(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=29الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=32ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=34لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=36والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=37وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=38ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
[ ص: 384 ] القارعة : الرزية التي تقرع قلب صاحبها ؛ أي : تضربه بشدة كالقتل والأسر والنهب وكشف الحريم . وقال الشاعر :
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
أي : ضربنا بقوة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : القارعة في اللغة النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم . المحو الإزالة محوت الخط أذهبت أثره ومحا المطر رسم الدار أذهبه وأزاله ويقال في مضارعه يمحو ويمحي لأن عينه حرف حلق والإثبات ضد المحو .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28984أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم ) في
حمزة وأبي جهل . وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وأبي جهل . وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر وأبي جهل . قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : ( أو من ) بالواو بدل الفاء ، إنما ( أنزل ) مبنيا للفاعل . ولما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر ، وذكر ما للمؤمن من الثواب ، وما للكافر من العقاب ، ذكر استبعاد من يجعلها سواء ، وأنكر ذلك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) أي : ليسا مشتبهين ؛ لأن العالم بالشيء بصير به ، والجاهل به كالأعمى ، والمراد أعمى البصيرة ولذلك قابله بالعلم . والهمزة للاستفهام ، المراد به : إنكار أن تقع شبهة بعدما ضرب من المثل في أن حال من علم إنما أنزل إليك من ربك الحق فاستجاب ، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب ، كبعد ما بين الزبد والماء ، والخبث والإبريز . ثم ذكر أنه لا يتذكر بالموعظة وضرب الأمثال إلا أصحاب العقول . والفاء للعطف ، وقدمت همزة الاستفهام ؛ لأنه صدر الكلام ، والتقدير : فأمن يعلم ، ويبعدها أن يكون فعل محذوف بين الهمزة والفاء ، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك الفعل
[ ص: 385 ] كما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أفلم يسيروا ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68أفلا يعقلون ) وجوزوا في ( الذين ) أن يكون بدلا من ( أولو ) ، أو صفة له ، وصفة لمن من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم ) ، ( وإنما يتذكر ) اعتراض ، ومبتدأ خبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أولئك لهم عقبى الدار ) ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أولئك لهم اللعنة ) والظاهر عموم العهد . وقيل : هو خاص ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ما عهد إليهم في القرآن . وقال
قتادة : في الأول ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى ) وقال
القفال : ما في حيلتهم وعقولهم من دلائل التوحيد والنبوات . وقيل : في الكتب المتقدمة والقرآن . وقيل : المأخوذ على ألسنة الرسل . وقيل : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والظاهر إضافة العهد إلى الفاعل أي : بما عهد الله . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20ولا ينقضون الميثاق ) جملة توكيدية لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20يوفون بعهد الله ) لأن العهد هو الميثاق ، ويلزم من إيفاء العهد انتفاء نقيضه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . ولا ينقضون الميثاق ، ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله تعالى ، وغيره من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد تعميم بعد تخصيص ، انتهى . فأضاف العهد إلى المفعول ، وغاير بين الجملتين بكون الثانية تعميما بعد تخصيص ، انتهى . إذ أخذ الميثاق عام بينهم وبين الله وبين العباد . وقال
ابن عطية : " بعهد الله " اسم الجنس أي : بجميع عهود الله ، وبين أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده . ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض ، وتجنب جميع المعاصي . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20ولا ينقضون الميثاق ) أي : إذا اعتقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه . قال
قتادة : وتقدم وعيد الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية ، ويحتمل أنه يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه تعالى على ظهر أبيهم
آدم - عليه السلام - انتهى .
وقال
ابن العربي : من أعظم المواثيق في الذكر أن لا يسأل سواه ، وذكر قصة أبي
حمزة الخراساني ووقوعه في البئر ، ومرور الناس عليه ، وتغطيتهم البئر وهو لا يسألهم أن يخرجوه ، إلى أن جاء من أخرجه بغير سؤال ، ولم ير من أخرجه ، وهتف به هاتف : كيف رأيت ثمرة التوكل ؟ قال
ابن العربي : هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام ، فاقتدوا به . وقد أنكر
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي فعل
أبي حمزة هذا وبين خطأه ، وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال . وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وغيره قالوا : إن إنسانا لو جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار . ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف
بأبي حمزة الجاهل .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21ما أمر الله به أن يوصل ) ظاهره العموم في كل ما أمر به في كتابه وعلى لسان نبيه . وقال
الحسن : المراد به صلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان به ، وقال نحوه
ابن جبير . وقال
قتادة : الرحم . وقيل : صلة الإيمان بالعمل . وقيل : صلة قرابة الإسلام بإفشاء السلام ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، ومراعاة حق الجيران والرفقاء والأصحاب والخدم . وقيل : نصرة المؤمنين . و ( أمر ) يتعدى إلى اثنين بحرف جر وهو ( به ) والأول محذوف تقديره : ما أمرهم الله به . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21أن يوصل ) في موضع جر بدل من الضمير أي : بوصله . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=49يخشون ربهم ) أي : وعيده كله . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21يخافون سوء الحساب ) أي : استقصاء فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=49يخشون ربهم ) : يعظمونه . وقيل : في قطع الرحم . وقيل : في جميع المعاصي . وقيل : فيما أمرهم بوصله . و ( صبروا ) مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ، وميثاق التكليف . وجاءت الصلة هنا بلفظ الماضي ، وفي الموصلين قبل بلفظ المضارع في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الذين يوفون ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21والذين يصلون ) و ( ما ) عطف عليهما على سبيل التفنن في الفصاحة ، لأن المبتدأ هنا في معنى اسم الشرط بالماضي كالمضارع في اسم الشرط ، فكذلك فيما أشبهه ، ولذلك قال النحويون : إذا وقع الماضي صلة أو صفة لنكرة عامة
