( وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) الظاهر أن كلا مفعول به ، والعامل فيه نقص ، والتنوين عوض من المحذوف ، والتقدير : وكل نبأ نقص عليك . و ( من أنباء الرسل ) : في موضع الصفة لقوله : ( وكلا ) ، إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة ، وما صلة كما هي في قوله : ( قليلا ما تذكرون ) قيل : أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما نثبت ، فتكون ما بمعنى : الذي ، أو مصدرية . وأجازوا أن ينتصب كلا على المصدر ، وما نثبت : مفعول به بقولك : نقص ، كأنه قيل : ونقص عليك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص . وأجازوا أن يكون ( كلا ) نكرة بمعنى : جميعا ، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما ، أو من المجرور الذي هو الضمير في به ، على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور بالحرف عليه ، التقدير : ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء التي نثبت بها فؤادك جميعا ، أي : المثبتة فؤادك جميعا . قال : نثبت : نسكن ، وقال ابن عباس الضحاك : نشد ، وقال : نقوي . وتثبيت الفؤاد : هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولأتباعهم المؤمنين ، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى ، ففي هذا كله أسوة بهم ، إذ المشاركة في الأمور الصعبة تهون ما يلقى الإنسان من الأذى ، ثم الإعلام بما جرى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب ، من غرق وريح ورجفة وخسف ، وغير ذلك فيه طمأنينة للنفس وتأنيس ، بأن يصيب الله من كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب ، كما جرى لمكذبي الرسل ، وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له ولأتباعه ، كما اتفق للرسل وأتباعهم . والإشارة بقوله : ( في هذه ) : إلى أنباء الرسل التي قصها الله تعالى عليه ، أي : النبأ الصدق الحق الذي هو مطابق بما جرى ليس فيه تغيير ولا تحريف ، كما ينقل شيئا من ذلك المؤرخون . و ( موعظة ) أي : اتعاظ وازدجار لسامعه ، وذكرى لمن آمن ، إذ الموعظة والذكرى لا ينتفع بها إلا المؤمن كقوله ( ابن جريج وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقوله : ( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى ) وقال : الإشارة إلى السورة والآيات التي فيها تذكر قصص الأمم ، وهذا قول الجمهور . ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها بالحق والقرآن كله حق ، أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر ، أي : جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة . وهذا كما يقال عند الشدائد : جاء الحق ، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه ، ولا تستعمل في ذلك جاء الحق . وقال ابن عباس الحسن وقتادة : الإشارة إلى دار الدنيا . قال قتادة : والحق : النبوة . وقيل : إشارة إلى السورة مع نظائرها . ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ) : ( اعملوا ) : صيغة أمر ومعناه : التهديد والوعيد ، والخطاب لأهل مكة وغيرها .
على مكانتكم : أي : جهتكم وحالكم التي أنتم عليها . وقيل : اعملوا في هلاكي على إمكانكم . [ ص: 275 ] وانتظروا بنا الدوائر ، إنا منتظرون أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله من النقم النازلة بأشباهكم ، ويشبه أن يكون إيتاء موادعة ، فلذلك قيل : إنهما منسوختان ، وقيل : محكمتان ، وهما للتهديد والوعيد ، والحرب قائمة .