا به ، لحقنا بمسيلمة الكذاب ; لحقنا بالنار ; وكنا نعبد الحجر في الجاهلية ، وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها اللبن ، ثم نطوف به . سمع
وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قال : جاء رجل إلى قيس بن أبي حازم ، ابن مسعود ، فقال : إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرءون قراءة ما أنزلها الله : الطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما . فأرسل إليهم عبد الله فأتي بهم ، وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النواحة . قال : فأمر به عبد الله فقتل . ثم قال : ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء ، ولكنا نحدرهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم .
وقال المسعودي عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : ابن النواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " تشهدان أني رسول الله ؟ " فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله . فقال : " آمنت بالله ورسله ، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما " . جاء
[ ص: 278 ] قال عبد الله : فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل .
قال عبد الله : أما ابن أثال فقد كفانا الله ، وأما ابن النواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه . رواه في " مسنده " ، عن أبو داود الطيالسي المسعودي . وله شاهد .
قال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني سعد بن طارق ، عن سلمة بن نعيم بن مسعود ، عن أبيه ، مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما : " وأنتما تقولان بمثل ما يقول ؟ قالا : نعم . فقال : " أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " . سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا
قال ابن إسحاق : وقد مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر : كان
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله . سلام عليك ، أما بعد ؛ فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ، ولكن قريشا قوم يعتدون .
فكتب إليه : " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين " .