وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها القول في هذا الاستدلال ، وإدماج الامتنان فيه كالقول فيما سبق ، وتقدم الكلام على تسخير الفلك في البحر ، وتسخير الأنهار في أثناء سورة إبراهيم .
[ ص: 119 ] ومن تسخير البحر خلقه على هيئة يمكن معها السبح والسير بالفلك ، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان المخلوقة فيه والمسخرة لحيل الصائدين ، وزيد في الامتنان أن لحم صيده طري .
و ( من ) ابتدائية ، أي تأكلوا لحما طريا صادرا من البحر .
والطري : ضد اليابس ، والمصدر : الطراوة ، وفعله : طرو ، بوزن خشن .
والحلية : ما يتحلى به الناس ، أي يتزينون ، وتقدم في قوله تعالى ( ابتغاء حلية ) في سورة الرعد ، وذلك اللؤلؤ والمرجان ; فاللؤلؤ يوجد في بعض البحار مثل الخليج الفارسي ، والمرجان يوجد في جميع البحار ، ويكثر ويقل ، وسيأتي الكلام على اللؤلؤ في سورة الحج ، وفي سورة الرحمن ، ويأتي الكلام على المرجان في سورة الرحمن .
والاستخراج : كثرة الإخراج ، فالسين والتاء للتأكيد مثل : استجاب لمعنى أجاب .
واللبس : جعل الثوب والعمامة والمصوغ على الجسد ، يقال : لبس التاج ، ولبس الخاتم ، ولبس القميص ، وتقدم عند قوله تعالى قد أنزلنا عليكم لباسا في سورة الأعراف .
وإسناد لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور تغليب ، وإلا فإن غالب الحلية يلبسها النساء عدا الخواتيم وحلية السيوف .
وجملة وترى الفلك مواخر فيه معترضة بين الجمل المتعاطفة مع إمكان العطف ; لقصد مخالفة الأسلوب للتعجيب من تسخير السير في البحر باستحضار الحالة العجيبة بواسطة فعل الرؤية ، وهو يستعمل في التعجيب كثيرا بصيغ كثيرة نحو : ولو ترى ، وأرأيت ، وماذا ترى ، واجتلاب فعل الرؤية في أمثاله يفيد الحث على معرفة ذلك ، فهذا النظم للكلام ; لإفادة هذا المعنى ، ولولاها لكان الكلام هكذا : ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وتبتغوا من فضله في فلك مواخر ) .
[ ص: 120 ] وعطف ( ولتبتغوا ) على ( تستخرجوا ) ليكون من جملة النعم التي نشأت عن حكمة تسخير البحر ، ولم يجعل علة لمخر الفلك كما جعل في سورة فاطر وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ; لأن تلك لم تصدر بمنة تسخير البحر بل جاءت في غرض آخر .
وأعيد حرف التعليل في قوله تعالى ولتبتغوا من فضله ; لأجل البعد بسبب الجملة المعترضة .
والابتغاء من فضل الله : التجارة كما عبر عنها بذلك في قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في سورة البقرة .
وعطف ولعلكم تشكرون على بقية العلل ; لأنه من الحكم التي سخر الله بها البحر للناس حملا لهم على الاعتراف لله بالعبودية ، ونبذهم إشراك غير به فيها ، وهو تعريض بالذين أشركوا .