وقرأ ، ابن عباس وأبو العالية ، والضحاك ، وابن محيصن ، ومحبوب عن أبي عمرو ، وعبد الله بن قسيط المكي ، ويعقوب من بعض طرقه : ( من أنفسكم ) بفتح الفاء . ورويت هذه القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن فاطمة ، وعائشة رضي الله عنهما ، والمعنى : من أشرفكم وأعزكم ، وذلك من النفاسة ، وهو راجع لمعنى النفس ، فإنها أعز الأشياء . والظاهر أن " ما " مصدرية في موضع الفاعل بـ ( عزيز ) ، أي : يعز عليه مشقتكم ، كما قال :
يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا
أي : يسر المرء ذهاب الليالي . ويجوز أن يكون ( ما عنتم ) مبتدأ ، أي : عنتكم عزيز عليه ، وقدم خبره ، والأول أعرب . وأجاز الحوفي أن يكون ( عزيز ) مبتدأ ، و ( ما عنتم ) الخبر ، وأن تكون " ما " بمعنى الذي ، وأن تكون مصدرية ، وهو إعراب دون الإعرابين السابقين . وقال ابن القشيري : ( عزيز ) صفة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما وصف بالعزة لتوسطه في قومه وعراقة نسبه وطيب جرثومته ، ثم استأنف فقال : ( عليه ما عنتم ) ، أي : يهمه أمركم . انتهى . والعنت : تقدم شرحه في البقرة في قوله : ( لأعنتكم ) . وقال : هنا مشقتكم . وقال ابن عباس الضحاك : إثمكم . وقال : ضلالكم . وقال سعيد بن أبي عروبة العتبي : ما ضركم . وقال : ما أهلككم . وقيل : ما غمكم . والأولى أن يضمر في ( ابن الأنباري عليكم ) ، أي : على هداكم وإيمانكم كقوله : ( إن تحرص على هداهم ) وقوله : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) . وقيل : حريص على إيصال الخيرات لكم في الدنيا والآخرة . وقال الفراء : الحريص هو الشحيح ، والمعنى : أنه شحيح عليكم [ ص: 119 ] أن تدخلوا النار . وقيل : حريص على دخولكم الجنة . وإنما احتيج إلى الإضمار ؛ لأن الحرص لا يتعلق بالذوات . ويحتمل ( بالمؤمنين ) أن يتعلق بـ ( رءوف ) ، ويحتمل أن يتعلق بـ ( رحيم ) ، فيكون من باب التنازع . وفي جواز تقدم معمول المتنازعين نظر ، فالأكثرون لا يذكرون فيه تقدمة عليهما ، وأجاز بعض النحويين التقديم ، فتقول : زيدا ضربت وشتمت على التنازع ، والظاهر تعلق الصفتين بجميع المؤمنين . وقال قوم : بالتوزيع ، رءوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين . وقيل : رءوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره . وقيل : رءوف بأقربائه ، رحيم بغيرهم . وقال الحسن بن الفضل : لم يجمع الله لنبي بين اسمين من أسمائه إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال : ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) ، وقال تعالى : ( إن الله بالناس لرءوف رحيم ) .