و ( احشروا ) أمر ، وهو يقتضي آمرا ، أي ناطقا به ، فهذا مقول لقول محذوف لظهور أنه لا يصلح للتعلق بشيء مما سبقه ، وحذف القول من حديث البحر ، وظاهر أنه أمر من قبل الله تعالى للملائكة الموكلين بالناس يوم الحساب .
والحشر : جمع المتفرقين إلى مكان واحد .
والذين ظلموا : المشركون إن الشرك لظلم عظيم .
والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم وهو تفسير مجاهد والحسن . وروي عن يرويه عن النعمان بن بشير وتأويله : أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإشراك ، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن ، وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى عمر بن الخطاب هم وأزواجهم في ظلال فإن المراد أزواجهم المؤمنات فأطلق حملا على المقيد في قوله ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .
وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن .
وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى في سورة البقرة .
[ ص: 102 ] وقيل : الأزواج : الأصناف ، أي : أشياعهم في الشرك وفروعه . قاله قتادة وهو رواية عن عمر بن الخطاب . وابن عباس
وعن الضحاك : الأزواج المقارنون لهم من الشياطين .
وضمير ( يعبدون ) عائد إلى ( الذين ظلموا وأزواجهم ) ، وماصدق ( ما ) غير العقلاء ، فأما العقلاء ولا تزر وازرة وزر أخرى .
والضمير المنصوب في ( فاهدوهم ) عائد إلى ( الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ) ، أي : الأصنام .
وعطف ( فاهدوهم ) بفاء التعقيب إشارة إلى سرعة الأمر بهم إلى النار عقب ذلك الحشر فالأمر بالأصالة في القرآن .
والهداية والهدي : الدلالة على الطريق لمن لا يعرفه ، فهي إرشاد إلى مرغوب ، وقد غلبت في ذلك ؛ لأن كون المهدي راغبا في معرفة الطريق من لوازم فعل الهداية ، ولذلك تقابل بالضلالة وهي الحيرة في الطريق ، فذكر ( اهدوهم ) هنا تهكم بالمشركين ، كقول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجلنا قـراكـم قبيل الصبح مرادة طحونا
والصراط : الطريق ، أي طريق جهنم .ومعنى ( وقفوهم ) أمر بإيقافهم في ابتداء السير بهم ، لما أفاده الأمر من الفور بقرينة فاء التعقيب التي عطفته ، أي احبسوهم عن السير قليلا ليسألوا سؤال تأييس وتحقير وتغليظ ، فيقال لهم ما لكم لا تناصرون ، أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا ، فيدفع عنه الشقاء الذي هو فيه ، وأين تناصركم الذي كنتم تتناصرون في الدنيا وتتألبون على الرسول وعلى المؤمنين .
فالاستفهام في ما لكم لا تناصرون مستعمل في التعجيز مع التنبيه على الخطأ الذي كانوا فيه في الحياة الدنيا .
وجملة ما لكم لا تناصرون مبينة لإبهام ( مسئولون ) وهو استفهام مستعمل في التعجيب للتذكير بما يسوءهم ، فظهر أن السؤال ليس على حقيقته [ ص: 103 ] وإنما أريد به لازمه وهو التعجيب ، والمعنى : أي شيء اختص بكم ، فـ ( ما ) الاستفهامية مبتدأ و " لكم " خبر عنه .
وجملة " لا تناصرون " حال من ضمير " لكم " وهي مناط الاستفهام ، أي أن هذه الحالة تستوجب التعجب من عدم تناصركم .
وقرأ الجمهور " لا تناصرون " بتخفيف المثناة الفوقية على أنه من حذف إحدى التاءين . وقرأه البزي عن ابن كثير وأبو جعفر بتشديد المثناة على إدغام إحدى التاءين في الأخرى .
والإضراب المستفاد من ( بل ) إضراب لإبطال إمكانية التناصر بينهم ، وليس ذلك مما يتوهمه السمع ، فلذلك كان الإضراب تأكيدا لما دل عليه الاستفهام من التعجيز .
والاستسلام : الإسلام القوي ، أي : إسلام النفس وترك المدافعة فهو مبالغة في أسلم .
وذكر " اليوم " لإظهار النكاية بهم ، أي زال عنهم ما كان لهم من تناصر وتطاول على المسلمين قبل اليوم ، أي في الدنيا إذ كانوا يقولون : نحن جميع منتصر ، وقد قالها أبو جهل يوم بدر ، أي نحن جماعة لا تغلب ، فكان لذكر اليوم وقع بديع في هذا المقام .