[ ص: 386 ] احتمل أن يراد به المضي ، وأن يراد به الاستقبال . فمن المراد به المضي في الصلة (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس ) ومن المراد به الاستقبال (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) ويظهر أيضا أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع ، أن تينك الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائما ، وهذه الصلة قصد بها تقدمها على تينك الصلتين ، و ( ما ) عطف عليهما ، لأن حصول تلك الصلات إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها ، ولذلك لم تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي ، إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها ، والله أعلم . وانتصب ( ابتغاء ) قيل : على أنه مصدر في موضع الحال ، والأولى أن يكون مفعولا لأجله أي : إن صبرهم هو لابتغاء وجه الله خالصا ، لا لرجاء أن يقال : ما أصبره ، ولا مخافة أن يعاب بالجزع ، أو تشمت به الأعداء ، كما قال :
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولأن الجزع لا طائل تحته ، أو يعلم أنه لا مرد لما فات ولا لما وقع . والظاهر في معنى الوجه هنا جهة الله أي : الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة ، كما تقول : خرج زيد لوجه كذا . ونبه على هاتين الخصلتين : العبادة البدنية ، والعبادة المالية ، إذ هما عمود الدين ، والصبر عليهما أعظم صبر لتكرر الصلوات ، ولتعلق النفوس بحب تحصيل المال . ونبه على حالتي الإنفاق ، فالسر أفضل حالات إنفاق التطوع كما جاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، والعلانية أفضل حالات إنفاق الفروض ؛ لأن الإظهار فيها أفضل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22مما رزقناهم ) من الحلال ؛ لأن الحرام لا يكون رزقا ولا يسند إلى الله ، انتهى . وهذا على طريق المعتزلة .
وللسلف هنا في الصبر أقوال متقاربة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : صبروا على أمر الله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12107أبو عمران الجوني : صبروا على دينهم . وقال
عطاء : صبروا على الرزايا والمصائب . وقال
ابن زيد : صبروا على الطاعة وعن المعصية . ( ويدرءون ) : يدفعون . قال
ابن زيد : الشر بالخير . وقال
قتادة : ردوا عليهم معروفا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وقال
الحسن : إذا حرموا أعطوا ، وإذا ظلموا عفوا ، وإذا قطعوا وصلوا . وقال
القتبي : إذا سفه عليهم حلموا ، وقال
ابن جبير : يدفعون المنكر بالمعروف . وقال
ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا ، وإذا هربوا أنابوا ليدفعوا عن أنفسهم بالتوبة معرة الذنب ، وهذا المعنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
الضحاك عنه . وقيل : يدفعون بـ " لا إله إلا الله " شركهم . وقيل : بالسلام غوائل الناس . وقيل : من رأوا منه مكروها بالتي هي أحسن . وقيل : بالصالح من العمل السيئ ، ويؤيده ما روي في الحديث
أن معاذا قال : أوصني يا رسول الله فقال : ( إذا عملت سيئة فاعمل إلى جنبها حسنة تمحها ) السر بالسر والعلانية بالعلانية . وقيل العذاب : بالصدقة . وقيل : إذا هموا بالسيئة فكروا ورجعوا عنها واستغفروا . وهذه الأقوال كلها على سبيل المجاز . وبالجملة لا يكافئون الشر بالشر كما قال الشاعر :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
وهذا بخلاف خلق الجاهلية كما قال :
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا وإن لا يبد بالظلم يظلم
وروي أن هذه الآية نزلت في
الأنصار ، ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22عقبى الدار ) عاقبة الدنيا ، وهي الجنة ؛ لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا وموضع أهلها . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جنات عدن ) بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24عقبى الدار ) ويحتمل أن يراد عقبى دار الآخرة لدار الدنيا في العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم ، ويحتمل أن يكون ( جنات ) خبر ابتداء محذوف . وقرأ الجمهور : ( جنات ) ،
والنخعي : ( جنة ) بالإفراد .
[ ص: 387 ] وروي عن
ابن كثير ،
وأبي عمرو : ( يدخلونها ) مبنيا للمفعول . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23ومن صلح ) بضم اللام ، والجمهور بفتحها ؛ وهو أفصح . وقرأ
عيسى الثقفي : ( وذريتهم ) بالتوحيد ، والجمهور بالجمع . وقرأ
ابن يعمر : ( فنعم ) بفتح النون وكسر العين وهي الأصل ، كما قال الراجز :
نعم الساعون في اليوم الشطر
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب : ( فنعم ) بفتح النون وسكون العين وتخفيف الميم لغة تميميمة ، والجمهور ( نعم ) بكسر النون وسكون العين ، وهي أكثر استعمالا . قال
مجاهد وغيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23ومن صلح ) أي : عمل صالحا وآمن ، انتهى . وهذا يدل على أن مجرد النسب من الصالح لا ينفع ، إنما تنفع الأعمال الصالحة . وقيل : يحتمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23ومن صلح ) أي : لذلك بقدر الله تعالى وسابق علمه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذا الصلاح هو الإيمان بالله وبالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه بشارة بنعمة اجتماعهم مع قراباتهم في الجنة . والظاهر أن " ومن " معطوف على الضمير في ( يدخلونها ) وقد فصل بينهما بالمفعول . وقيل : يجوز أن يكون مفعولا معه ؛ أي : يدخلونها مع من صلح . ويشتمل قوله : ( من آبائهم ) أبوا كل واحد والده ووالدته ، وغلب الذكور على الإناث ، فكأنه قيل : ومن صلح من آبائهم وأمهاتهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) أي : بالتحف والهدايا من الله تعالى تكرمة لهم . قال
أبو بكر الوراق : هذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنة ، من عملها دخلها من أي باب شاء . قال
الأصم : نحو هذا قال : ( من كل باب ) باب الصلاة ، وباب الزكاة ، وباب الصبر .
