nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر قوله " واتبعوا " عطف على جملة الشرط وجوابه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101ولما جاءهم رسول من عند الله الآية بذكر خصلة لهم عجيبة وهي أخذهم بالأباطيل بعد ذكر خصلة أخرى وهي نبذهم للكتاب الحق فذلك هو مناسبة عطف هذا الخبر على الذي قبله . فإن كان المراد بكتاب الله في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101كتاب الله وراء ظهورهم " القرآن فالمعنى أنهم لما جاءهم رسول الله مصدقا لما معهم نبذوا كتابه بعلة أنهم متمسكون بالتوراة فلا يتبعون ما خالف أحكامها وقد اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك
سليمان وهو مخالف للتوراة لأنها تنهى عن السحر والشرك فكما قيل لهم فيما مضى أفتؤمنون ببعض الكتاب يقال لهم أفتؤمنون بالكتاب تارة وتكفرون به تارة أخرى .
[ ص: 627 ] وإن كان المراد بكتاب الله التوراة فالمعنى لما جاءهم رسول الله
nindex.php?page=treesubj&link=32428_32426_32424_30589نبذوا ما في التوراة من دلائل صدق هذا الرسول وهم مع ذلك قد نبذوها من قبل حين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك
سليمان مع أن ذلك مخالف لأحكام التوراة . قال
القرطبي قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق لما ذكر النبيء - صلى الله عليه وسلم -
سليمان في الأنبياء قالت
اليهود إن
محمدا يزعم أن
سليمان نبي وما هو بنبي ولكنه ساحر فنزلت هذه الآية .
و " الشياطين " يحتمل أن يكونوا شياطين من الجن وهو الإطلاق المشهور . ويحتمل أن يراد به ناس تمردوا وكفروا وأتوا بالفظائع الخفية فأطلق عليهم الشياطين على وجه التشبيه كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن وقرينة ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=33475_32426_32424قوله " يعلمون الناس السحر " فإنه ظاهر في أنهم يدرسونه للناس وكذلك قوله بعده : ( ولكن الشياطين كفروا ) إذ هذا الاستدراك في الإخبار يدل على أنهم من الإنس لأن كفر الشياطين من الجن أمر مقرر لا يحتاج للإخبار عنه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق أيضا أنه لما مات
سليمان عليه السلام عمدت الشياطين فكتبوا أصنافا من السحر وقالوا : من أحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا لأصناف من السحر وختموه بخاتم يشبه نقش خاتم
سليمان ونسبوه إليه ودفنوه وزعموا أن
سليمان دفنه وأنهم يعلمون مدفنه ودلوا الناس على ذلك الموضع فأخرجوه ، فقالت
اليهود : ما كان
سليمان إلا ساحرا وما تم له الملك إلا بهذا . وقيل كان
آصف بن برخيا كاتب
سليمان يكتب الحكمة بأمر
سليمان ويدفن كتبه تحت كرسي
سليمان لتجدها الأجيال فلما مات
سليمان أغرت الشياطين الناس على إخراج تلك الكتب وزادوا في خلال سطورها سحرا وكفرا ونسبوا الجميع
لسليمان فقالت اليهود : كفر
سليمان .
والمراد من الآية مع سبب نزولها إن نزلت عن سبب
nindex.php?page=treesubj&link=32426_31969_32626أن سليمان عليه السلام لما مات انقسمت مملكة إسرائيل بعده بقليل إلى مملكتين إحداهما مملكة يهوذا وملكها
رحبعام بن سليمان جعلوه ملكا بعد أبيه وكانت
بنو إسرائيل قد سئمت ملك
سليمان لحمله إياهم على
[ ص: 628 ] ما يخالف هواهم فجاءت أعيانهم وفي مقدمتهم
يربعام بن نباط مولى سليمان ليكلموا
رحبعام قائلين إن أباك قاس علينا وأما أنت فخفف عنا من عبودية أبيك لنطيعك فأجابهم اذهبوا ثم ارجعوا إلي بعد ثلاثة أيام واستشار
رحبعام أصحاب أبيه ووزراءه فأشاروا عليه بملاينة الأمة لتطيعه .
واستشار أصحابه من الفتيان فأشاروا عليه أن يقول للأمة إن خنصري أغلظ من متن أبي فإذا كان أبي قد أدبكم بالسياط فأنا أؤدبكم بالعقارب فلما رجع إليه شيوخ
بني إسرائيل في اليوم الثالث وأجابهم بما أشار به الأحداث خلعت
بنو إسرائيل طاعته وملكوا عليهم
يربعام ولم يبق على طاعة
رحبعام إلا سبطا
يهوذ وبنيامين واعتصم
رحبعام بأورشليم وكل أمته لا تزيد على مائة وثمانين ألف محارب يعني رجالا قادرين على حمل السلاح وانقسمت المملكة من يؤمئذ إلى مملكتين مملكة
يهوذا وقاعدتها
أورشليم . ومملكة
إسرائيل ومقرها
السامرة . وذلك سنة 975 قبل
المسيح كما قدمناه عند الكلام على قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=62إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) الآية ولا يخفى ما تكون عليه حالة أمة في هذا الانتقال فإن خصوم
رحبعام لما سلبوا منه القوة المادية لم يغفلوا عما يعتضد به من القوة الأدبية وهي كونه
ابن سليمان بن داود من بيت الملك والنبوءة والسمعة الحسنة فلم يأل أعداؤه جهدهم من إسقاط هاته القوة الأدبية وذلك بأن اجتمع مدبرو الأمر على أن يضعوا أكاذيب عن
سليمان يبثونها في العامة ليقضوا بها وطرين : أحدهما نسبة
سليمان إلى السحر والكفر لتنقيص سمعة ابنه
رحبعام كما صنع دعاة الدولة العباسية فيما وضعوه من الأخبار عن
بني أمية والثاني : تشجيع العامة الذين كانوا يستعظمون ملك
سليمان وابنه على الخروج عن طاعة ابنه بأن
سليمان ما تم له الملك إلا بتلك الأسحار والطلاسم وأنهم لما ظفروا بها فإنهم يستطيعون أن يؤسسوا ملكا يماثل ملك
سليمان كما صنع دعاة انقلاب الدول في تاريخ الإسلام من وضع أحاديث انتظار
المهدي وكما يفعلونه من بث أخبار عن الصالحين تؤذن بقرب زوال الدولة .
ولا يخفي ما تثيره هذه الأوهام في نفوس العامة من الجزم بنجاح السعي وجعلهم في مأمن من خيبة أعمالهم ولحاق التنكيل بهم فإذا قضي الوطر بذلك الخبر التصق أثره في الناس فيبقى ضر ضلاله بعد اجتناء ثماره .
والاتباع في الأصل هو المشي وراء الغير ويكون مجازا في العمل بقول الغير وبرأيه وفي الاعتقاد باعتقاد الغير تقول : اتبع مذهب
مالك واتبع عقيدة الأشعري ، والاتباع هنا مجاز
[ ص: 629 ] لا محالة لوقوع مفعوله مما لا يصح اتباعه حقيقة . والتلاوة قراءة المكتوب والكتاب وعرض المحفوظ عن ظهر قلب وفعلها يتعدى بنفسه " يتلون عليكم آياتي " فتعديته بحرف الاستعلاء يدل على تضمنه معنى تكذب أي تتلو تلاوة كذب على ملك
سليمان كما يقال ، تقول على فلان أي قال عليه ما لم يقله ، وإنما فهم ذلك من حرف ( على ) .
والمراد بالملك هنا مدة الملك أو سبب الملك بقرينة أن التلاوة لا تتعلق بنفس الملك ،
nindex.php?page=treesubj&link=28908وحذف المضاف مع ما يدل على تعيين الوقت شائع في كلام العرب كقولهم وقع هذا في حياة رسول الله أو في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وقول
حميد بن ثور :
وما هي إلا في إزار وعلقة مغار ابن همام على حي خثعما
يريد أزمان مغار
ابن همام . وكذلك حذف المضاف إذا أريد به الحوادث أو الأسباب كما تقول تكلم فلان على خلافة
عمر أو هذا كتاب في ملك العباسيين ، وذلك أن الاسم إذا اشتهر بصفة أو قصة صح إطلاقه وإرادة تلك الصفة أو القصة بحيث لو ظهرت لكانت مضافة إلى الاسم ، قال
النابغة :
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
أراد متاعب ليل لأن الليل قد اشتهر عند أهل الغرام بأنه وقت الشوق والأرق .
والشياطين قيل أريد بها شياطين الإنس أي المضللون وهو الظاهر . وقيل أريدت شياطين الجن وأل للجنس على الوجهين . وعندي أن المراد بالشياطين أهل الحيل والسحرة كما يقولون : فلان من شياطين العرب وقد عد من أولئك
ناشب الأعور أحد رجال يوم الوقيط .
وقوله " تتلو " جاء بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية على ما قاله الجماعة . أو هو مضارع على بابه على ما اخترناه من أن الشياطين هم أحبارهم فإنهم لم يزالوا يتلون ذلك فيكون المعنى أنهم اتبعوا أي اعتقدوا ما تلته الشياطين ولم تزل تتلوه .
وسليمان هو nindex.php?page=treesubj&link=31972النبيء سليمان بن داود بن يسي من سبط
يهوذا ولد سنة 1032 اثنتين وثلاثين وألف قبل
المسيح وتوفي في
أورشليم سنة 975 خمس وسبعين وتسعمائة قبل
المسيح وولي
[ ص: 630 ] ملك إسرائيل سنة 1014 أربع عشرة وألف قبل
المسيح بعد وفاة أبيه
داود النبيء ملك إسرائيل ، وعظم ملك
بني إسرائيل في مدته وهو الذي أمر ببناء مسجد
بيت المقدس وكان نبيا حكيما شاعرا ، وجعل لمملكته أسطولا بحريا عظيما كانت تمخر سفنه البحار إلى جهات قاصية مثل شرق
إفريقيا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما كفر سليمان ) جملة معترضة أثار اعتراضها ما أشعر به قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من معنى أنهم كذبوا على
سليمان ونسبوه إلى الكفر ، فهي معترضة بين جملة " واتبعوا " وبين قوله " وما أنزل على الملكين " إن كان " وما أنزل " معطوفا على ( ما تتلو ) وبين " اتبعوا " وبين " ولقد علموا لمن اشتراه " إلخ إن كان " وما أنزل " معطوفا على السحر ، ولك أن تجعله معطوفا على " واتبعوا " إذا كان المراد من الشياطين أحبار اليهود لأن هذا الحكم حينئذ من جملة أحوال
اليهود لأن مآله ( واتبعوا وكفروا ) وما كفر
سليمان ولكنه قدم نفي كفر
سليمان لأنه الأهم تعجيلا بإثبات نزاهته وعصمته ولأن اعتقاد كفره كان سبب ضلال للذين اتبعوا ما كتبته الشياطين ، فلا شك أن حكم الأتباع وحكم المتبوعين واحد ، فكان خبرا عن
اليهود كذلك .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=32426كان اليهود يعتقدون كفر سليمان في كتبهم فقد جاء في سفر الملوك الأول أن
سليمان في زمن شيخوخته أمالت نساؤه المصريات والصيدونيات والعمونيات قلبه إلى آلهتهن مثل عشتروت إله الصيدونيين ( ومولوك ) إله العمونيين ( الفينيقيين ) وبنى لهاته الآلهة هياكل فغضب الله عليه لأن قلبه مال عن إله إسرائيل الذي أوصاه أن لا يتبع آلهة أخرى .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يعلمون الناس السحر حال من ضمير كفروا والمقصد منه تشنيع حال كفرهم إذ كان مصحوبا بتعليم السحر على حد قوله كفر دون كفر فهي حال مؤسسة .
nindex.php?page=treesubj&link=25582_32626والسحر الشعوذة وهي تمويه الحيل بإخفائها تحت حركات وأحوال يظن الرائي أنها هي المؤثرة مع أن المؤثر خفي قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ولذلك أطلق السحر على الخديعة تقول : سحرت الصبي إذا عللته بشيء . قال
لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
ثم أطلق على ما علم ظاهره وخفي سببه وهو التمويه والتلبيس وتخييل غير الواقع واقعا
[ ص: 631 ] وترويج المحال ، تقول العرب : عنز مسحورة إذا عظم ضرعها وقل لبنها ، وأرض مسحورة لا تنبت قال
أبو عطاء :
فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
أي : شيء لا يعرف سببه . والعرب تزعم أن الغيلان سحرة الجن لما تتشكل به من الأشكال وتعرضها للإنسان . والسحر من المعارف القديمة التي ظهرت في منبع المدينة الأولى أعني ببلاد المشرق فإنه ظهر في بلاد الكلدان والبابلين وفي
مصر في عصر واحد وذلك في القرن الأربعين قبل
المسيح مما يدل على أنها كانت في تينك الأمتين من تعاليم قوم نشئوا قبلهما فقد وجدت آثار مصرية سحرية في عصر العائلة الخامسة من الفراعنة والعائلة السادسة 3951 - 3703 ق . م .
وللعرب في السحر خيال واسع وهو أنهم يزعمون أن السحر يقلب الأعيان ويقلب القلوب ويطوع المسحور للساحر ولذلك كانوا يقولون إن الغول ساحرة الجن ولذلك تتشكل للرائي بأشكال مختلفة . وقالت
قريش لما رأوا معجزات رسول الله : إنه ساحر ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين nindex.php?page=hadith&LINKID=10341140أن القوم عطشوا في سفر مع رسول الله فطلبوا الماء فوجدوا امرأة على بعير لها مزاداتان من ماء فأتيا بها رسول الله فسقى رسول الله جميع الجيش ثم رد إليها مزادتيها كاملتين فقالت لقومها : فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه ، تعني السماء والأرض وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341141إن من البيان لسحرا . ولم أر ما يدل على أن العرب كانوا يتعاطون السحر فإن السحر مستمد من خصائص الأمور الطبيعية والتركيب ولم يكن للعرب ضلاعة في الأمور اليدوية بل كانت ضلاعتهم فكرية محضة ، وكان العرب يزعمون أن أعلم الناس بالسحر
اليهود والصابئة وهم
أهل بابل ، ومساق الآية يدل على شهرة هؤلاء بالسحر عند العرب .
وقد اعتقد المسلمون أن
اليهود في
يثرب سحروهم فلا يولد لهم فلذلك استبشروا لما ولد
عبد الله بن الزبير وهو
nindex.php?page=treesubj&link=34020_30731_30726أول مولود للمهاجرين بالمدينة كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . ولذلك لم يكثر ذكر السحر بين
[ ص: 632 ] العرب المسلمين إلا بعد أن هاجروا إلى
المدينة إذ قد كان فيها
اليهود وكانوا يوهمون بأنهم يسحرون الناس . ويداوي من السحر العراف ودواء السحر السلوة وهي خرزات معروفة تحك في الماء ويشرب ماؤها .
وورد في التوراة
nindex.php?page=treesubj&link=25583النهي عن السحر فهو معدود من خصال الشرك وقد وصفت التوراة به أهل الأصنام فقد جاء في سفر التثنية في الإصحاح 18 إذا دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم لا يوجد فيك من يزج ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقى رقية ولا من يسأل جانا أو تابعة ولا من يستشير الموتى لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب .
وفي سفر اللاويين الإصحاح 20 " ( 6 ) والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني وراءهم أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها ( 27 ) وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يقتل بالحجارة يرجمونه دمه عليه .
وكانوا يجعلونه أصلا دينيا لمخاطبة أرواح الموتى وتسخير الشياطين وشفاء الأمراض وقد استفحل أمره في بلد الكلدان وخلطوه بعلوم النجوم وعلم الطب . وأرجع المصريون المعارف السحرية إلى جملة العلوم الرياضية التي أفاضها عليهم " طوط " الذي يزعمون أنه
إدريس وهو هرمس عند اليونان .
وقد استخدم الكلدان والمصريون فيه أسرارا من العلوم الطبيعية والفلسفية والروحية قصدا لإخراج الأشياء في أبهر مظاهرها حتى تكون فاتنة أو خادعة وظاهرة ، كخوارق عادات ، إلا أنه شاع عند عامتهم وبعد ضلالهم عن المقصد العلمي منه فصار عبارة عن التمويه والتضليل وإخراج الباطل في صورة الحق ، أو القبيح في صورة حسنة أو المضر في صورة النافع .
وقد صار عند الكلدان والمصريين خاصية في يد الكهنة وهم يومئذ أهل العلم من القوم الذين يجمعون في ذواتهم الرئاسة الدينية والعلمية فاتخذوا قواعد العلوم الرياضية والفلسفية والأخلاقية لتسخير العامة إليهم وإخضاعهم بما يظهرونه من المقدرة على علاج الأمراض والاطلاع على الضمائر بواسطة الفراسة والتأثير بالعين وبالمكائد .
وقد نقلته الأمم عن هاتين الأمتين وأكثر ما نقلوه عن الكلدانيين فاقتبسه منهم السريان ( الأشوريون )
واليهود والعرب وسائر الأمم المتدينة والفرس واليونان والرومان .
[ ص: 633 ] nindex.php?page=treesubj&link=25582وأصول السحر ثلاثة : الأول زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما يعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفسه ومن الضعف في نفس المسحور ومن سوابق شاهدها المسحور واعتقدها فإذا توجه إليه الساحر سخر له وإلى هذا الأصل الإشارة بقوله تعالى في ذكر سحرة
فرعون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116سحروا أعين الناس واسترهبوهم .
الثاني استخدام مؤثرات من خصائص الأجسام من الحيوان والمعدن وهذا يرجع إلى خصائص طبيعية كخاصية الزئبق ومن ذلك العقاقير المؤثرة في العقول صلاحا أو فسادا والمفترة للعزائم والمخدرات والمرقدات على تفاوت تأثيرها وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى في سحرة فرعون
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69إنما صنعوا كيد ساحر .
الثالث : الشعوذة واستخدام خفايا الحركة والسرعة والتموج حتى يخيل الجماد متحركا وإليه الإشارة بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .
هذه أصول السحر بالاستقراء وقد قسمها
الفخر في التفسير إلى ثمانية أقسام لا تعدو هذه الأصول الثلاثة وفي بعضها تداخل . ولعلماء الإفرنج تقسيم آخر ليس فيه كبير جدوى .
وهذه الأصول الثلاثة كلها أعمال مباشرة للمسحور ومتصلة به ولها تأثير عليه بمقدار قابلية نفسه الضعيفة وهو لا يتفطن لها ، ومجموعها هو الذي أشارت إليه الآية ، وهو الذي لا خلاف في إثباته على الجملة دون تفصيل ، وما عداها من الأوهام والمزاعم هو شيء لا أثر له وذلك كل عمل لا مباشرة له بذات من يراد سحره ويكون غائبا عنه فيدعي أنه يؤثر فيه ، وهذا مثل رسم أشكال يعبر عنها بالطلاسم ، أو عقد خيوط والنفث عليها برقيات معينة تتضمن الاستنجاد بالكواكب أو بأسماء الشياطين والجن وآلهة الأقدمين ، وكذا كتابة اسم المسحور في أشكال . أو وضع صورته أو بعض ثيابه وعلائقه وتوجيه كلام إليها بزعم أنه يؤثر ذلك في حقيقة ذات المسحور ، أو يستعملون إشارات خاصة نحو جهته أو نحو بلده وهو ما يسمونه بالأرصاد وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في القبس أن
قريشا لما أشار النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه في التشهد قالوا : هذا
محمد يسحر الناس ، أو جمع أجزاء معينة وضم بعضها إلى بعض مع نية أن ذلك الرسم أو الجمع لتأثير شخص معين بضر أو خير أو محبة أو بغضة
[ ص: 634 ] أو مرض أو سلامة ، ولا سيما إذا قرن باسم المسحور وصورته أو بطالع ميلاده ، فذلك كله من التوهمات وليس على تأثيرها دليل من العقل ولا من الطبع ولا ما يثبته من الشرع ، وقد انحصرت أدلة إثبات الحقائق في هذه الأدلة ، ومن العجائب أن
الفخر في التفسير حاول إثباته بما ليس بمقنع .
وقد تمسك جماعة لإثبات تأثير هذا النوع من السحر بما روي في الصحيحين عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341142قول عائشة أن لبيد بن الأعصم nindex.php?page=treesubj&link=25592سحر النبيء - صلى الله عليه وسلم - ورؤيا النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن ملكين أخبراه بذلك السحر ، وفي
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم مثله مختصرا ، وينبغي التثبت في عباراته ثم في تأويله ، ولا شك أن
لبيدا حاول أن يسحر النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقد كان
اليهود سحرة في
المدينة وأن الله أطلع رسوله على ما فعله
لبيد لتكون معجزة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - في إبطال سحر
لبيد وليعلم
اليهود أنه نبيء لا تلحقه أضرارهم وكما لم يؤثر سحر السحرة على
موسى كذلك لم يؤثر سحر
لبيد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما عرض للنبيء - صلى الله عليه وسلم - عارض جسدي شفاه الله منه فصادف أن كان مقارنا لما عمله
لبيد بن الأعصم من محاولة سحره وكانت رؤيا النبيء - صلى الله عليه وسلم - إنباء من الله له بما صنع
لبيد ، والعبارة عن صورة تلك الرؤيا كانت مجملة فإن الرأي رموز ولم يرد في الخبر تعبير ما اشتملت عليه فلا تكون أصلا لتفصيل القصة .
ثم إن لتأثير هاته الأسباب أو الأصول الثلاثة شروطا وأحوالا بعضها في ذات الساحر وبعضها في ذات المسحور ، فيلزم في
nindex.php?page=treesubj&link=25588الساحر أن يكون مفرط الذكاء منقطعا لتجديد المحاولات السحرية جسورا قوي الإرادة كتوما للسر قليل الاضطراب للحوادث سالم البنية مرتاض الفكر خفي الكيد والحيلة ، ولذلك كان غالب السحرة رجالا ولكن كان الحبشة يجعلون السواحر نساء وكذلك كان الغالب في الفرس والعرب ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=4ومن شر النفاثات في العقد فجاء بجمع الإناث وكانت الجاهلية تقول : إن الغيلان عجائز من الجن ساحرات فلذلك تستطيع التشكل بأشكال مختلفة ، وكان معلمو السحر يمتحنون صلاحية تلامذتهم لهذا العلم بتعريضهم للمخاوف وأمرهم بارتكاب المشاق تجربة لمقدار عزائمهم وطاعتهم .
