( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ) .
تذييل ، فضمير الخطاب في قوله : ( بعضكم ) يعم جميع الناس بقرينة السياق ، وكلا البعضين مبهم يبينه المقام . وحال الفتنة في كلا البعضين مختلف ، فبعضها فتنة في العقيدة ، وبعضها فتنة في الأمن ، وبعضها فتنة في الأبدان .
والإخبار عنه بـ ( فتنة ) مجازي ؛ لأنه سبب الفتنة ، وشمل أحد البعضين النبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه ، والبعض الآخر المشركين ؛ فكان حال الرسول فتنة للمشركين ؛ إذ زعموا أن حاله مناف للرسالة فلم يؤمنوا به ، وكان حال المؤمنين في ضعفهم فتنة للمشركين ؛ إذ ترفعوا عن الإيمان الذي يسويهم بهم ، فقد كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأضرابهم يقولون : إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار بن ياسر وصهيب ، وبلال ترفعوا علينا إدلالا بالسابقة . وهذا كقول صناديد قوم نوح : لا نؤمن حتى تطرد الذين آمنوا بك ، فقال : ( وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ) .
وقال تعالى للنبيء صلى الله عليه وسلم : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) .
[ ص: 345 ] والكلام تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم عن إعراض بعض قومه عن الإسلام ، ولذلك عقب بقوله : ( أتصبرون ) ، وهو استفهام مستعمل في الحث والأمر كقوله ( فهل أنتم منتهون ) .
وموقع ( وكان ربك بصيرا ) موقع المأمور به ، أي هو عليم بالصابرين ، وإيذان بأن الله لا يضيع جزاء الرسول على ما يلاقيه من قومه وأنه ناصره عليهم . الحث على الصبر
وفي الإسناد إلى وصف الرب مضافا إلى ضمير النبيء إلماع إلى هذا الوعد فإن الرب لا يضيع أولياءه كقوله : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) أي النصر المحقق .