ولأبي عبد الله الرازي كلام عجيب في الملائكة ، ذكر : أن الملائكة طوائف منهم روحانيون ، ومنهم كروبيون ، فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة ، فلكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يحفظ لتلك الصفة مزيد اختصاص ، فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السمائية ما يناسبها من الصفة المخصوصة ، فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر ، ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر ، وهكذا القول في جميع المراتب ، انتهى . وهذا كلام فلسفي لا تفهمه العرب ، ولا جاءت به الأنبياء ، فهو كلام مطرح لا يلتفت إليه المسلمون . قال
ابن عطية : وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري رحمه الله في صفة دخول الملائكة أحاديث لم نطول بها لضعف أسانيدها ، انتهى .
وارتفع ( سلام ) على الابتداء ، و ( عليكم ) الخبر ، والجملة محكية بقول محذوف أي : يقولون سلام عليكم . والظاهر أن قوله تعالى : ( سلام عليكم ) تحية الملائكة لهم ، ويكون قوله تعالى : ( بما صبرتم ) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هذا الثواب بسبب صبركم في الدنيا على المشاق ، أو تكون الباء بمعنى بدل ؛ أي : بدل صبركم أي : بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ، هذه الملاذ والنعم . وقيل : ( سلام ) جمع سلامة ؛ أي : إنما سلمكم الله تعالى من أهوال يوم القيامة بصبركم في الدنيا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يتعلق بـ ( سلام ) أي : يسلم عليكم ويكرمكم بصبركم ، والمخصوص بالمدح محذوف ؛ أي : فنعم عقبى الدار الجنة من جهنم ، و ( الدار ) تحتمل الدنيا وتحتمل الآخرة . وقالت فرقة : المعنى أن عقبوا الجنة من جهنم . قال
ابن عطية : وهذا التأويل مبني على حديث ورد وهو : أن كل رجل في الجنة قد كان له مقعد معروف في النار ، فصرفه الله تعالى عنه إلى النعيم فيعرض عليه ويقال له : "
هذا مكان مقعدك ، فبدلك الله منه الجنة بإيمانك وطاعتك وصبرك " انتهى . ولما كان الصبر هو الذي نشأ عنه تلك الطاعات السابقة ، ذكرت الملائكة أن النعيم السرمدي إنما هو حاصل بسبب الصبر ، ولم يأت التركيب بالإيفاء بالعهد ، ولا بغير ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28984والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )
[ ص: 388 ] قال
مقاتل نزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون ) في أهل الكتاب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26الله يبسط ) في مشركي مكة ، ولما ذكر تعالى حال السعداء وما ترتب لهم من الأمور السنية الشريفة ، ذكر حال الأشقياء وما ترتب لهم من الأمور المخزية . وتقدم تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) الآية . في أوائل البقرة ، وترتب للسعداء هناك التصريح بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24عقبى الدار ) وهي الجنة ، وإكرام الملائكة لهم بالسلام ، وذلك غاية القرب والتأنيس . وهنا ترتب للأشقياء الإبعاد من رحمة الله . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25سوء الدار ) أي : الدار السوء وهي النار ، و ( سوء ) عاقبة الدار ، وتكون دار الدنيا . ولما كان كثير من الأشقياء فتحت عليهم نعم الدنيا ولذاتها أخبر تعالى أنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، والكفر والإيمان لا تعلق لهما بالرزق . قد يقدر على المؤمن ليعظم أجره ، ويبسط للكافر إملاء لازدياد آثامه . و ( يقدر ) مقابل ( يبسط ) وهو التضييق من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7ومن قدر عليه رزقه ) وعليه يحمل (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فظن أن لن نقدر عليه ) ، وقول ذلك الذي أحرق وذري في البحر : ( لئن قدر الله علي ) أي : لئن ضيق . وقيل : يقدر يعطي بقدر الكفاية . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : ( ويقدر ) بضم الدال ، حيث وقع ، والضمير في ( فرحوا ) عائد على (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون ) ، وهو استئناف إخبار عن جهلهم بما أوتوا من بسطة الدنيا عليهم ، وفرحهم فرح بطر وبسط لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم ، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة بفضل الله به ، واستجهلهم بهذا الفرح إذ هو فرح بما يزول عن قريب وينقضي . ويبعد قول من ذهب إلى أنه معطوف على صلات . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون ) أي : يفسدون في الأرض . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26وفرحوا بالحياة الدنيا ) . وفي الكلام تقديم وتأخير . و ( متاع ) معناه ذاهب مضمحل يستمتع به قليلا ثم يفنى . كما قال الشاعر :
تمتع يا مشعث إن شيئا سبقت به الممات هو المتاع
( وقال آخر )
:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسان
( وقال آخر )
:
تمتع من الدنيا فإنك فان من النشوات والنساء الحسان
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : خفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئا نذرا ، يتمتع به كعجالة الراكب ، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك ، انتهى . وهذا معنى قول
الحسن : أعلم الله نبيه أن الحياة الدنيا في جنب ما أعد الله لأوليائه في الآخرة نذر ليس يتمتع به كعجالة الراكب ، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : زاد كزاد الرعي . وقال
مجاهد : قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع فلا بد له من زوال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=29الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=32وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=34لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=36وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=37وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=38وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )
[ ص: 384 ] الْقَارِعَةُ : الرَّزِيَّةُ الَّتِي تَقْرَعُ قَلْبَ صَاحِبِهَا ؛ أَيْ : تَضْرِبُهُ بِشِدَّةٍ كَالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَكَشْفِ الْحَرِيمِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَمَّا قَرَعْنَا النَّبْعَ بِالنَّبْعِ بَعْضَهُ بِبَعْضِ أَبَتْ عِيدَانُهُ أَنْ تُكْسَرَا