وأما ما يلزم في المسحور فخور العقل ، وضعف العزيمة ، ولطافة البنية ، وجهالة العقل
[ ص: 635 ] ولذلك كان أكثر الناس قابلية له النساء والصبيان والعامة ومن يتعجب في كل شيء . ولذلك كان من أصول السحر إلقاء أقوال كاذبة على المسحور لاختبار مقدار عقله في التصديق بالأشياء الواهية والثقة بالساحر ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين فجعلوا ذلك القول الغريب سحرا .
ثم تحف بالسحر أعمال القصد منها التمويه وهذه الأعمال أنواع .
نوع الغرض منه تقوية اعتقاد الساحر في نجاح عمله لتقوى عزيمته فيشتد تأثيره على النفوس وهذا مثل تلقين معلمي هذا الفن تلامذتهم عبادة كواكب ومناجاتها لاستخدام أرواحها والاستنجاد بتلك الأرواح على استخدام الجن والقوى المتعاصية ليعتقد المتعلم أن ذلك سبب نجاح عمله فيقدم عليه بعزم ، وفي ذلك تأثير نفساني عجيب ، ولذلك يسمون تلك الأقوال والمناجاة عزائم جمع عزيمة ، ويقولون فلان يعزم إذا كان يسحر ، ثم هو إذا استكمل المعرفة قد يتفطن لقلة جدوى تلك العزائم وقد لا يتفطن وعلى كلتا الحالتين فمعلموه لا يتعرضون له في نهاية التعليم بالتنبيه على فساد ذلك لئلا يدخلوا عليه الشكوك في مقدرته ، فلذلك بقيت تلك الأوهام يتلقاها الأخلاف عن أسلافهم ، ومن هذا النوع ضروب هي في الأصل تجارب لمقدار طاعة المتعلم لمعلمه ، بقيت متلقاة عندهم عن غير بصيرة مثل ارتكاب الخبائث وإهانة الصالحات والأمور المقدسة إيهاما بأنها تبلغ إلى مرضاة الشياطين وتسخيرها ، وذلك في الواقع اختبار لمقدار خضوع المتعلم ، لأن أكبر شيء على النفس نبذ أعز الأشياء وهو الدين ، ولأن السحرة ليسوا من المليين فهم يبلغون بمريديهم إلى مبالغهم السافلة ، وقد سمعنا أن كثيرا ممن يتعاطون السحر في المسلمين يزعمون أنهم لا يتأتى لهم نجاح إلا بعد أن يلطخوا أيديهم بالنجاسات أو نحو من هذا الضلال .
ونوع الغرض منه إخفاء الأسباب الحقيقية لتمويهاتهم حتى لا يطلع الناس على كنهها ، فيستندون في تعليل أعمالهم إلى أسباب كاذبة كندائهم بأسماء سموها لا مسميات لها ، ووضعهم أشكالا على الورق أو في الجدران يزعمون أن لها خصائص التأثير ، واستنادهم لطوالع كواكب في أوقات معينة لا سيما القمر ، ومن هذا تظاهرهم للناس بمظهر الزهد والهمة .
ونوع يستعان به على نفوذ السحر وهو التجسس والتطلع على خفايا الأشياء وأسرار الناس بواسطة السعي بالنميمة وإلقاء العداوات بين الأقارب والأصحاب والأزواج
[ ص: 636 ] حتى يفشي كل منهم سر الآخر فيتخذ الساحر تلك الأسرار وسيلة يلقي بها الرعب في قلوب أصحابها بإظهار أنه يعلم الغيب والضمائر ، ثم هو يأمر أولئك الذين أرهبهم ويستخدمهم بما يشاء فيطيعونه فيأمر المرأة بمغاضبة زوجها وطلب فراقه ويأمر الزوج بطلاق زوجته وهكذا ، وفي هذا القسم تظهر مقدرة الساحر الفكرية وبه تكثر أضراره وأخطاره على الناس وجرأته على ارتكاب المرعبات والمطوعات باستئصال الأموال بالسرقة يسرقها من لا يتهمه المسروق ، ومنه أنه يفعل ذلك من خاصته وأبنائه وزوجه الذين يستهويهم السحرة ويسخرونهم للإخلاص لهم ، وينتهي فعل السحرة في هذا إلى حد إزهاق النفوس التي يشعرون بأنها تفطنت لخديعتهم أو التي تعاصت عن امتثال أوامرهم يغرون بها من هي آمن الناس منه ، ثم استطلاع ضمائر الناس بتقريرات خفية وأسئلة تدريجية يوهمه بها أنه يسأله عنها ليعلمه بمستقبله .
ونوع يجعل اختبارا لمقدار مراتب أذهان الناس في قابلية سحره ، وذلك بوضع أشياء في الأطعمة خيفة الظهور ليرى هل يتفطن لها من وضعها ، وبإبراز خيالات أو أشباح يوهم بها الناظر أنها جن أو شياطين أو أرواح ، وما هي إلا أشكال مموهة أو أعوان من أعوانه متنكرة ، لينظر هل يقتنع رائيها بما أخبره الساحر عنها أم يتطلب كشف حقيقتها أو استقصاء أثرها .
فكان
nindex.php?page=treesubj&link=25588_25583السحر قرين خباثة نفس ، وفساد دين ، وشر عمل ، وإرعاب وتهويل على الناس ، من أجل ذلك ما فتئت الأديان الحقة تحذر الناس منه وتعد الاشتغال به مروقا عن طاعة الله تعالى ؛ لأنه مبني على اعتقاد تأثير الآلهة والجن المنسوبين إلى الآلهة في عقائد الأقدمين ، وقد حذر
موسى قومه من السحر وأهله ففي سفر التثنية الإصحاح 18 أن مما خاطب به
موسى عليه السلام قومه " متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانا أو تابعة ولا من يستثير الموتى " . وجعلت التوراة جزاء السحرة القتل ، ففي سفر اللاويين الإصحاحين 20 - 27 " وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يقتل " .
[ ص: 637 ] وذكروا عن
مالك أنه قال : الأسماء التي يكتبها السحرة في التمائم أسماء أصنام .
وقد حذر الإسلام من عمل السحر وذمه في مواضع وليس ذلك بمقتضي إثبات حقيقة وجودية للسحر على الإطلاق ولكنه تحذير من فساد العقائد وخلع قيود الديانة ومن سخيف الأخلاق . وقد اختلف علماء الإسلام في
nindex.php?page=treesubj&link=25591_25582إثبات حقيقة السحر وإنكارها وهو اختلاف في الأحوال فيما أراه ، فكل فريق نظر إلى صنف من أصناف ما يدعى بالسحر .
وحكى
عياض في إكمال العلم أن جمهور أهل السنة ذهبوا إلى إثبات حقيقته . قلت : وليس في كلامهم وصف كيفية السحر الذي أثبتوا حقيقته فإنما أثبتوه على الجملة . وذهب عامة
المعتزلة إلى أن السحر لا حقيقة له ، وإنما هو تمويه وتخيل وأنه ضرب من الخفة والشعوذة ووافقهم على ذلك بعض أهل السنة كما اقتضته حكاية
عياض في الإكمال ، قلت : وممن سمي منهم
أبو إسحاق الإسترابادي من الشافعية .
والمسألة بحذافرها من مسائل الفروع الفقهية تدخل في عقاب المرتدين والقاتلين والمتحيلين على الأموال ، ولا تدخل في أصول الدين . وهو وإن أنكره الملاحدة لا يقتضي أن يكون إنكاره إلحادا . وهذه الآية غير صريحة . وأما الحديث فقد علمته آنفا . وشدد الفقهاء العقوبة في تعاطيه . قال
مالك :
nindex.php?page=treesubj&link=25585_25586يقتل الساحر ولا يستتاب إن كان مسلما وإن كان ذميا لا يقتل بل يؤدب إلا إذا أدخل بسحره أضرارا على مسلم فإنه يقتل ؛ لأنه يكون ناقضا للعهد لأن من جملة العهد أن لا يتعرضوا للمسلمين بالأذى ، قال
الباجي في المنتقى : رأى
مالك أن السحر كفر وشرك ودليل عليه ، وإنه لما كان يستتر صاحبه بفعله فهو كالزندقة لأجل إظهار الإسلام وإبطان الكفر ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم nindex.php?page=showalam&ids=12927وابن المواز وأصبغ هو كالزنديق إن أسر السحر لا يستتاب وإن أظهره استتيب وهو تفسير لقول
مالك لا خلاف له قال
الباجي فلا يقتل حتى يثبت أن ما يفعله من السحر هو الذي وصفه الله بأنه كفر قال
أصبغ يكشف ذلك من يعرف حقيقته ويثبت ذلك عند الإمام .
وفي الكافي
nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر إذا
nindex.php?page=treesubj&link=25584_25583عمل السحر لأجل القتل وقتل به قتل وإن لم يكن كفرا ، وقد أدخل
مالك في الموطأ السحر في باب الغيلة ، فقال
ابن العربي في القبس : وجه ذلك أن المسحور لا يعلم بعمل السحر حتى يقع فيه ، قلت : لا شك أن السحر الذي جعل جزاؤه القتل هو ما كان كفرا صريحا مع الاستتار به أو حصل به إهلاك النفوس وذلك أن الساحر كان يعد من يأتيه للسحر بأن فلانا يموت الليلة أو غدا أو يصيبه جنون ثم يتحيل في إيصال
[ ص: 638 ] سموم خفية من العقاقير إلى المسحور تلقى له في الطعام بواسطة أناس من أهل المسحور فيصبح المسحور ميتا أو مختل العقل فهذا هو مراد
مالك بأن جزاءه القتل أي إن قتل ، ولذلك قال : لا تقبل توبته ، وبدون هذا التأويل لا يصح فقه هذه المسألة ، فقول
مالك في السحر ليس استنادا لدليل معين في خصوص السحر ولكنه من باب تحقيق المناط بتطبيق قواعد التعزير والإضرار ، ولبعض فقهاء المذهب في حكاية هذه المسألة إطلاقات عجيب صدورها من أمثالهم ، على أن السحر أكثر ما يتطلب لأجل تسخير المحبين محبوبيهم ، فهو وسيلة في الغالب للزنا أو للانتقام من المحبوب أو الزوج .
سئل
مالك عمن يعقد الرجال عن النساء ، وعن الجارية تطعم رجلا شيئا فيذهب عقله فقال : لا يقتلان ، فأما الذي يعقد فيؤدب ، وأما الجارية فقد أتت أمرا عظيما قيل أفتقتل ؟ فقال : لا ، قال
ابن رشد في البيان : رأى أن فعلها ليس من السحر اهـ .
