[ ص: 627 ] ومن شر غاسق إذا وقب
عطف أشياء خاصة هي مما شمله عموم من شر ما خلق ، وهي ثلاثة أنواع من أنواع الشرور : أحدهما : وقت يغلب وقوع الشر فيه وهو الليل .
والثاني : صنف من الناس أقيمت صناعتهم على إرادة الشر بالغير .
والثالث : صنف من الناس ذو خلق من شأنه أن يبعث على إلحاق الأذى بمن تعلق به .
وأعيدت كلمة من شر بعد حرف العطف في هذه الجملة ، وفي الجملتين المعطوفتين عليها مع أن حرف العطف مغن عن إعادة العامل قصدا لتأكيد الدعاء تعرضا للإجابة ، وهذا من الابتهال فيناسبه الإطناب .
والغاسق : وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، يقال : غسق الليل يغسق ، إذا أظلم ، قال تعالى : إلى غسق الليل . فالغاسق صفة لموصوف محذوف لظهوره من معنى وصفه مثل الجواري في قوله تعالى : ومن آياته الجواري في البحر وتنكير غاسق للجنس ; لأن المراد جنس الليل .
وتنكير ( غاسق ) في مقام الدعاء يراد به العموم ; لأن مقام الدعاء يناسب التعميم . ومنه قول الحريري في المقامة الخامسة : " يا أهل ذا المعنى وقيتم ضرا " أي : وقيتم كل ضر .
وإضافة الشر إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى : بل مكر الليل والنهار .
والليل : تكثر فيه حوادث السوء من اللصوص والسباع والهوام كما تقدم آنفا .
وتقييد ذلك بظرف إذا وقب أي : إذا اشتدت ظلمته ; لأن ذلك وقت يتحينه الشطار وأصحاب الدعارة والعيث ، لتحقق غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه ، يقال : أغدر الليل ; لأنه إذا اشتد ظلامه كثر الغدر فيه ، فعبر عن ذلك بأنه أغدر ، أي : صار ذا غدر على طريق المجاز العقلي .
[ ص: 628 ] ومعنى ( وقب ) دخل وتغلغل في الشيء ، ومنه الوقبة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء ، ووقبت الشمس غابت ، خص بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعا لحصول المكروه .