أَيْ : ضَرَبْنَا بِقُوَّةٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : الْقَارِعَةُ فِي اللُّغَةِ النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ تَنْزِلُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ . الْمَحْوُ الْإِزَالَةُ مَحَوْتُ الْخَطَّ أَذْهَبْتُ أَثَرَهُ وَمَحَا الْمَطَرُ رَسْمَ الدَّارِ أَذْهَبَهُ وَأَزَالَهُ وَيُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ يَمْحُو وَيَمْحِي لِأَنَّ عَيْنَهُ حَرْفُ حَلْقٍ وَالْإِثْبَاتُ ضِدُّ الْمَحْوِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28984أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ ) فِي
حَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ . وَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي جَهْلٍ . وَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَبِي جَهْلٍ . قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : ( أَوَ مَنْ ) بِالْوَاوِ بَدَلُ الْفَاءِ ، إِنَّمَا ( أَنْزَلَ ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَثَلَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَذَكَرَ مَا لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الثَّوَابِ ، وَمَا لِلْكَافِرِ مِنَ الْعِقَابِ ، ذَكَرَ اسْتِبْعَادَ مَنْ يَجْعَلُهَا سَوَاءً ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) أَيْ : لَيْسَا مُشْتَبِهَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّيْءِ بَصِيرٌ بِهِ ، وَالْجَاهِلَ بِهِ كَالْأَعْمَى ، وَالْمُرَادُ أَعْمَى الْبَصِيرَةِ وَلِذَلِكَ قَابَلَهُ بِالْعِلْمِ . وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ ، الْمُرَادُ بِهِ : إِنْكَارُ أَنْ تَقَعَ شُبْهَةٌ بَعْدَمَا ضَرَبَ مِنَ الْمَثَلِ فِي أَنَّ حَالَ مَنْ عَلِمَ إِنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ فَاسْتَجَابَ ، بِمَعْزِلٍ مِنْ حَالِ الْجَاهِلِ الَّذِي لَمْ يَسْتَبْصِرْ فَيَسْتَجِيبُ ، كَبُعْدِ مَا بَيْنَ الزَّبَدِ وَالْمَاءِ ، وَالْخَبَثِ وَالْإِبْرِيزِ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ بِالْمَوْعِظَةِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ إِلَّا أَصْحَابُ الْعُقُولِ . وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ ، وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ ؛ لِأَنَّهُ صَدْرُ الْكَلَامِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَأَمَنْ يَعْلَمُ ، وَيُبْعِدُهَا أَنْ يَكُونَ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ مَا بَعْدَهَا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ
[ ص: 385 ] كَمَا قَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أَفَلَمْ يَسِيرُوا ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) وَجَوَّزُوا فِي ( الَّذِينَ ) أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ ( أُولُو ) ، أَوْ صِفَةً لَهُ ، وَصِفَةً لِمَنْ مِنْ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ ) ، ( وَإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ) اعْتِرَاضٌ ، وَمُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ) وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْعَهْدِ . وَقِيلَ : هُوَ خَاصٌّ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : مَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : فِي الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) وَقَالَ
الْقَفَّالُ : مَا فِي حِيلَتِهِمْ وَعُقُولِهِمْ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّاتِ . وَقِيلَ : فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْقُرْآنِ . وَقِيلَ : الْمَأْخُوذُ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ . وَقِيلَ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَالظَّاهِرُ إِضَافَةُ الْعَهْدِ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ : بِمَا عَهِدَ اللَّهُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) جُمْلَةٌ تَوْكِيدِيَّةٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ) لِأَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْمِيثَاقُ ، وَيَلْزَمُ مِنْ إِيفَاءِ الْعَهْدِ انْتِفَاءُ نَقِيضِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَعَهْدُ اللَّهِ مَا عَقَدُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الشَّهَادَةِ بِرُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ، وَلَا يَنْقُضُونَ كُلَّ مَا وَثَّقُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَقَبِلُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَوَاثِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعِبَادِ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ ، انْتَهَى . فَأَضَافَ الْعَهْدَ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَغَايَرَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِكَوْنِ الثَّانِيَةِ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ ، انْتَهَى . إِذْ أَخْذُ الْمِيثَاقِ عَامٌّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : " بِعَهْدِ اللَّهِ " اسْمُ الْجِنْسِ أَيْ : بِجَمِيعِ عُهُودِ اللَّهِ ، وَبَيْنَ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ الَّتِي وَصَّى بِهَا عَبِيدَهُ . وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْتِزَامُ جَمِيعِ الْفُرُوضِ ، وَتَجَنُّبُ جَمِيعِ الْمَعَاصِي . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) أَيْ : إِذَا اعْتَقَدُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَهْدًا لَمْ يَنْقُضُوهُ . قَالَ
قَتَادَةُ : وَتَقَدَّمَ وَعِيدُ اللَّهِ إِلَى عِبَادِهِ فِي نَقْضِ الْمِيثَاقِ وَنَهَى عَنْهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ آيَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مِيثَاقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الَّذِي أَخَذَهُ تَعَالَى عَلَى ظَهْرِ أَبِيهِمْ
آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - انْتَهَى .
وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : مِنْ أَعْظَمِ الْمَوَاثِيقِ فِي الذِّكْرِ أَنْ لَا يُسْأَلَ سِوَاهُ ، وَذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي
حَمْزَةَ الْخُرَاسَانِيِّ وَوُقُوعَهُ فِي الْبِئْرِ ، وَمُرُورَ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَتَغْطِيتَهُمُ الْبِئْرَ وَهُوَ لَا يَسْأَلُهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ ، إِلَى أَنْ جَاءَ مَنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ ، وَلَمْ يَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ ، وَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ : كَيْفَ رَأَيْتَ ثَمَرَةَ التَّوَكُّلِ ؟ قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : هَذَا رَجُلٌ عَاهَدَ اللَّهَ فَوَجَدَ الْوَفَاءَ عَلَى التَّمَامِ ، فَاقْتَدُوا بِهِ . وَقَدْ أَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِعْلَ
أَبِي حَمْزَةَ هَذَا وَبَيَّنَ خَطَأَهُ ، وَأَنَّ التَّوَكُّلَ لَا يُنَافِي الِاسْتِغَاثَةَ فِي تِلْكَ الْحَالِ . وَذَكَرَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ قَالُوا : إِنَّ إِنْسَانًا لَوْ جَاعَ فَلَمْ يَسْأَلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ . وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَطَفَ
بِأَبِي حَمْزَةَ الْجَاهِلِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : الْمُرَادُ بِهِ صِلَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِيمَانِ بِهِ ، وَقَالَ نَحْوَهُ
ابْنُ جُبَيْرٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : الرَّحِمُ . وَقِيلَ : صِلَةُ الْإِيمَانِ بِالْعَمَلِ . وَقِيلَ : صِلَةُ قَرَابَةِ الْإِسْلَامِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى ، وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ ، وَمُرَاعَاةِ حَقِّ الْجِيرَانِ وَالرُّفَقَاءِ وَالْأَصْحَابِ وَالْخَدَمِ . وَقِيلَ : نُصْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ . وَ ( أَمَرَ ) يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ بِحَرْفِ جَرٍّ وَهُوَ ( بِهِ ) وَالْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21أَنْ يُوصَلَ ) فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ : بِوَصْلِهِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=49يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) أَيْ : وَعِيدَهُ كُلَّهُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) أَيْ : اسْتِقْصَاءً فَيُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبُوا . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=49يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) : يُعَظِّمُونَهُ . وَقِيلَ : فِي قَطْعِ الرَّحِمِ . وَقِيلَ : فِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : فِيمَا أَمَرَهُمْ بِوَصْلِهِ . وَ ( صَبَرُوا ) مُطْلَقٌ فِيمَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَائِبِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ ، وَمِيثَاقِ التَّكْلِيفِ . وَجَاءَتِ الصِّلَةُ هُنَا بِلَفْظِ الْمَاضِي ، وَفِي الْمُوصِلِينَ قَبْلُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الَّذِينَ يُوفُونَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ) وَ ( مَا ) عُطِفَ عَلَيْهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّفَنُّنِ فِي الْفَصَاحَةِ ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ هُنَا فِي مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ بِالْمَاضِي كَالْمُضَارِعِ فِي اسْمِ الشَّرْطِ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا أَشْبَهَهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّحْوِيُّونَ : إِذَا وَقَعَ الْمَاضِي صِلَةً أَوْ صِفَةً لِنَكِرَةٍ عَامَّةٍ
[ ص: 386 ] احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُضِيُّ ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ . فَمِنَ الْمُرَادِ بِهِ الْمُضِيُّ فِي الصِّلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) وَمِنَ الْمُرَادِ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ) وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ اخْتِصَاصَ هَذِهِ الصِّلَةِ بِالْمَاضِي وَتَيْنِكَ بِالْمُضَارِعِ ، أَنَّ تَيْنِكَ الصِّلَتَيْنِ قُصِدَ بِهِمَا الِاسْتِصْحَابُ وَالِالْتِبَاسُ دَائِمًا ، وَهَذِهِ الصِّلَةُ قُصِدَ بِهَا تَقَدُّمُهَا عَلَى تَيْنِكَ الصِّلَتَيْنِ ، وَ ( مَا ) عُطِفَ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّ حُصُولَ تِلْكَ الصِّلَاتِ إِنَّمَا هِيَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى حُصُولِ الصَّبْرِ وَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ صِلَةٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِصِيغَةِ الْمَاضِي ، إِذْ هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ التَّكَالِيفِ وَإِيقَاعِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَانْتَصَبَ ( ابْتِغَاءَ ) قِيلَ : عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ أَيْ : إِنَّ صَبْرَهُمْ هُوَ لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ خَالِصًا ، لَا لِرَجَاءِ أَنْ يُقَالَ : مَا أَصْبَرَهُ ، وَلَا مَخَافَةَ أَنْ يُعَابَ بِالْجَزَعِ ، أَوْ تَشْمَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ ، كَمَا قَالَ :