وقال
أبو حنيفة : يقتل الرجل الساحر ولا يستتاب ، وأما المرأة فتحبس حتى تتركه فجعل حكمه حكم المرتد ، ووجه
أبو يوسف بأنه جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد . وعن
الشيخ أبي منصور أن القول بأن السحر كفر على الإطلاق خطأ بل يجب البحث عن حقيقته ، فإن كان في ذلك رد ما لزم من شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا ، وما ليس بكفر وفيه إهلاك النفس ففيه حكم قطاع الطريق ، ويستوي فيه الذكور والإناث ، وتقبل توبته إذا تاب ، ومن قال لا تقبل فقد خلط ، فإن سحرة فرعون قبلت توبتهم اهـ . وهذا استدلال بشرع من قبلنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يسأل الساحر عن سحره فإن ظهر منه ما هو كفر فهو كالمرتد يستتاب ، فإن أصر قتل ، وإن ظهر منه تجويز تغيير الأشكال لأسباب قراءة تلك الأساطير أو تدخين الأدوية وعلم أنه يفعل محرما فحكمه حكم الجناية ، فإن اعترف بسحر إنسان وأن سحره يقتل غالبا قتل قودا ، يعني إذا ثبت أنه مات بسببه وإن قال إن سحري قد يقتل وقد لا يقتل فهو شبه عمد ، وإن كان سحره لغير القتل فمات منه فهو قتل خطأ تجب الدية فيه مخففة في ماله .
ويجب أن يستخلص من اختلافهم ومن مفترق أقوالهم ما يكون فيه بصيرة لإجراء أعمال ما يسمى بالسحر وصاحبه بالساحر مجرى جنايات أمثاله ومقدار ما أثره من
[ ص: 639 ] الاعتداء دون مبالغة ولا أوهام ، وقد يطلق اسم الساحر اليوم على اللاعب بالشعوذة في الأسمار ، وذلك من أصناف اللهو فلا ينبغي عد ذلك جناية .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ قَوْلُهُ " وَاتَّبَعُوا " عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْآيَةَ بِذِكْرِ خَصْلَةٍ لَهُمْ عَجِيبَةٍ وَهِيَ أَخْذُهُمْ بِالْأَبَاطِيلِ بَعْدَ ذِكْرِ خَصْلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ نَبْذُهُمْ لِلْكِتَابِ الْحَقِّ فَذَلِكَ هُوَ مُنَاسَبَةُ عَطْفِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ . فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ " الْقُرْآنَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ نَبَذُوا كِتَابَهُ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالتَّوْرَاةِ فَلَا يَتَّبِعُونَ مَا خَالَفَ أَحْكَامَهَا وَقَدِ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلتَّوْرَاةِ لِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ السِّحْرِ وَالشِّرْكِ فَكَمَا قِيلَ لَهُمْ فِيمَا مَضَى أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ يُقَالُ لَهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ تَارَةً وَتَكْفُرُونَ بِهِ تَارَةً أُخْرَى .
[ ص: 627 ] وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ التَّوْرَاةَ فَالْمَعْنَى لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
nindex.php?page=treesubj&link=32428_32426_32424_30589نَبَذُوا مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِ هَذَا الرَّسُولِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ قَدْ نَبَذُوهَا مِنْ قَبْلُ حِينَ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ . قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ لَمَّا ذَكَرَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سُلَيْمَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ قَالَتِ
الْيَهُودُ إِنَّ
مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّ
سُلَيْمَانَ نَبِيٌّ وَمَا هُوَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّهُ سَاحِرٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَ " الشَّيَاطِينُ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا شَيَاطِينَ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ الْمَشْهُورُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ نَاسٌ تَمَرَّدُوا وَكَفَرُوا وَأَتَوْا بِالْفَظَائِعِ الْخَفِيَّةِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِمُ الشَّيَاطِينَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَقَرِينَةُ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33475_32426_32424قَوْلُهُ " يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ " فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمْ يُدَرِّسُونَهُ لِلنَّاسِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) إِذْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْإِخْبَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنِ الْإِنْسِ لِأَنَّ كُفْرَ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْجِنِّ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا يَحْتَاجُ لِلْإِخْبَارِ عَنْهُ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَدَتِ الشَّيَاطِينُ فَكَتَبُوا أَصْنَافًا مِنَ السِّحْرِ وَقَالُوا : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْلُغَ كَذَا وَكَذَا فَلْيَفْعَلْ كَذَا لِأَصْنَافٍ مِنَ السِّحْرِ وَخَتَمُوهُ بِخَاتَمٍ يُشْبِهُ نَقْشَ خَاتَمِ
سُلَيْمَانَ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ وَدَفَنُوهُ وَزَعَمُوا أَنَّ
سُلَيْمَانَ دَفَنَهُ وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَدْفِنَهُ وَدَلُّوا النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَأَخْرَجُوهُ ، فَقَالَتِ
الْيَهُودُ : مَا كَانَ
سُلَيْمَانُ إِلَّا سَاحِرًا وَمَا تَمَّ لَهُ الْمُلْكُ إِلَّا بِهَذَا . وَقِيلَ كَانَ
آصَفُ بْنُ بَرَخْيَا كَاتِبُ
سُلَيْمَانَ يَكْتُبُ الْحِكْمَةَ بِأَمْرِ
سُلَيْمَانَ وَيَدْفِنُ كُتُبَهُ تَحْتَ كُرْسِيِّ
سُلَيْمَانَ لِتَجِدَهَا الْأَجْيَالُ فَلَمَّا مَاتَ
سُلَيْمَانُ أَغَرْتِ الشَّيَاطِينُ النَّاسَ عَلَى إِخْرَاجِ تِلْكَ الْكُتُبِ وَزَادُوا فِي خِلَالِ سُطُورِهَا سِحْرًا وَكُفْرًا وَنَسَبُوا الْجَمِيعَ
لِسُلَيْمَانَ فَقَالَتِ الْيَهُودُ : كَفَرَ
سُلَيْمَانُ .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ مَعَ سَبَبِ نُزُولِهَا إِنْ نَزَلَتْ عَنْ سَبَبٍ
nindex.php?page=treesubj&link=32426_31969_32626أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَاتَ انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةُ إِسْرَائِيلَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مَمْلَكَةُ يَهُوذَا وَمَلِكُهَا
رَحْبَعَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ جَعَلُوهُ مَلِكًا بَعْدَ أَبِيهِ وَكَانَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ سَئِمَتْ مُلْكَ
سُلَيْمَانَ لِحَمْلِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى
[ ص: 628 ] مَا يُخَالِفُ هَوَاهُمْ فَجَاءَتْ أَعْيَانُهُمْ وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ
يَرْبَعَامُ بْنُ نَبَاطَ مَوْلَى سُلَيْمَانَ لِيُكَلِّمُوا
رَحْبَعَامَ قَائِلِينَ إِنَّ أَبَاكَ قَاسٍ عَلَيْنَا وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفْ عَنَّا مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ لِنُطِيعَكَ فَأَجَابَهُمُ اذْهَبُوا ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاسْتَشَارَ
رَحْبَعَامُ أَصْحَابَ أَبِيهِ وَوُزَرَاءَهُ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِمُلَايَنَةِ الْأُمَّةِ لِتُطِيعَهُ .
وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْفِتْيَانِ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِلْأُمَّةِ إِنَّ خِنْصَرِي أَغْلَظُ مِنْ مَتْنِ أَبِي فَإِذَا كَانَ أَبِي قَدْ أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ فَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ شُيُوخُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَجَابَهُمْ بِمَا أَشَارَ بِهِ الْأَحْدَاثُ خَلَعَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ طَاعَتَهُ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ
يَرْبَعَامَ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى طَاعَةِ
رَحْبَعَامَ إِلَّا سِبْطَا
يَهُوذَ وَبِنْيَامِينَ وَاعْتَصَمَ
رَحْبَعَامُ بِأُورَشْلِيمَ وَكُلُّ أُمَّتِهِ لَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ مُحَارِبٍ يَعْنِي رِجَالًا قَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَانْقَسَمَتِ الْمَمْلَكَةُ مِنْ يَؤْمِئِذٍ إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ مَمْلَكَةُ
يَهُوذَا وَقَاعِدَتُهَا
أُورَشْلِيمُ . وَمَمْلَكَةُ
إِسْرَائِيلَ وَمَقَرُّهَا
السَّامِرَةُ . وَذَلِكَ سَنَةَ 975 قَبْلَ
الْمَسِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=62إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ) الْآيَةَ وَلَا يَخْفَى مَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَالَةُ أُمَّةٍ فِي هَذَا الِانْتِقَالِ فَإِنَّ خُصُومَ
رَحْبَعَامَ لَمَّا سَلَبُوا مِنْهُ الْقُوَّةَ الْمَادِّيَّةَ لَمْ يَغْفُلُوا عَمَّا يَعْتَضِدُ بِهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْأَدَبِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُهُ
ابْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ وَالنُّبُوءَةِ وَالسُّمْعَةِ الْحَسَنَةِ فَلَمْ يَأْلُ أَعْدَاؤُهُ جُهْدَهُمْ مِنْ إِسْقَاطِ هَاتِهِ الْقُوَّةِ الْأَدَبِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنِ اجْتَمَعَ مُدَبِّرُو الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَضَعُوا أَكَاذِيبَ عَنْ
سُلَيْمَانَ يَبُثُّونَهَا فِي الْعَامَّةِ لِيَقْضُوا بِهَا وَطَرَيْنِ : أَحَدُهُمَا نِسْبَةُ
سُلَيْمَانَ إِلَى السِّحْرِ وَالْكُفْرِ لِتَنْقِيصِ سُمْعَةِ ابْنِهِ
رَحْبَعَامَ كَمَا صَنَعَ دُعَاةُ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ فِيمَا وَضَعُوهُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ
بَنِي أُمَيَّةَ وَالثَّانِي : تَشْجِيعُ الْعَامَّةِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَ مُلْكَ
سُلَيْمَانَ وَابْنِهِ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ ابْنِهِ بِأَنَّ
سُلَيْمَانَ مَا تَمَّ لَهُ الْمُلْكُ إِلَّا بِتِلْكَ الْأَسْحَارِ وَالطَّلَاسِمِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا ظَفِرُوا بِهَا فَإِنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُؤَسِّسُوا مُلْكًا يُمَاثِلُ مُلْكَ
سُلَيْمَانَ كَمَا صَنَعَ دُعَاةُ انْقِلَابِ الدُّوَلِ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ مِنْ وَضْعِ أَحَادِيثِ انْتِظَارِ
الْمَهْدِيِّ وَكَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ بَثِّ أَخْبَارٍ عَنِ الصَّالِحِينَ تُؤْذِنُ بِقُرْبِ زَوَالِ الدَّوْلَةِ .
وَلَا يَخْفَي مَا تُثِيرُهُ هَذِهِ الْأَوْهَامُ فِي نُفُوسِ الْعَامَّةِ مِنَ الْجَزْمِ بِنَجَاحِ السَّعْيِ وَجَعْلِهِمْ فِي مَأْمَنٍ مِنْ خَيْبَةِ أَعْمَالِهِمْ وَلَحَاقِ التَّنْكِيلِ بِهِمْ فَإِذَا قُضِيَ الْوَطَرُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ الْتَصَقَ أَثَرُهُ فِي النَّاسِ فَيَبْقَى ضُرُّ ضَلَالِهِ بَعْدَ اجْتِنَاءِ ثِمَارِهِ .
