وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين جملة معترضة في حكاية أحوال المجرمين قصد منها نفي استعظام ما جوزوا به من الخلود في العذاب ونفي الرقة لحالهم المحكية بقوله وهم فيه مبلسون .
والظلم هنا : الاعتداء ، وهو الإصابة بضر بغير موجب مشروع أو معقول ، فنفيه عن الله في معاملته إياهم بتلك المعاملة لأنها كانت جزاء على ظلمهم ؛ فلذلك عقب بقوله ولكن كانوا هم الظالمين أي المعتدين إذ اعتدوا على ما أمر الله من الاعتراف له بالإلهية ، وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كذبوه ولمزوه ، كما تقدم في قوله إن الشرك لظلم عظيم في سورة لقمان .
و " هم " ضمير منفصل لا يطلب معادا ؛ لأنه لم يجتلب للدلالة على معاد لوجود ضمير " كانوا " دالا على المعاد فضمير الفصل مجتلب لإفادة قصر صفة الظلم على اسم ( كان ) ، وإذ قد كان حرف الاستدراك بعد النفي كافيا في إفادة [ ص: 259 ] القصر كان اجتلاب ضمير الفصل تأكيدا للقصر بإعادة صيغة أخرى من صيغ القصر .
وجمهور العرب يجعلون ضمير الفصل في الكلام غير واقع في موقع إعراب فهو بمنزلة الحرف ، وهو عند جمهور النحاة حرف لا محل له من الإعراب ويسميه نحاة البصرة فصلا ، ويسميه نحاة الكوفة عمادا .
واتفق القراء على نصب الظالمين على أنه خبر كانوا وبنو تميم يجعلونه ضميرا طالبا معادا وصدرا لجملته مبتدأ ويجعلون جملته في محل الإعراب الذي يقتضيه ما قبله ، وعلى ذلك قرأ عبد الله بن مسعود " وأبو زيد النحوي ولكن كانوا هم الظالمون " على أن " هم " مبتدأ والجملة منه ومن خبره خبر " كانوا " .
وحكى أن سيبويه كان يقول أظن زيدا هو خير منك برفع " خير " . رؤبة بن العجاج