nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29036_30455قد جعل الله لكل شيء قدرا .
لهذه الجملة موقع تتجلى فيه صورة من
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899صور إعجاز القرآن في ترتيب مواقع الجمل بعضها بعد بعض كما نبهت عليه في مواقع سلفت . فهذه الجملة لها موقع الاستئناف البياني ناشئ عما اشتملت عليه جمل (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) ، إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3إن الله بالغ أمره ) لأن استعداد السامعين لليقين بما تضمنته تلك الجمل متفاوت فقد يستبعد بعض السامعين تحقق الوعد لأمثاله بما تضمنته تلك الجمل بعرضها على ارتباك أحواله ، أو يتردد يقينه فيقول : أين أنا من تحصيل هذا ، حين يتبع نظره فيرى بونا عن حصول الموعود بسبب انعدام وسائله لديه فيتملكه اليأس .
[ ص: 314 ] فهذا الاستئناف البياني وقع عقب الوعد تذكيرا بأن الله علم مواعيده وهيأ لها مقادير حصولها لأنه جعل لكل شيء قدرا .
ولها موقع التعليل لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وأحصوا العدة ) فإن العدة من الأشياء فلما أمر الله بإحصاء أمرها علل ذلك بأن تقدير مدة العدة جعله الله ، فلا يسوغ التهاون فيه .
ولها موقع التذييل لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، أي الذي وضع تلك الحدود قد جعل لكل شيء قدرا لا يعدوه كما جعل الحدود .
ولها موقع التعليل لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ) ، لأن المعنى إذا بلغن القدر الذي جعله الله لمدة العدة فقد حصل المقصد الشرعي الذي أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فالمعنى : فإن لم يحدث الله أمر المراجعة فقد رفق بكم وحط عنكم امتداد العدة .
ولها موقع التعليل لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأقيموا الشهادة لله ) فإن الله جعل الشهادة قدرا لرفع النزاع .
فهذه الجملة جزء آية وهي تحتوي على حقائق من الحكمة .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3لكل شيء ) لكل موجود ، أي لكل حادث فالشيء الموجود سواء كان ذاتا أو معنى من المعاني قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=52وكل شيء فعلوه في الزبر . فعموم قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3لكل شيء ) صريح في أن ما وعد الله به يجعل له حين تكوينه قدرا .
قال
الراغب في مفرداته : وذلك أن فعل الله ضربان : ضرب أوجده بالفعل ، ومعنى إيجاده بالفعل أنه أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يغنيه أو يبدله كالسماوات وما فيها . ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالصلاحية وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون أن ينبت منها تفاح أو زيتون . وتقديره نطفة الإنسان لأن يكون منها إنسان دون حيوان آخر . فتقدير الله على وجهين : أحدهما بالحكم
[ ص: 315 ] منه أن تكون كذا أو لا يكون كذا : إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان . وعلى ذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قد جعل الله لكل شيء قدرا . والثاني بإعطاء القدرة عليه ، وعلى ذلك قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فقدرنا فنعم القادرون ) أو يكون من قبيل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قد جعل الله لكل شيء قدرا اهـ .
والقدر : مصدر ( قدره ) المتعدي إلى مفعول بتخفيف الدال الذي معناه وضع فيه بمقدار كمية ذاتية أو معنوية تجعل على حسب ما يتحمله المفعول . فقدر كل مفعول لفعل قدر ما تتحمله طاقته واستطاعته من أعمال ، أو تتحمله مساحته من أشياء أو يتحمله وعيه لما يكد به ذهنه من مدارك وأفهام . ومن فروع هذا المعنى ما في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) في سورة البقرة . وقوله هنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) .
ومن جزئيات معنى القدر ما يسمى التقدير : مصدر ( قدر ) المضاعف إذا جعل شيئا أو أشياء على مقدار معين مناسب لما جعل لأجله كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=11وقدر في السرد ) في سورة سبأ .
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29036_30455قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعٌ تَتَجَلَّى فِيهِ صُورَةٌ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899صُوَرِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ فِي تَرْتِيبِ مَوَاقِعِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا بَعْدَ بَعْضٍ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مَوَاقِعَ سَلَفَتْ . فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَهَا مَوْقِعُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ نَاشِئِ عَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ جُمَلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) ، إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) لِأَنَّ اسْتِعْدَادَ السَّامِعِينَ لِلْيَقِينِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ تِلْكَ الْجُمَلُ مُتَفَاوِتٌ فَقَدْ يَسْتَبْعِدُ بَعْضُ السَّامِعِينَ تَحَقَّقَ الْوَعْدِ لِأَمْثَالِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ تِلْكَ الْجُمَلُ بِعَرْضِهَا عَلَى ارْتِبَاكِ أَحْوَالِهِ ، أَوْ يَتَرَدَّدُ يَقِينُهُ فَيَقُولُ : أَيْنَ أَنَا مِنْ تَحْصِيلِ هَذَا ، حِينَ يُتْبِعُ نَظَرَهُ فَيَرَى بَوْنًا عَنْ حُصُولِ الْمَوْعُودِ بِسَبَبِ انْعِدَامِ وَسَائِلِهِ لَدَيْهِ فَيَتَمَلَّكُهُ الْيَأْسُ .