وَالِاتِّبَاعُ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمَشْيُ وَرَاءَ الْغَيْرِ وَيَكُونُ مَجَازًا فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَبِرَأْيهِ وَفِي الِاعْتِقَادِ بِاعْتِقَادِ الْغَيْرِ تَقُولُ : اتَّبَعَ مَذْهَبَ
مَالِكٍ وَاتَّبَعَ عَقِيدَةَ الْأَشْعَرِيِّ ، وَالِاتِّبَاعُ هُنَا مَجَازٌ
[ ص: 629 ] لَا مَحَالَةَ لِوُقُوعِ مَفْعُولِهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ اتِّبَاعُهُ حَقِيقَةً . وَالتِّلَاوَةُ قِرَاءَةُ الْمَكْتُوبِ وَالْكِتَابِ وَعَرْضِ الْمَحْفُوظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَفِعْلُهَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ " يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي " فَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ يَدُلُّ عَلَى تَضَمُّنِهِ مَعْنَى تَكْذِبُ أَيْ تَتْلُو تِلَاوَةَ كَذِبٍ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ كَمَا يُقَالُ ، تَقُولُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَإِنَّمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ حَرْفِ ( عَلَى ) .
وَالْمُرَادُ بِالْمُلْكِ هُنَا مُدَّةُ الْمُلْكِ أَوْ سَبَبُ الْمُلْكِ بِقَرِينَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمُلْكِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28908وَحَذْفُ الْمُضَافِ مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ وَقَعَ هَذَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ فِي خِلَافَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَوْلُ
حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ :
وَمَا هِيَ إِلَّا فِي إِزَارٍ وَعِلْقَةٍ مُغَارَ ابْنِ هَمَّامٍ عَلَى حَيِّ خَثْعَمَا
يُرِيدُ أَزْمَانَ مُغَارِ
ابْنِ هَمَّامٍ . وَكَذَلِكَ حَذَفَ الْمُضَافَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَوَادِثَ أَوِ الْأَسْبَابَ كَمَا تَقُولُ تَكَلَّمَ فُلَانٌ عَلَى خِلَافَةِ
عُمَرَ أَوْ هَذَا كِتَابٌ فِي مُلْكِ الْعَبَّاسِيِّينَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ إِذَا اشْتُهِرَ بِصِفَةٍ أَوْ قِصَّةٍ صَحَّ إِطْلَاقُهُ وَإِرَادَةُ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوِ الْقِصَّةِ بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَتْ لَكَانَتْ مُضَافَةً إِلَى الِاسْمِ ، قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
أَرَادَ مَتَاعِبَ لَيْلٍ لِأَنَّ اللَّيْلَ قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْغَرَامِ بِأَنَّهُ وَقْتُ الشَّوْقِ وَالْأَرَقِ .
وَالشَّيَاطِينُ قِيلَ أُرِيدَ بِهَا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ أَيِ الْمُضَلِّلُونَ وَهُوَ الظَّاهِرُ . وَقِيلَ أُرِيدَتْ شَيَاطِينَ الْجِنِّ وَأَلْ لِلْجِنْسِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ . وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ أَهْلُ الْحِيَلِ وَالسَّحَرَةُ كَمَا يَقُولُونَ : فُلَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْعَرَبِ وَقَدْ عُدَّ مِنْ أُولَئِكَ
نَاشِبٌ الْأَعْوَرُ أَحَدُ رِجَالِ يَوْمِ الْوَقِيطِ .
وَقَوْلُهُ " تَتْلُو " جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ . أَوْ هُوَ مُضَارِعٌ عَلَى بَابِهِ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ أَحْبَارُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَتْلُونَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمُ اتَّبَعُوا أَيِ اعْتَقَدُوا مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَلَمْ تَزَلْ تَتْلُوهُ .
وَسُلَيْمَانُ هُوَ nindex.php?page=treesubj&link=31972النَّبِيءُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ يَسِي مِنْ سِبْطِ
يَهُوذَا وُلِدَ سَنَةَ 1032 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ قَبْلَ
الْمَسِيحِ وَتُوُفِّيَ فِي
أُورَشْلِيمَ سَنَةَ 975 خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ قَبْلَ
الْمَسِيحِ وَوَلِيَ
[ ص: 630 ] مُلْكَ إِسْرَائِيلَ سَنَةَ 1014 أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ قَبْلَ
الْمَسِيحِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ
دَاوُدَ النَّبِيءِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ ، وَعَظُمَ مُلْكُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مُدَّتِهِ وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِبِنَاءِ مَسْجِدِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَانَ نَبِيًّا حَكِيمًا شَاعِرًا ، وَجَعَلَ لِمَمْلَكَتِهِ أُسْطُولًا بَحْرِيًّا عَظِيمًا كَانَتْ تَمْخُرُ سُفُنُهُ الْبِحَارَ إِلَى جِهَاتٍ قَاصِيَةٍ مِثْلَ شَرْقِ
إِفْرِيقْيَا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَثَارَ اعْتِرَاضُهَا مَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ مِنْ مَعْنَى أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَى
سُلَيْمَانَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْكُفْرِ ، فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ " وَاتَّبَعُوا " وَبَيْنَ قَوْلِهِ " وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ " إِنَّ كَانَ " وَمَا أُنْزِلَ " مَعْطُوفًا عَلَى ( مَا تَتْلُو ) وَبَيْنَ " اتَّبَعُوا " وَبَيْنَ " وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ " إِلَخْ إِنْ كَانَ " وَمَا أُنْزِلَ " مَعْطُوفًا عَلَى السِّحْرِ ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى " وَاتَّبَعُوا " إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَحْبَارَ الْيَهُودِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ
الْيَهُودِ لِأَنَّ مَآلَهُ ( وَاتَّبَعُوا وَكَفَرُوا ) وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ نَفْيَ كُفْرِ
سُلَيْمَانَ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ تَعْجِيلًا بِإِثْبَاتِ نَزَاهَتِهِ وَعِصْمَتِهِ وَلِأَنَّ اعْتِقَادَ كُفْرِهِ كَانَ سَبَبَ ضَلَالٍ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا كَتَبَتْهُ الشَّيَاطِينُ ، فَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْأَتْبَاعِ وَحُكْمَ الْمَتْبُوعِينَ وَاحِدٌ ، فَكَانَ خَبَرًا عَنِ
الْيَهُودِ كَذَلِكَ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32426كَانَ الْيَهُودُ يَعْتَقِدُونَ كُفْرَ سُلَيْمَانَ فِي كُتُبِهِمْ فَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الْأَوَّلِ أَنَّ
سُلَيْمَانَ فِي زَمَنِ شَيْخُوخَتِهِ أَمَالَتْ نِسَاؤُهُ الْمِصْرِيَّاتُ وَالصَّيْدَوِنِيَّاتُ وَالْعَمُونِيَّاتُ قَلْبَهُ إِلَى آلِهَتِهِنَّ مِثْلَ عَشْتَرُوتَ إِلَهِ الصَّيدَوَنِيِّينَ ( وَمُولُوكَ ) إِلَهِ الْعَمُونِيِّينَ ( الْفِينِيقِيِّينَ ) وَبَنَى لِهَاتِهِ الْآلِهَةِ هَيَاكِلَ فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنْ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَوْصَاهُ أَنْ لَا يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كَفَرُوا وَالْمَقْصِدُ مِنْهُ تَشْنِيعُ حَالِ كُفْرِهِمْ إِذْ كَانَ مَصْحُوبًا بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ فَهِيَ حَالٌ مُؤَسِّسَةٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=25582_32626وَالسِّحْرُ الشَّعْوَذَةُ وَهِيَ تَمْوِيهُ الْحِيَلِ بِإِخْفَائِهَا تَحْتَ حَرَكَاتٍ وَأَحْوَالٍ يَظُنُّ الرَّائِي أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ مَعَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَفِيَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ السِّحْرُ عَلَى الْخَدِيعَةِ تَقُولُ : سَحَرْتُ الصَّبِيَّ إِذَا عَلَلْتَهُ بِشَيْءٍ . قَالَ
لَبِيدٌ :
فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فِإِنَّنَا عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ
ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَا عُلِمَ ظَاهِرُهُ وَخَفِيَ سَبَبُهُ وَهُوَ التَّمْوِيهُ وَالتَّلْبِيسُ وَتَخَيُّيلُ غَيْرِ الْوَاقِعِ وَاقِعًا
[ ص: 631 ] وَتَرْوِيجُ الْمُحَالِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : عَنْزٌ مَسْحُورَةٌ إِذَا عَظُمَ ضَرْعُهَا وَقَلَّ لَبَنُهَا ، وَأَرْضٌ مَسْحُورَةٌ لَا تَنْبُتُ قَالَ
أَبُو عَطَاءٍ :
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ أَدَاءٌ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكِ أَمْ سِحْرُ
أَيْ : شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ . وَالْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغِيلَانَ سَحَرَةُ الْجِنِّ لِمَا تَتَشَكَّلُ بِهِ مِنَ الْأَشْكَالِ وَتَعْرِضُهَا لِلْإِنْسَانِ . وَالسِّحْرُ مِنَ الْمَعَارِفِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي مَنْبَعِ الْمَدِينَةِ الْأُولَى أَعْنِي بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ فِي بِلَادِ الْكَلْدَانِ وَالْبَابِلِيِّنَ وَفِي
مِصْرَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ فِي الْقَرْنِ الْأَرْبَعِينَ قَبْلَ
الْمَسِيحِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي تَيْنِكَ الْأُمَّتَيْنِ مِنْ تَعَالِيمِ قَوْمٍ نَشَئُوا قَبْلَهُمَا فَقَدْ وُجِدَتْ آثَارٌ مِصْرِيَّةٌ سِحْرِيَّةٌ فِي عَصْرِ الْعَائِلَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ وَالْعَائِلَةِ السَّادِسَةِ 3951 - 3703 ق . م .
وَلِلْعَرَبِ فِي السِّحْرِ خَيَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ السِّحْرَ يُقَلِّبُ الْأَعْيَانَ وَيُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَيُطَوِّعُ الْمَسْحُورَ لِلسَّاحِرِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْغُولَ سَاحِرَةُ الْجِنِّ وَلِذَلِكَ تَتَشَكَّلُ لِلرَّائِي بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ . وَقَالَتْ
قُرَيْشٌ لَمَّا رَأَوْا مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ : إِنَّهُ سَاحِرٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=14وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341140أَنَّ الْقَوْمَ عَطِشُوا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَطَلَبُوا الْمَاءَ فَوَجَدُوا امْرَأَةً عَلَى بَعِيرٍ لَهَا مَزَادَاتَانِ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَقَى رَسُولُ اللَّهِ جَمِيعَ الْجَيْشِ ثُمَّ رَدَّ إِلَيْهَا مَزَادَتَيْهَا كَامِلَتَيْنِ فَقَالَتْ لِقَوْمِهَا : فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ مَنْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ ، تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341141إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا . وَلَمْ أَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ السِّحْرَ فَإِنَّ السِّحْرَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ خَصَائِصِ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ ضَلَاعَةٌ فِي الْأُمُورِ الْيَدَوِيَّةِ بَلْ كَانَتْ ضَلَاعَتُهُمْ فِكْرِيَّةً مَحْضَةً ، وَكَانَ الْعَرَبُ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالسِّحْرِ
الْيَهُودَ وَالصَّابِئَةَ وَهُمْ
أَهْلُ بَابِلَ ، وَمَسَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ هَؤُلَاءِ بِالسِّحْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ .
وَقَدِ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ
الْيَهُودَ فِي
يَثْرِبَ سَحَرُوهُمْ فَلَا يُولَدُ لَهُمْ فَلِذَلِكَ اسْتَبْشَرُوا لَمَّا وُلِدَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=34020_30731_30726أَوَّلُ مَوْلُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ . وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْثُرْ ذِكْرُ السِّحْرِ بَيْنَ
[ ص: 632 ] الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ هَاجَرُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ إِذْ قَدْ كَانَ فِيهَا
الْيَهُودُ وَكَانُوا يُوهِمُونَ بِأَنَّهُمْ يَسْحَرُونَ النَّاسَ . وَيُدَاوِي مِنَ السِّحْرِ الْعَرَّافُ وَدَوَاءُ السِّحْرِ السَّلْوَةُ وَهِيَ خَرَزَاتٌ مَعْرُوفَةٌ تُحَكُّ فِي الْمَاءِ وَيُشْرَبُ مَاؤُهَا .
وَوَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ
nindex.php?page=treesubj&link=25583النَّهْيُ عَنِ السِّحْرِ فَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ خِصَالِ الشِّرْكِ وَقَدْ وَصَفَتِ التَّوْرَاةُ بِهِ أَهْلَ الْأَصْنَامِ فَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ فِي الْإِصْحَاحِ 18 إِذَا دَخَلْتَ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لَا تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ لَا يُوجَدُ فِيكَ مَنْ يَزُجُّ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ وَلَا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلَا عَائِفٌ وَلَا مُتَفَائِلٌ وَلَا سَاحِرٌ وَلَا مَنْ يَرْقَى رُقْيَةً وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ .
وَفِي سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ الْإِصْحَاحِ 20 " ( 6 ) وَالنَّفْسُ الَّتِي تَلْتَفِتُ إِلَى الْجَانِّ وَإِلَى التَّوَابِعِ لِتَزْنِيَ وَرَاءَهُمْ أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ تِلْكَ النَّفْسِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شِعْبِهَا ( 27 ) وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ دَمُهُ عَلَيْهِ .
وَكَانُوا يَجْعَلُونَهُ أَصْلًا دِينِيًّا لِمُخَاطَبَةِ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى وَتَسْخِيرِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ الْأَمْرَاضِ وَقَدِ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ فِي بَلَدِ الْكَلْدَانِ وَخَلَطُوهُ بِعُلُومِ النُّجُومِ وَعِلْمِ الطِّبِّ . وَأَرْجَعَ الْمِصْرِيُّونَ الْمَعَارِفَ السِّحْرِيَّةَ إِلَى جُمْلَةِ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ الَّتِي أَفَاضَهَا عَلَيْهِمْ " طُوطٌ " الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ
إِدْرِيسُ وَهُوَ هَرْمَسَ عِنْدَ الْيُونَانِ .
وَقَدِ اسْتَخْدَمَ الْكَلْدَانُ وَالْمِصْرِيُّونَ فِيهِ أَسْرَارًا مِنَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ قَصْدًا لِإِخْرَاجِ الْأَشْيَاءِ فِي أَبْهَرِ مَظَاهِرِهَا حَتَّى تَكُونَ فَاتِنَةً أَوْ خَادِعَةً وَظَاهِرَةً ، كَخَوَارِقِ عَادَاتٍ ، إِلَّا أَنَّهُ شَاعَ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَبَعْدَ ضَلَالِهِمْ عَنِ الْمَقْصِدِ الْعِلْمِيِّ مِنْهُ فَصَارَ عِبَارَةً عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّضْلِيلِ وَإِخْرَاجِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ ، أَوِ الْقَبِيحِ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ أَوِ الْمُضِرِّ فِي صُورَةِ النَّافِعِ .
وَقَدْ صَارَ عِنْدَ الْكَلْدَانِ وَالْمِصْرِيِّينَ خَاصِّيَّةً فِي يَدِ الْكَهَنَةِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ فِي ذَوَاتِهِمُ الرِّئَاسَةَ الدِّينِيَّةَ وَالْعِلْمِيَّةَ فَاتَّخَذُوا قَوَاعِدَ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ لِتَسْخِيرِ الْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ وَإِخْضَاعِهِمْ بِمَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى عِلَاجِ الْأَمْرَاضِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الضَّمَائِرِ بِوَاسِطَةِ الْفِرَاسَةِ وَالتَّأْثِيرِ بِالْعَيْنِ وَبِالْمَكَائِدِ .
وَقَدْ نَقَلَتْهُ الْأُمَمُ عَنْ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا نَقَلُوهُ عَنِ الْكَلْدَانِيِّينَ فَاقْتَبَسَهُ مِنْهُمُ السُّرْيَانُ ( الْأَشُورِيُّونَ )
وَالْيَهُودُ وَالْعَرَبُ وَسَائِرُ الْأُمَمِ الْمُتَدَيِّنَةِ وَالْفُرْسُ وَالْيُونَانُ وَالرُّومَانُ .
[ ص: 633 ] nindex.php?page=treesubj&link=25582وَأُصُولُ السِّحْرِ ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ زَجْرُ النُّفُوسِ بِمُقْدِمَاتٍ تَوْهِيمِيَّةٍ وَإِرْهَابِيَّةٍ بِمَا يَعْتَادُهُ السَّاحِرُ مِنَ التَّأْثِيرِ النَّفْسَانِيِّ فِي نَفْسِهِ وَمِنَ الضَّعْفِ فِي نَفْسِ الْمَسْحُورِ وَمِنْ سَوَابِقَ شَاهَدَهَا الْمَسْحُورُ وَاعْتَقَدَهَا فَإِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ السَّاحِرُ سُخِّرَ لَهُ وَإِلَى هَذَا الْأَصْلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ذِكْرِ سَحَرَةِ
فِرْعَوْنَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ .
الثَّانِي اسْتِخْدَامُ مُؤَثِّرَاتٍ مِنْ خَصَائِصِ الْأَجْسَامِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى خَصَائِصَ طَبِيعِيَّةٍ كَخَاصِّيَّةِ الزِّئْبَقِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقَاقِيرُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعُقُولِ صَلَاحًا أَوْ فَسَادًا وَالْمُفْتِرَةُ لِلْعَزَائِمِ وَالْمُخَدِّرَاتُ وَالْمُرْقِدَاتُ عَلَى تَفَاوُتِ تَأْثِيرِهَا وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ .
الثَّالِثُ : الشَّعْوَذَةُ وَاسْتِخْدَامُ خَفَايَا الْحَرَكَةِ وَالسُّرْعَةِ وَالتَّمَوُّجِ حَتَّى يُخَيَّلَ الْجَمَادُ مُتَحَرِّكًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمُ أَنَّهَا تَسْعَى .
هَذِهِ أَصُولُ السِّحْرِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ قَسَّمَهَا
الْفَخْرُ فِي التَّفْسِيرِ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ لَا تَعْدُو هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ وَفِي بَعْضِهَا تَدَاخَلٌ . وَلِعُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ تَقْسِيمٌ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ جَدْوَى .
وَهَذِهِ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا أَعْمَالٌ مُبَاشِرَةٌ لِلْمَسْحُورِ وَمُتَّصِلَةٌ بِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ قَابِلِيَّةِ نَفْسِهِ الضَّعِيفَةِ وَهُوَ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا ، وَمَجْمُوعُهَا هُوَ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي إِثْبَاتِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ ، وَمَا عَدَاهَا مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْمَزَاعِمِ هُوَ شَيْءٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ لَا مُبَاشَرَةَ لَهُ بِذَاتِ مَنْ يُرَادُ سِحْرُهُ وَيَكُونُ غَائِبًا عَنْهُ فَيَدَّعِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ ، وَهَذَا مِثْلَ رَسْمِ أَشْكَالٍ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالطَّلَاسِمِ ، أَوْ عَقْدِ خُيُوطٍ وَالنَّفْثُ عَلَيْهَا بَرُقْيَاتٍ مُعَيَّنَةٍ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِنْجَادَ بِالْكَوَاكِبِ أَوْ بِأَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ وَآلِهَةِ الْأَقْدَمِينَ ، وَكَذَا كِتَابَةُ اسْمِ الْمَسْحُورِ فِي أَشْكَالٍ . أَوْ وَضْعِ صُورَتِهِ أَوْ بَعْضِ ثِيَابِهِ وَعَلَائِقِهِ وَتَوْجِيهِ كَلَامٍ إِلَيْهَا بِزَعْمِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ ذَاتِ الْمَسْحُورِ ، أَوْ يَسْتَعْمِلُونَ إِشَارَاتٍ خَاصَّةً نَحْوَ جِهَتِهِ أَوْ نَحْوَ بَلَدِهِ وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْأَرْصَادِ وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ أَنَّ
قُرَيْشًا لَمَّا أَشَارَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُصْبُعِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالُوا : هَذَا
مُحَمَّدٌ يَسْحَرُ النَّاسَ ، أَوْ جَمْعِ أَجْزَاءٍ مُعَيَّنَةٍ وَضَمِّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ مَعَ نِيَّةٍ أَنَّ ذَلِكَ الرَّسْمَ أَوِ الْجَمْعَ لِتَأْثِيرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِضُرٍّ أَوْ خَيْرٍ أَوْ مَحَبَّةٍ أَوْ بُغْضَةٍ
[ ص: 634 ] أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَلَامَةٍ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُرِنَ بِاسْمِ الْمَسْحُورِ وَصُورَتِهِ أَوْ بِطَالِعِ مِيلَادِهِ ، فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ التَّوَهُّمَاتِ وَلَيْسَ عَلَى تَأْثِيرِهَا دَلِيلٌ مِنَ الْعَقْلِ وَلَا مِنَ الطَّبْعِ وَلَا مَا يُثْبِتُهُ مِنَ الشَّرْعِ ، وَقَدِ انْحَصَرَتْ أَدِلَّةُ إِثْبَاتِ الْحَقَائِقِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّ
الْفَخْرَ فِي التَّفْسِيرِ حَاوَلَ إِثْبَاتَهُ بِمَا لَيْسَ بِمُقْنِعٍ .
وَقَدْ تَمَسَّكَ جَمَاعَةٌ لِإِثْبَاتِ تَأْثِيرِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ السِّحْرِ بِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341142قَوْلِ عَائِشَةَ أَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ nindex.php?page=treesubj&link=25592سَحَرَ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُؤْيَا النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَلَكَيْنِ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ السِّحْرِ ، وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مِثْلَهُ مُخْتَصَرًا ، وَيَنْبَغِي التَّثَبُّتُ فِي عِبَارَاتِهِ ثُمَّ فِي تَأْوِيلِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ
لَبِيدًا حَاوَلَ أَنْ يَسْحَرَ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ
الْيَهُودُ سَحَرَةً فِي
الْمَدِينَةِ وَأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَ رَسُولَهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ
لَبِيدٌ لِتَكُونَ مُعْجِزَةً لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِبْطَالِ سِحْرِ
لَبِيدٍ وَلِيَعْلَمَ
الْيَهُودُ أَنَّهُ نَبِيءٌ لَا تَلْحَقُهُ أَضْرَارُهُمْ وَكَمَا لَمْ يُؤَثِّرْ سِحْرُ السَّحَرَةِ عَلَى
مُوسَى كَذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ سِحْرُ
لَبِيدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا عَرَضَ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِضٌ جَسَدِيٌّ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ فَصَادَفَ أَنْ كَانَ مُقَارَنًا لِمَا عَمِلَهُ
لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ مِنْ مُحَاوَلَةِ سِحْرِهِ وَكَانَتْ رُؤْيَا النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْبَاءً مِنَ اللَّهِ لَهُ بِمَا صَنَعَ
لَبِيدٌ ، وَالْعِبَارَةُ عَنْ صُورَةِ تِلْكَ الرُّؤْيَا كَانَتْ مُجْمَلَةً فَإِنَّ الرَّأْيَ رُمُوزٌ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ تَعْبِيرُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ أَصْلًا لِتَفْصِيلِ الْقِصَّةِ .
