[ ص: 57 ] وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون
هذا من آثار فتق الأرض في حد ذاتها ، إذ أخرج الله منها الجبال وذلك فتق تكوين ، وجعل فيها الطرق أي الأرضين السهلة التي يتمكن الإنسان من المشي فيها عكس الجبال .
والرواسي : الجبال ؛ لأنها رست في الأرض ، أي رسخت فيها . والميد : الاضطراب ، وقد تقدم في أول سورة النحل .
وتقدم في أول سورة النحل أن معنى " أن تميد " أن لا تميد ، أو لكراهة أن تميد . والمعنى : وجعلنا في الأرض فجاجا . ولما كان " فجاجا " معناه واسعة كان في المعنى وصفا للسبيل ، فلما قدم على موصوفه انتصب على الحال . والمقصود إتمام المنة بتسخير سطح الأرض ليسلكوا منها طرقا واسعة ، ولو شاء لجعل مسالك ضيقة بين الجبال كأنها الأدوية .
والفجاج : جمع فج ، والفج : الطريق الواسع .
والسبل : جمع سبيل ، وهو الطريق مطلقا .
وجملة لعلهم يهتدون مستأنفة إنشاء رجاء اهتداء المشركين إلى وحدانية الله ، فإن هذه الدلائل مشاهدة لهم واضحة الدلالة . ويجوز أن يراد بالاهتداء في السير ، أي جعلنا سبلا واضحة غير محجوبة بالضيق إرادة اهتدائهم في سيرهم ، فتكون هذه منة أخرى وهو تدبير الله الأشياء على نحو ما يلائم الإنسان ويصلح أحواله .
فقوله تعالى : " لعلهم يهتدون " من الكلام الموجه .