أما قوله : يرده لسان العرب فليس كما ذكر ، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب قال الله تعالى : ( إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) فقوله : ( إن كادت لتبدي به ) إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل ، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب ، والتقدير : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به ، وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا ، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة ، والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ؛ لأنهم قدروا جواب " لولا " محذوفا ، ولا يدل عليه دليل ؛ لأنهم لم يقدروا لهم بها ، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ، لأن ما قبل الشرط دليل عليه ، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه ، وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره ، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة وبراءة يوسف - عليه السلام - من كل ما يشين ، ومن أراد أن يقف على ما نقل عن المفسرين في هذه الآية فليطالع ذلك في تفسير الزمخشري وابن عطية وغيرهما .
والبرهان الذي رآه يوسف هو ما آتاه الله تعالى من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله ، والله لا يمكن الهم به فضلا عن الوقوع فيه ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) قال : الكاف منصوب المحل ؛ أي : مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو مرفوعة ؛ أي : الأمر مثل ذلك . وقال الزمخشري ابن عطية : والكاف من قوله : ( كذلك ) متعلقة بمضمر تقديره : جرت أفعالنا وأقدارنا كذلك لنصرف ، ويصح أن تكون الكاف في موضع رفع بتقدير عصمته ، كذلك لنصرف ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : همت به وهم بها كذلك ، ثم قال : لولا أن رأى برهان ربه ، لنصرف عنه ما هم به ، انتهى . وقال الحوفي : كذلك الكاف للتشبيه في موضع نصب ؛ أي : أريناه البراهين كذلك ، وقيل : في موضع رفع ؛ أي : أمر البراهين كذلك ، والنصب [ ص: 296 ] أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها ، وقال أبو البقاء : ( كذلك ) في موضع رفع ؛ أي : الأمر كذلك . وقيل : في موضع نصب ؛ أي : نراعيه كذلك ، انتهى . وأقول : إن التقدير مثل تلك الرؤية ، أو مثل ذلك الرأي ، نري براهيننا لنصرف عنه ، فتجعل الإشارة إلى الرأي أو الرؤية ، والناصب للكاف ما دل عليه قوله : ( لولا أن رأى برهان ربه ) . و ( لنصرف ) متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف ، ومصدر رأى : رؤية ورأي قال :
ورأي عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا
وقرأ : ( ليصرف ) بياء الغيبة عائدا على ربه ، وقرأ العربيان الأعمش وابن كثير : ( المخلصين ) إذا كان فيه إلى حيث وقع بكسر اللام ، وباقي السبعة بفتحها ، وفي صرف السوء والفحشاء عنه وكونه من المخلصين دليل على عصمته .25 : 29