ثُمَّ إِنَّ لِتَأْثِيرِ هَاتِهِ الْأَسْبَابِ أَوِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ شُرُوطًا وَأَحْوَالًا بَعْضُهَا فِي ذَاتِ السَّاحِرِ وَبَعْضُهَا فِي ذَاتِ الْمَسْحُورِ ، فَيَلْزَمُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25588السَّاحِرِ أَنْ يَكُونَ مُفْرِطَ الذَّكَاءِ مُنْقَطِعًا لِتَجْدِيدِ الْمُحَاوَلَاتِ السِّحْرِيَّةِ جَسُورًا قَوِيَّ الْإِرَادَةِ كَتُومًا لِلسِّرِّ قَلِيلَ الِاضْطِرَابِ لِلْحَوَادِثِ سَالِمَ الْبِنْيَةِ مُرْتَاضَ الْفِكْرِ خَفِيَّ الْكَيْدِ وَالْحِيلَةِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ غَالِبُ السَّحَرَةِ رِجَالًا وَلَكِنْ كَانَ الْحَبَشَةُ يَجْعَلُونَ السَّوَاحِرَ نِسَاءً وَكَذَلِكَ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=4وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ فَجَاءَ بِجَمْعِ الْإِنَاثِ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ : إِنَّ الْغِيلَانَ عَجَائِزُ مِنَ الْجِنِّ سَاحِرَاتٌ فَلِذَلِكَ تَسْتَطِيعُ التَّشَكُّلَ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَكَانَ مُعَلِّمُو السِّحْرِ يَمْتَحِنُونَ صَلَاحِيَةَ تَلَامِذَتِهِمْ لِهَذَا الْعِلْمِ بِتَعْرِيضِهِمْ لِلْمَخَاوِفِ وَأَمْرِهِمْ بِارْتِكَابِ الْمَشَاقِّ تَجْرِبَةً لِمِقْدَارِ عَزَائِمِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ .
وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَسْحُورِ فَخَوْرُ الْعَقْلِ ، وَضَعْفُ الْعَزِيمَةِ ، وَلَطَافَةُ الْبِنْيَةِ ، وَجَهَالَةُ الْعَقْلِ
[ ص: 635 ] وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ قَابِلِيَّةً لَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَامَّةُ وَمَنْ يَتَعَجَّبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ . وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَصُولِ السِّحْرِ إِلْقَاءُ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ عَلَى الْمَسْحُورِ لِاخْتِبَارِ مِقْدَارِ عَقْلِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِالْأَشْيَاءِ الْوَاهِيَةِ وَالثِّقَةِ بِالسَّاحِرِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ فَجَعَلُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ الْغَرِيبَ سِحْرًا .
ثُمَّ تَحُفُّ بِالسِّحْرِ أَعْمَالٌ الْقَصْدُ مِنْهَا التَّمْوِيهُ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ أَنْوَاعٌ .
نَوْعٌ الْغَرَضُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ اعْتِقَادِ السَّاحِرِ فِي نَجَاحِ عَمَلِهِ لِتَقْوَى عَزِيمَتُهُ فَيَشْتَدُّ تَأْثِيرُهُ عَلَى النُّفُوسِ وَهَذَا مِثْلُ تَلْقِينِ مُعَلِّمِي هَذَا الْفَنِّ تَلَامِذَتَهُمْ عِبَادَةَ كَوَاكِبَ وَمُنَاجَاتِهَا لِاسْتِخْدَامِ أَرْوَاحِهَا وَالِاسْتِنْجَادِ بِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْجِنِّ وَالْقُوَى الْمُتَعَاصِيَةِ لِيَعْتَقِدَ الْمُتَعَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نَجَاحِ عَمَلِهِ فَيُقْدِمَ عَلَيْهِ بِعَزْمٍ ، وَفِي ذَلِكَ تَأْثِيرٌ نَفْسَانِيٌّ عَجِيبٌ ، وَلِذَلِكَ يُسَمُّونَ تِلْكَ الْأَقْوَالَ وَالْمُنَاجَاةَ عَزَائِمَ جَمْعُ عَزِيمَةٍ ، وَيَقُولُونَ فُلَانٌ يَعْزِمُ إِذَا كَانَ يَسْحَرُ ، ثُمَّ هُوَ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَعْرِفَةَ قَدْ يَتَفَطَّنُ لِقِلَّةِ جَدْوَى تِلْكَ الْعَزَائِمِ وَقَدْ لَا يَتَفَطَّنُ وَعَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ فَمُعَلِّمُوهُ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ فِي نِهَايَةِ التَّعْلِيمِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُدْخِلُوا عَلَيْهِ الشُّكُوكَ فِي مَقْدِرَتِهِ ، فَلِذَلِكَ بَقِيَتْ تِلْكَ الْأَوْهَامُ يَتَلَقَّاهَا الْأَخْلَافُ عَنْ أَسْلَافِهِمْ ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ضُرُوبٌ هِيَ فِي الْأَصْلِ تَجَارِبُ لِمِقْدَارِ طَاعَةِ الْمُتَعَلِّمِ لِمُعَلِّمِهِ ، بَقِيَتْ مُتَلَقَّاةً عِنْدَهُمْ عَنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِثْلَ ارْتِكَابِ الْخَبَائِثِ وَإِهَانَةِ الصَّالِحَاتِ وَالْأُمُورِ الْمُقَدَّسَةِ إِيهَامًا بِأَنَّهَا تُبَلِّغُ إِلَى مَرْضَاةِ الشَّيَاطِينِ وَتَسْخِيرِهَا ، وَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ اخْتِبَارٌ لِمِقْدَارِ خُضُوعِ الْمُتَعَلِّمِ ، لِأَنَّ أَكْبَرَ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ نَبْذُ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ الدِّينُ ، وَلِأَنَّ السَّحَرَةَ لَيْسُوا مِنَ الْمِلِّيِّينَ فَهُمْ يَبْلُغُونَ بِمُرِيدِيهِمْ إِلَى مَبَالِغِهِمُ السَّافِلَةِ ، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَعَاطَوْنَ السِّحْرَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَتَّى لَهُمْ نَجَاحٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُلَطِّخُوا أَيْدِيَهُمْ بِالنَّجَاسَاتِ أَوْ نَحْوٍ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ .
وَنَوْعٌ الْغَرَضُ مِنْهُ إِخْفَاءُ الْأَسْبَابِ الْحَقِيقِيَّةِ لِتَمْوِيهَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى كُنْهِهَا ، فَيَسْتَنِدُونَ فِي تَعْلِيلِ أَعْمَالِهِمْ إِلَى أَسْبَابٍ كَاذِبَةٍ كَنِدَائِهِمْ بِأَسْمَاءٍ سَمَّوْهَا لَا مُسَمَّيَاتِ لَهَا ، وَوَضْعِهِمْ أَشْكَالًا عَلَى الْوَرَقِ أَوْ فِي الْجُدْرَانِ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهَا خَصَائِصَ التَّأْثِيرِ ، وَاسْتِنَادِهِمْ لِطَوَالِعِ كَوَاكِبَ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لَا سِيَّمَا الْقَمَرِ ، وَمِنْ هَذَا تَظَاهُرُهُمْ لِلنَّاسِ بِمَظْهَرِ الزُّهْدِ وَالْهِمَّةِ .
وَنَوْعٌ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى نُفُوذِ السِّحْرِ وَهُوَ التَّجَسُّسُ وَالتَّطَلُّعُ عَلَى خَفَايَا الْأَشْيَاءِ وَأَسْرَارِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ السَّعْيِ بِالنَّمِيمَةِ وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَزْوَاجِ
[ ص: 636 ] حَتَّى يُفْشِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ سِرَّ الْآخَرِ فَيَتَّخِذَ السَّاحِرُ تِلْكَ الْأَسْرَارَ وَسِيلَةً يُلْقِي بِهَا الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهَا بِإِظْهَارِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالضَّمَائِرَ ، ثُمَّ هُوَ يَأْمُرُ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرْهَبَهُمْ وَيَسْتَخْدِمُهُمْ بِمَا يَشَاءُ فَيُطِيعُونَهُ فَيَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِمُغَاضَبَةِ زَوْجِهَا وَطَلَبِ فِرَاقِهِ وَيَأْمُرُ الزَّوْجَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَهَكَذَا ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ تَظْهَرُ مَقْدِرَةُ السَّاحِرِ الْفِكْرِيَّةُ وَبِهِ تَكْثُرُ أَضْرَارُهُ وَأَخْطَارُهُ عَلَى النَّاسِ وَجُرْأَتُهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمُرْعِبَاتِ وَالْمُطَوِّعَاتِ بِاسْتِئْصَالِ الْأَمْوَالِ بِالسَّرِقَةِ يَسْرِقُهَا مَنْ لَا يَتَّهِمُهُ الْمَسْرُوقُ ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ خَاصَّتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَزَوْجِهِ الَّذِينَ يَسْتَهْوِيهِمُ السَّحَرَةُ وَيُسَخِّرُونَهُمْ لِلْإِخْلَاصِ لَهُمْ ، وَيَنْتَهِي فِعْلُ السَّحَرَةِ فِي هَذَا إِلَى حَدِّ إِزْهَاقِ النُّفُوسِ الَّتِي يَشْعُرُونَ بِأَنَّهَا تَفَطَّنَتْ لِخَدِيعَتِهِمْ أَوِ الَّتِي تَعَاصَتْ عَنِ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ يُغْرُونَ بِهَا مَنْ هِيَ آمَنُ النَّاسِ مِنْهُ ، ثُمَّ اسْتِطْلَاعُ ضَمَائِرِ النَّاسِ بِتَقْرِيرَاتٍ خَفِيَّةٍ وَأَسْئِلَةٍ تَدْرِيجِيَّةٍ يُوهِمُهُ بِهَا أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْهَا لِيُعْلِمَهُ بِمُسْتَقْبَلِهِ .