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
وَلِأَنَّ الْجَزَعَ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَرَدَّ لِمَا فَاتَ وَلَا لِمَا وَقَعَ . وَالظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْوَجْهِ هُنَا جِهَةُ اللَّهِ أَيْ : الْجِهَةُ الَّتِي تُقْصَدُ عِنْدَهُ تَعَالَى بِالْحَسَنَاتِ لِتَقَعَ عَلَيْهَا الْمَثُوبَةُ ، كَمَا تَقُولُ : خَرَجَ زَيْدٌ لِوَجْهِ كَذَا . وَنَبَّهَ عَلَى هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ : الْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ ، وَالْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ ، إِذْ هُمَا عَمُودُ الدِّينِ ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِمَا أَعْظَمُ صَبْرٍ لِتَكَرُّرِ الصَّلَوَاتِ ، وَلِتَعَلُّقِ النُّفُوسِ بِحُبِّ تَحْصِيلِ الْمَالِ . وَنَبَّهَ عَلَى حَالَتَيِ الْإِنْفَاقِ ، فَالسِّرُّ أَفْضَلُ حَالَاتِ إِنْفَاقِ التَّطَوُّعِ كَمَا جَاءَ فِي السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا ، وَالْعَلَانِيَةُ أَفْضَلُ حَالَاتِ إِنْفَاقِ الْفُرُوضِ ؛ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ فِيهَا أَفْضَلُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) مِنَ الْحَلَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ رِزْقًا وَلَا يُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ ، انْتَهَى . وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُعْتَزِلَةِ .
وَلِلسَّلَفِ هُنَا فِي الصَّبْرِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : صَبَرُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12107أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ : صَبَرُوا عَلَى دِينِهِمْ . وَقَالَ
عَطَاءٌ : صَبَرُوا عَلَى الرَّزَايَا وَالْمَصَائِبِ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : صَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ . ( وَيَدْرَءُونَ ) : يَدْفَعُونَ . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الشَّرُّ بِالْخَيْرِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : رَدُّوا عَلَيْهِمْ مَعْرُوفًا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) وَقَالَ
الْحَسَنُ : إِذَا حُرِمُوا أَعْطَوْا ، وَإِذَا ظُلِمُوا عَفَوْا ، وَإِذَا قُطِعُوا وَصَلُوا . وَقَالَ
الْقُتَبِيُّ : إِذَا سُفِّهَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا ، وَقَالَ
ابْنُ جُبَيْرٍ : يَدْفَعُونَ الْمُنْكَرَ بِالْمَعْرُوفِ . وَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : إِذَا أَذْنَبُوا تَابُوا ، وَإِذَا هَرَبُوا أَنَابُوا لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالتَّوْبَةِ مَعَرَّةَ الذَّنْبِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الضَّحَّاكِ عَنْهُ . وَقِيلَ : يَدْفَعُونَ بـ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " شِرْكَهُمْ . وَقِيلَ : بِالسَّلَامِ غَوَائِلَ النَّاسِ . وَقِيلَ : مَنْ رَأَوْا مِنْهُ مَكْرُوهًا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَقِيلَ : بِالصَّالِحِ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ
أَنَّ مُعَاذًا قَالَ : أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : ( إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ إِلَى جَنْبِهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا ) السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ . وَقِيلَ الْعَذَابُ : بِالصَّدَقَةِ . وَقِيلَ : إِذَا هَمُّوا بِالسَّيِّئَةِ فَكَرُّوا وَرَجَعُوا عَنْهَا وَاسْتَغْفَرُوا . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ . وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُكَافِئُونَ الشَّرَّ بِالشَّرِّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِ إِحْسَانًا
وَهَذَا بِخِلَافِ خُلُقِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ :
جَرِيءٌ مَتَى يُظْلَمُ يُعَاقِبُ بِظُلْمِهِ سَرِيعًا وَإِنْ لَا يُبْدَ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
الْأَنْصَارِ ، ثُمَّ هِيَ عَامَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22عُقْبَى الدَّارِ ) عَاقِبَةُ الدُّنْيَا ، وَهِيَ الْجَنَّةُ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ عَاقِبَةَ الدُّنْيَا وَمَوْضِعَ أَهْلِهَا . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جَنَّاتُ عَدْنٍ ) بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24عُقْبَى الدَّارِ ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عُقْبَى دَارِ الْآخِرَةِ لِدَارِ الدُّنْيَا فِي الْعُقْبَى الْحَسَنَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ هِيَ لَهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ( جَنَّاتُ ) خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( جَنَّاتُ ) ،
وَالنَّخْعِيُّ : ( جَنَّةُ ) بِالْإِفْرَادِ .
