( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) العامل في إذ : ( زين ) ، أو ( نكص ) ، أو ( سميع عليم ) ، أو اذكروا : أقوال ، وظاهر العطف التغاير . فقيل : المنافقون هم من الأوس والخزرج ، لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال بعضهم : نخرج معه ، وقال بعضهم : لا نخرج غر هؤلاء - أي : المؤمنين - دينهم ، فإنهم يزعمون أنهم على حق ، وأنهم لا يغلبون ، هذا معنى قول : والذين في قلوبهم مرض قوم أسلموا ، ومنهم أقرباؤهم من الهجرة ، فأخرجتهم ابن عباس قريش معها كرها ، فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وقالوا : غر هؤلاء دينهم ، فقتلوا جميعا : منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود ، وعلي بن أمية ، والعاصي بن منبه بن الحجاج ، ولم يذكر أن منافقا شهد بدرا مع المسلمين إلا معتب بن قشير ، فإنه ظهر منه يوم أحد قوله : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ; وقيل : ( والذين في قلوبهم مرض ) هو من عطف الصفات ، وهي لموصوف واحد وصفوا بالنفاق ، وهو إظهار ما يخفيه من المرض ، كما قال تعالى : ( في قلوبهم مرض ) وهم منافقو المدينة ، وعن الحسن : هم المشركون ، ويبعد هذا ; إذ لا يتصف المشركون بالنفاق ; لأنهم مجاهرون [ ص: 506 ] بالعداوة لا منافقون ، وقال ابن عطية : قال المفسرون : إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار ، لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلة عددهم قالوا مشيرين إلى المسلمين : غر هؤلاء دينهم ، أي : اغتروا فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به ، وكنى بالقلوب عن العقائد ، والمرض أعم من النفاق ; إذ يطلق مرض القلب على الكفر .
( ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ) هذا يتضمن الرد على من قال : غر هؤلاء دينهم ، فكأنه قيل : هؤلاء في لقاء عدوهم هم متوكلون على الله فهم الغالبون ، ومن يتوكل على الله ينصره ويعزه ، فإن الله عزيز لا يغالب بقوة ولا بكثرة ، حكيم يضع الأشياء مواضعها ، أو حاكم بنصره من يتوكل عليه فيديل القليل على الكثير .