وَنَوْعٌ يُجْعَلُ اخْتِبَارًا لِمِقْدَارِ مَرَاتِبِ أَذْهَانِ النَّاسِ فِي قَابِلِيَّةِ سِحْرِهِ ، وَذَلِكَ بِوَضْعِ أَشْيَاءَ فِي الْأَطْعِمَةِ خِيفَةَ الظُّهُورِ لِيَرَى هَلْ يَتَفَطَّنُ لَهَا مَنْ وَضَعَهَا ، وَبِإِبْرَازِ خَيَالَاتٍ أَوْ أَشْبَاحٍ يُوهِمُ بِهَا النَّاظِرَ أَنَّهَا جِنٌّ أَوْ شَيَاطِينُ أَوْ أَرْوَاحٌ ، وَمَا هِيَ إِلَّا أَشْكَالٌ مُمَوَّهَةٌ أَوْ أَعْوَانٌ مِنْ أَعْوَانِهِ مُتَنَكِّرَةٌ ، لِيَنْظُرَ هَلْ يَقْتَنِعُ رَائِيهَا بِمَا أَخْبَرَهُ السَّاحِرُ عَنْهَا أَمْ يَتَطَلَّبُ كَشْفَ حَقِيقَتِهَا أَوِ اسْتِقْصَاءَ أَثَرِهَا .
فَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=25588_25583السِّحْرُ قَرِينَ خَبَاثَةِ نَفْسِ ، وَفَسَادِ دِينٍ ، وَشَرِّ عَمَلٍ ، وَإِرْعَابٍ وَتَهْوِيلٍ عَلَى النَّاسِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَا فَتِئَتِ الْأَدْيَانُ الْحَقَّةُ تُحَذِّرُ النَّاسَ مِنْهُ وَتَعُدُّ الِاشْتِغَالَ بِهِ مُرُوقًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ تَأْثِيرِ الْآلِهَةِ وَالْجِنِّ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْآلِهَةِ فِي عَقَائِدِ الْأَقْدَمِينَ ، وَقَدْ حَذَّرَ
مُوسَى قَوْمَهُ مِنَ السِّحْرِ وَأَهْلِهِ فَفِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ الْإِصْحَاحِ 18 أَنَّ مِمَّا خَاطَبَ بِهِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ " مَتَى دَخَلْتَ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لَا تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ لَا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ وَلَا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلَا عَائِفٌ وَلَا مُتَفَائِلٌ وَلَا سَاحِرٌ وَلَا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً وَلَا مَنْ يَسْتَثِيرُ الْمَوْتَى " . وَجَعَلَتِ التَّوْرَاةُ جَزَاءَ السَّحَرَةِ الْقَتْلَ ، فَفِي سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ الْإِصْحَاحَيْنِ 20 - 27 " وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ " .
[ ص: 637 ] وَذَكَرُوا عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : الْأَسْمَاءُ الَّتِي يَكْتُبُهَا السَّحَرَةُ فِي التَّمَائِمِ أَسْمَاءُ أَصْنَامٍ .
وَقَدْ حَذَّرَ الْإِسْلَامُ مِنْ عَمَلِ السِّحْرِ وَذَمَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضِي إِثْبَاتِ حَقِيقَةٍ وُجُودِيَّةٍ لِلسِّحْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّهُ تَحْذِيرٌ مِنْ فَسَادِ الْعَقَائِدِ وَخَلْعِ قُيُودِ الدِّيَانَةِ وَمِنْ سَخِيفِ الْأَخْلَاقِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25591_25582إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَإِنْكَارِهَا وَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي الْأَحْوَالِ فِيمَا أَرَاهُ ، فَكُلُّ فَرِيقٍ نَظَرَ إِلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ مَا يُدْعَى بِالسِّحْرِ .
وَحَكَى
عِيَاضٌ فِي إِكْمَالِ الْعِلْمِ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ ذَهَبُوا إِلَى إِثْبَاتِ حَقِيقَتِهِ . قُلْتُ : وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ وَصْفُ كَيْفِيَّةِ السِّحْرِ الَّذِي أَثْبَتُوا حَقِيقَتَهُ فَإِنَّمَا أَثْبَتُوهُ عَلَى الْجُمْلَةِ . وَذَهَبَ عَامَّةُ
الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيهٌ وَتَخَيُّلٌ وَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْخِفَّةِ وَالشَّعْوَذَةِ وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا اقْتَضَتْهُ حِكَايَةُ
عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ ، قُلْتُ : وَمِمَّنْ سُمِّيَ مِنْهُمْ
أَبُو إِسْحَاقَ الِإسْتِرَابَادِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَذَافِرِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ تَدْخُلُ فِي عِقَابِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْقَاتِلِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ عَلَى الْأَمْوَالِ ، وَلَا تَدَخُلُ فِي أُصُولِ الدِّينِ . وَهُوَ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْمَلَاحِدَةُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إِنْكَارُهُ إِلْحَادًا . وَهَذِهِ الْآيَةُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ . وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ آنِفًا . وَشَدَّدَ الْفُقَهَاءُ الْعُقُوبَةَ فِي تَعَاطِيهِ . قَالَ
مَالِكٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=25585_25586يُقْتَلُ السَّاحِرُ وَلَا يُسْتَتَابُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يُقْتَلُ بَلْ يُؤَدَّبُ إِلَّا إِذَا أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ أَضْرَارًا عَلَى مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْعَهْدِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لِلْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى ، قَالَ
الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى : رَأَى
مَالِكٌ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَشِرْكٌ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَسْتَتِرُ صَاحِبُهُ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَالزَّنْدَقَةِ لِأَجْلِ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَإِبِطَانِ الْكُفْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ nindex.php?page=showalam&ids=12927وَابْنُ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغُ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إِنْ أَسَرَّ السِّحْرَ لَا يُسْتَتَابُ وَإِنْ أَظْهَرَهُ اسْتُتِيبَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ
مَالِكٍ لَا خِلَافٌ لَهُ قَالَ
الْبَاجِيُّ فَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنَ السِّحْرِ هُوَ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ
أَصْبَغُ يَكْشِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ .
وَفِي الْكَافِي
nindex.php?page=showalam&ids=13332لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=25584_25583عَمِلَ السِّحْرَ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَقَتَلَ بِهِ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا ، وَقَدْ أَدْخَلَ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ السِّحْرَ فِي بَابِ الْغِيلَةِ ، فَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ : وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْحُورَ لَا يَعْلَمُ بِعَمَلِ السِّحْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ ، قُلْتُ : لَا شَكَّ أَنَّ السِّحْرَ الَّذِي جُعِلَ جَزَاؤُهُ الْقَتْلُ هُوَ مَا كَانَ كُفْرًا صَرِيحًا مَعَ الِاسْتِتَارِ بِهِ أَوْ حَصَلَ بِهِ إِهْلَاكُ النُّفُوسِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاحِرَ كَانَ يَعِدُ مَنْ يَأْتِيهِ لِلسِّحْرِ بِأَنَّ فُلَانًا يَمُوتُ اللَّيْلَةَ أَوْ غَدًا أَوْ يُصِيبُهُ جُنُونٌ ثُمَّ يَتَحَيَّلُ فِي إِيصَالِ
[ ص: 638 ] سُمُومٍ خَفِيَّةٍ مِنَ الْعَقَاقِيرِ إِلَى الْمَسْحُورِ تُلْقَى لَهُ فِي الطَّعَامِ بِوَاسِطَةِ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْحُورِ فَيُصْبِحُ الْمَسْحُورُ مَيِّتًا أَوْ مُخْتَلَّ الْعَقْلِ فَهَذَا هُوَ مُرَادُ
مَالِكٍ بِأَنَّ جَزَاءَهُ الْقَتْلُ أَيْ إِنْ قَتَلَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ، وَبِدُونِ هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَصِحُّ فِقْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَوْلُ
مَالِكٍ فِي السِّحْرِ لَيْسَ اسْتِنَادًا لِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ فِي خُصُوصِ السِّحْرِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ تَحْقِيقِ الْمُنَاطِ بِتَطْبِيقِ قَوَاعِدِ التَّعْزِيرِ وَالْإِضْرَارِ ، وَلِبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِطْلِاقَاتٌ عَجِيبٌ صُدُورُهَا مِنْ أَمْثَالِهِمْ ، عَلَى أَنَّ السِّحْرَ أَكْثَرُ مَا يُتَطَلَّبُ لِأَجْلِ تَسْخِيرِ الْمُحِبِّينَ مَحْبِوبِيهِمْ ، فَهُوَ وَسِيلَةٌ فِي الْغَالِبِ لِلزِّنَا أَوْ لِلِانْتِقَامِ مِنَ الْمَحْبُوبِ أَوِ الزَّوْجِ .
سُئِلَ
مَالِكٌ عَمَّنْ يَعْقِدُ الرِّجَالَ عَنِ النِّسَاءِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ تُطْعِمُ رَجُلًا شَيْئًا فَيَذْهَبُ عَقْلُهُ فَقَالَ : لَا يُقْتَلَانِ ، فَأَمَّا الَّذِي يَعْقِدُ فَيُؤَدَّبُ ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَقَدْ أَتَتْ أَمْرًا عَظِيمًا قِيلَ أَفَتُقْتَلُ ؟ فَقَالَ : لَا ، قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ : رَأَى أَنَّ فِعْلَهَا لَيْسَ مِنَ السِّحْرِ اهـ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يُقْتَلُ الرَّجُلُ السَّاحِرُ وَلَا يُسْتَتَابُ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتْرُكَهُ فَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ ، وَوَجَّهَ
أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ جَمَعَ مَعَ كُفْرِهِ السَّعْيَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ . وَعَنِ
الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ بَلْ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدُّ مَا لَزِمَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا ، وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَفِيهِ إِهْلَاكُ النَّفْسِ فَفِيهِ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ، وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا تَابَ ، وَمَنْ قَالَ لَا تُقْبَلُ فَقَدْ خَلَطَ ، فَإِنَّ سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُمُ اهـ . وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ يُسْأَلُ السَّاحِرُ عَنْ سِحْرِهِ فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَجْوِيزُ تَغْيِيرِ الْأَشْكَالِ لِأَسْبَابِ قِرَاءَةِ تِلْكَ الْأَسَاطِيرِ أَوْ تَدْخِينِ الْأَدْوِيَةِ وَعُلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ مُحَرَّمًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِسَحْرِ إِنْسَانٍ وَأَنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا قُتِلَ قَوَدًا ، يَعْنِي إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِهِ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سِحْرِي قَدْ يَقْتُلُ وَقَدْ لَا يَقْتُلُ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ كَانَ سِحْرُهُ لِغَيْرِ الْقَتْلِ فَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ قَتْلٌ خَطَأٌ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ مُخَفَّفَةً فِي مَالِهِ .
وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَخْلَصَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ وَمِنْ مُفْتَرَقِ أَقْوَالِهِمْ مَا يَكُونُ فِيهِ بَصِيرَةٌ لِإِجْرَاءِ أَعْمَالِ مَا يُسَمَّى بِالسِّحْرِ وَصَاحِبُهُ بِالسَّاحِرِ مَجْرَى جِنَايَاتِ أَمْثَالِهِ وَمِقْدَارِ مَا أَثَّرَهُ مِنَ
[ ص: 639 ] الِاعْتِدَاءِ دُونَ مُبَالَغَةٍ وَلَا أَوْهَامٍ ، وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ السَّاحِرِ الْيَوْمَ عَلَى اللَّاعِبِ بِالشَّعْوَذَةِ فِي الْأَسْمَارِ ، وَذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ اللَّهْوِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ ذَلِكَ جِنَايَةً .