[ ص: 314 ] فَهَذَا الِاسْتِئْنَافُ الْبَيَانِيُّ وَقَعَ عَقِبَ الْوَعْدِ تَذْكِيرًا بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَوَاعِيدَهُ وَهَيَّأَ لَهَا مَقَادِيرَ حُصُولِهَا لِأَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
وَلَهَا مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) فَإِنَّ الْعِدَّةَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِإِحْصَاءِ أَمْرِهَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ تَقْدِيرَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ جَعَلَهُ اللَّهُ ، فَلَا يُسَوَّغُ التَّهَاوُنَ فِيهِ .
وَلَهَا مَوْقِعُ التَّذْيِيلِ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ، أَيِ الَّذِي وَضَعَ تِلْكَ الْحُدُودَ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا لَا يَعْدُوهُ كَمَا جَعَلَ الْحُدُودَ .
وَلَهَا مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) ، لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا بَلَغْنَ الْقَدْرَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِمُدَّةِ الْعِدَّةِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَالْمَعْنَى : فَإِنَّ لَمْ يُحْدِثِ اللَّهُ أَمْرَ الْمُرَاجَعَةِ فَقَدْ رَفُقَ بِكُمْ وَحَطَّ عَنْكُمُ امْتِدَادَ الْعِدَّةِ .
وَلَهَا مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الشَّهَادَةَ قَدْرًا لِرَفْعِ النِّزَاعِ .
فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جُزْءُ آيَةٍ وَهِيَ تَحْتَوِي عَلَى حَقَائِقَ مِنَ الْحِكْمَةِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3لِكُلِّ شَيْءٍ ) لِكُلِّ مَوْجُودٍ ، أَيْ لِكُلِّ حَادِثٍ فَالشَّيْءُ الْمَوْجُودُ سَوَاءً كَانَ ذَاتًا أَوْ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=52وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ . فَعُمُومُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3لِكُلِّ شَيْءٍ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ يَجْعَلُ لَهُ حِينَ تَكْوِينِهِ قَدْرًا .
قَالَ
الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِهِ : وَذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ أَوْجَدَهُ بِالْفِعْلِ ، وَمَعْنَى إِيجَادِهِ بِالْفِعْلِ أَنَّهُ أَبْدَعَهُ كَامِلًا دَفْعَةً لَا تَعْتَرِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ إِلَى أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُغْنِيَهُ أَوْ يُبَدِّلَهُ كَالسَّمَاوَاتِ وَمَا فِيهَا . وَمِنْهَا مَا جَعَلَ أُصُولَهُ مَوْجُودَةً بِالْفِعْلِ وَأَجْزَاءَهُ بِالصَّلَاحِيَّةِ وَقَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُ مَا قَدَّرَهُ فِيهِ كَتَقْدِيرِهِ فِي النَّوَاةِ أَنْ يَنْبُتَ مِنْهَا النَّخْلُ دُونَ أَنْ يَنْبُتَ مِنْهَا تُفَّاحٌ أَوْ زَيْتُونٌ . وَتَقْدِيرِهِ نُطْفَةَ الْإِنْسَانِ لِأَنْ يَكُونَ مِنْهَا إِنْسَانٌ دُونَ حَيَوَانٍ آخَرَ . فَتَقْدِيرُ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا بِالْحُكْمِ
[ ص: 315 ] مِنْهُ أَنْ تَكُونَ كَذَا أَوْ لَا يَكُونَ كَذَا : إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِمْكَانِ . وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . وَالثَّانِي بِإِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) أَوْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا اهـ .
وَالْقَدْرُ : مُصْدَرُ ( قَدَرَهُ ) الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ الَّذِي مَعْنَاهُ وَضَعَ فِيهِ بِمِقْدَارٍ كِمِّيَّةً ذَاتِيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً تُجْعَلُ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْمَفْعُولُ . فَقَدْرُ كُلِّ مَفْعُولٍ لِفِعْلٍ قَدْرُ مَا تَتَحَمَّلُهُ طَاقَتُهُ وَاسْتِطَاعَتُهُ مِنْ أَعْمَالٍ ، أَوْ تَتَحَمَّلُهُ مِسَاحَتُهُ مِنْ أَشْيَاءَ أَوْ يَتَحَمَّلُهُ وَعْيُهُ لِمَا يَكِدُّ بِهِ ذِهْنُهُ مِنْ مَدَارِكَ وَأَفْهَامٍ . وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْمَعْنَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَقَوْلِهِ هُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) .
وَمِنْ جُزْئِيَّاتِ مَعْنَى الْقَدْرِ مَا يُسَمَّى التَّقْدِيرُ : مَصْدَرُ ( قَدَّرَ ) الْمُضَاعَفِ إِذَا جَعَلَ شَيْئًا أَوْ أَشْيَاءَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مُنَاسِبٍ لِمَا جُعِلَ لِأَجْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=11وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) فِي سُورَةِ سَبَأٍ .