لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون     . 
مناسبة اتصال هذا الكلام بما قبله أن أهم ما جادلوا فيه من آيات الله هي الآيات المثبتة للبعث  وجدالهم في إثبات البعث هو أكبر شبهة لهم ضللت أنفسهم   [ ص: 176 ] وروجوها في عامتهم فقالوا " أئذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد    " . فكانوا يسخرون من النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأجل ذلك وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد  أفترى على الله كذبا أم به جنة  ، ولما كانوا مقرين بأن الله هو خالق السماوات والأرض أقيمت عليهم الحجة على إثبات البعث بأن بعث الأموات لا يبلغ أمره خلق السماوات والأرض بالنسبة إلى قدرة الله تعالى    . 
والكلام مؤذن بقسم مقدر لأن اللام لام جواب القسم ، والمقصود : تأكيد الخبر . 
ومعنى أكبر أنه أعظم وأهم وأكثر متعلقات قدرة بالقادر عليه لا يعجز عن خلق ناس يبعثهم للحساب . 
فالمراد بالناس في قوله من خلق الناس الذين يعيد الله خلقتهم كما بدأهم أول مرة ويودع فيهم أرواحهم كما أودعها فيهم أول مرة . والخبر مستعمل في غير معناه لأن كون خلقها أكبر هو أمر معلوم وإنما أريد التذكير والتنبيه عليه لعدم جريهم على موجب علمهم به . 
وموقع الاستدراك في قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون  ما اقتضاه التوكيد بالقسم من اتضاح أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . 
فالمعنى : أن حجة إمكان البعث واضحة ولكن الذين ينكرونها لا يعلمون ، أي لا يعلمون الدليل لأنهم متلاهون عن النظر في الأدلة مقتنعون ببادئ الخواطر التي تبدو لهم فيتخذونها عقيدة دون بحث عن معارضها ، فلما جروا على حالة انتقاء العلم نزلوا منزلة من لا علم لهم فلذلك نزل فعل يعلمون منزلة اللازم ولم يذكر له مفعول . 
فالمراد ب أكثر الناس هم الذين يجادلون في آيات البعث وهم المشركون ، وأما الذين علموا ذلك فهم المؤمنون وهم أقل منهم عددا . 
وإظهار لفظ الناس في قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون مع أن   [ ص: 177 ] مقتضى الظاهر الإضمار ، لتكون الجملة مستقلة بالدلالة فتصلح لأن تسير مسير الأمثال ، فالمعنى أنهم أنكروا البعث لاستبعادهم خلق الأجسام مع أن في خلق السماوات والأرض ما لا يبقى معه استبعاد مثل ذلك .
				
						
						