[ ص: 387 ] وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ ،
وَأَبِي عَمْرٍو : ( يُدْخَلُونَهَا ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَمَنْ صَلَحَ ) بِضَمِّ اللَّامِ ، وَالْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا ؛ وَهُوَ أَفْصَحُ . وَقَرَأَ
عِيسَى الثَّقَفِيُّ : ( وَذُرِّيَّتَهُمْ ) بِالتَّوْحِيدِ ، وَالْجُمْهُورُ بِالْجَمْعِ . وَقَرَأَ
ابْنُ يَعْمَرَ : ( فَنَعِمَ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْأَصْلُ ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
نَعِمَ السَّاعُونَ فِي الْيَوْمِ الشُّطُرِ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ : ( فَنَعْمَ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ لُغَةٌ تَمِيمِيَّمَةٌ ، وَالْجُمْهُورُ ( نِعْمَ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا . قَالَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَمَنْ صَلَحَ ) أَيْ : عَمَلَ صَالِحًا وَآمَنَ ، انْتَهَى . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ النَّسَبِ مِنَ الصَّالِحِ لَا يَنْفَعُ ، إِنَّمَا تَنْفَعُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ . وَقِيلَ : يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَمَنْ صَلَحَ ) أَيْ : لِذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَابِقِ عِلْمِهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هَذَا الصَّلَاحُ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِنِعْمَةِ اجْتِمَاعِهِمْ مَعَ قَرَابَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ " وَمَنْ " مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي ( يَدْخُلُونَهَا ) وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ . وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ ؛ أَيْ : يَدْخُلُونَهَا مَعَ مَنْ صَلَحَ . وَيَشْتَمِلُ قَوْلُهُ : ( مِنْ آبَائِهِمْ ) أَبَوَا كُلِّ وَاحِدٍ وَالِدُهُ وَوَالِدَتُهُ ، وَغَلَبَ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) أَيْ : بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَكْرِمَةً لَهُمْ . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ : هَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَعْمَالٍ تُشِيرُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، مَنْ عَمِلَهَا دَخَلَهَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ . قَالَ
الْأَصَمُّ : نَحْوَ هَذَا قَالَ : ( مِنْ كُلِّ بَابٍ ) بَابُ الصَّلَاةِ ، وَبَابُ الزَّكَاةِ ، وَبَابُ الصَّبْرِ .
وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ كَلَامٌ عَجِيبٌ فِي الْمَلَائِكَةِ ، ذَكَرَ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ رُوحَانِيُّونَ ، وَمِنْهُمْ كَرُوبِيُّونَ ، فَالْعَبْدُ إِذَا رَاضَ نَفْسَهُ بِأَنْوَاعِ الرِّيَاضَاتِ كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ ، فَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ جَوْهَرٌ قُدْسِيٌّ وَرُوحٌ عُلْوِيٌّ يُحْفَظُ لِتِلْكَ الصِّفَةِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ إِذَا أَشْرَقَتْ تِلْكَ الْجَوَاهِرُ الْقُدْسِيَّةُ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنْ كُلِّ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَائِيَّةِ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ ، فَيَفِيضُ عَلَيْهَا مِنْ مَلَائِكَةِ الصَّبْرِ كَمَالَاتٌ مَخْصُوصَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ لَا تَظْهَرُ إِلَّا فِي مَقَامِ الصَّبْرِ ، وَمِنْ مَلَائِكَةِ الشُّكْرِ كَمَالَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ لَا تَتَجَلَّى إِلَّا فِي مَقَامِ الشُّكْرِ ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ ، انْتَهَى . وَهَذَا كَلَامٌ فَلْسَفِيٌّ لَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ ، وَلَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ، فَهُوَ كَلَامٌ مُطْرَحٌ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صِفَةِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ أَحَادِيثَ لَمْ نُطَوِّلْ بِهَا لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا ، انْتَهَى .
وَارْتَفَعَ ( سَلَامٌ ) عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَ ( عَلَيْكُمْ ) الْخَبَرُ ، وَالْجُمْلَةُ مَحْكِيَّةٌ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ : يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( بِمَا صَبَرْتُمْ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ : هَذَا الثَّوَابُ بِسَبَبِ صَبْرِكُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمَشَاقِّ ، أَوْ تَكُونُ الْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ ؛ أَيْ : بَدَلَ صَبْرِكُمْ أَيْ : بَدَلَ مَا احْتَمَلْتُمْ مِنْ مَشَاقِّ الصَّبْرِ ، هَذِهِ الْمَلَاذُ وَالنِّعَمُ . وَقِيلَ : ( سَلَامٌ ) جَمْعُ سَلَامَةٍ ؛ أَيْ : إِنَّمَا سَلَّمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِصَبْرِكُمْ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ ( سَلَامٌ ) أَيْ : يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ وَيُكْرِمُكُمْ بِصَبْرِكُمْ ، وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ ؛ أَيْ : فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ الْجَنَّةُ مِنْ جَهَنَّمَ ، وَ ( الدَّارِ ) تَحْتَمِلُ الدُّنْيَا وَتَحْتَمِلُ الْآخِرَةَ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : الْمَعْنَى أَنْ عَقَّبُوا الْجَنَّةَ مِنْ جَهَنَّمَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى حَدِيثٍ وَرَدَ وَهُوَ : أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ فِي الْجَنَّةِ قَدْ كَانَ لَهُ مَقْعَدٌ مَعْرُوفٌ فِي النَّارِ ، فَصَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى النَّعِيمِ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ : "
هَذَا مَكَانُ مَقْعَدِكَ ، فَبَدَّلَكَ اللَّهُ مِنْهُ الْجَنَّةَ بِإِيمَانِكَ وَطَاعَتِكَ وَصَبْرِكَ " انْتَهَى . وَلَمَّا كَانَ الصَّبْرُ هُوَ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ تِلْكَ الطَّاعَاتُ السَّابِقَةُ ، ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ النَّعِيمَ السَّرْمَدِيَّ إِنَّمَا هُوَ حَاصِلٌ بِسَبَبِ الصَّبْرِ ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ بِالْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28984وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ )
[ ص: 388 ] قَالَ
مُقَاتِلٌ نَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ ) فِي أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26اللَّهُ يَبْسُطُ ) فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ ، وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ وَمَا تَرَتَّبَ لَهُمْ مِنَ الْأُمُورِ السُّنِّيَّةِ الشَّرِيفَةِ ، ذَكَرَ حَالَ الْأَشْقِيَاءِ وَمَا تَرَتَّبَ لَهُمْ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخْزِيَةِ . وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) الْآيَةَ . فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ ، وَتَرَتَّبَ لِلسُّعَدَاءِ هُنَاكَ التَّصْرِيحُ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24عُقْبَى الدَّارِ ) وَهِيَ الْجَنَّةُ ، وَإِكْرَامِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْقُرْبِ وَالتَّأْنِيسِ . وَهُنَا تَرَتَّبَ لِلْأَشْقِيَاءِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25سُوءُ الدَّارِ ) أَيْ : الدَّارُ السُّوءُ وَهِيَ النَّارُ ، وَ ( سُوءُ ) عَاقِبَةُ الدَّارِ ، وَتَكُونُ دَارَ الدُّنْيَا . وَلَمَّا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ نِعَمُ الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ، وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ لَا تَعَلُّقَ لَهُمَا بِالرِّزْقِ . قَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ ، وَيَبْسُطُ لِلْكَافِرِ إِمْلَاءً لِازْدِيَادِ آثَامِهِ . وَ ( يَقْدِرُ ) مُقَابِلُ ( يَبْسُطُ ) وَهُوَ التَّضْيِيقُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) ، وَقَوْلُ ذَلِكَ الَّذِي أُحْرِقَ وَذُرِيَ فِي الْبَحْرِ : ( لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ ) أَيْ : لَئِنْ ضَيَّقَ . وَقِيلَ : يَقْدِرُ يُعْطِي بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : ( وَيَقْدُرُ ) بِضَمِّ الدَّالِّ ، حَيْثُ وَقَعَ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( فَرِحُوا ) عَائِدٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ ) ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ عَنْ جَهْلِهِمْ بِمَا أُوتُوا مِنْ بَسْطَةِ الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ ، وَفَرَحُهُمْ فَرَحُ بَطَرٍ وَبَسْطٍ لَا فَرَحُ سُرُورٍ بِفَضْلِ اللَّهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِالشُّكْرِ حَتَّى يَسْتَوْجِبُوا نَعِيمَ الْآخِرَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ بِهِ ، وَاسْتَجْهَلَهُمْ بِهَذَا الْفَرَحِ إِذْ هُوَ فَرَحٌ بِمَا يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ وَيَنْقَضِي . وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَاتٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ ) أَيْ : يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) . وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ . وَ ( مَتَاعٌ ) مَعْنَاهُ ذَاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ يَسْتَمْتِعُ بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَفْنَى . كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
تَمَتَّعْ يَا مُشَعَّثُ إِنَّ شَيْئًا سَبَقْتَ بِهِ الْمَمَاتَ هُوَ الْمَتَاعُ
( وَقَالَ آخَرُ )
:
أَنْتَ نِعْمَ الْمَتَاعُ لَوْ كُنْتَ تَبْقَى غَيْرَ أَنْ لَا بَقَاءَ لِلْإِنْسَانِ
( وَقَالَ آخَرُ )
:
تَمَتَّعْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ فَانٍ مِنَ النَّشَوَاتِ وَالنِّسَاءِ الْحِسَانِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : خُفِيَ عَلَيْهِمْ أَنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ لَيْسَ إِلَّا شَيْئًا نَذْرًا ، يَتَمَتَّعُ بِهِ كَعُجَالَةِ الرَّاكِبِ ، وَهُوَ مَا يَتَعَجَّلُهُ مِنْ تُمَيْرَاتٍ أَوْ شَرْبَةِ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، انْتَهَى . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
الْحَسَنِ : أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ نَذْرٌ لَيْسَ يَتَمَتَّعُ بِهِ كَعُجَالَةِ الرَّاكِبِ ، وَهُوَ مَا يَتَعَجَّلُهُ مِنْ تُمَيْرَاتٍ أَوْ شَرْبَةِ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : زَادٌ كَزَادِ الرَّعْيِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : قَلِيلٌ ذَاهِبٌ مِنْ مُتَعِ النَّهَارِ إِذَا ارْتَفَعَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَوَالٍ .