[ ص: 168 ] لما ذكر تعالى ما أعد للكافرين ذكر ما أعد للمؤمنين وفي الصحيح ( جنات الفردوس ) أربع : ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما ، وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما . وفي حديث عبادة : الفردوس أعلاها يعني أعلى الجنة . قال قتادة وربوتها ومنها تفجر أنهار الجنة . وقال جبل تتفجر منه أنهار الجنة . وفي حديث أبو هريرة أبي أمامة : الفردوس سرة الجنة . وقال مجاهد : الفردوس البستان بالرومية . وقال كعب والضحاك ( جنات الفردوس ) الأعناب . وقال عبيد الله بن الحارث بن كعب إنه جنات الكروم والأعناب خاصة من الثمار . وقال : ( الفردوس ) فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب . وحكى المبرد أنه الأودية التي تنبت ضروبا من النبات ، وهل هو عربي أو أعجمي ؟ قولان وإذا قلنا أعجمي فهل هو فارسي أو رومي أو سرياني ؟ أقوال . وقال الزجاج حسان :
وإن ثواب الله كل موحد جنان من الفردوس فيها يخلد
قيل : ولم يسمع بالفردوس في كلام العرب إلا في هذا البيت بيت حسان ، وهذا لا يصح فقد قال : أمية بن أبي الصلت
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة فيها الفراديس ثم الفوم والبصل
الفراديس جمع فردوس . والظاهر أن معنى ( جنات الفردوس ) بساتين حول الفردوس ولذلك أضاف الجنات إليه . ويقال : كرم مفردس ، أي : معرش ، وكذلك سميت الروضة التي دون اليمامة فردوسا لاجتماع نخلها وتعريشها على أرضها . وفي دمشق باب الفراديس يخرج منه إلى البساتين . و ( نزلا ) يحتمل من التأويل ما احتمل قوله ( نزلا ) المتقدم . ومعنى ( حولا ) ، أي : محولا إلى غيرها . قال ابن عيسى : هو مصدر كالعوج والصغر . قال : ، يقال حال عن مكانه حولا كقوله . الزمخشري
عادني حبها عودا
يعني لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم ، وهذه غاية الوصف ؛ لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح الطرف إلى أرفع منه ، ويجوز أن يراد نفي التحول وتأكيد الخلود انتهى . وقال ابن عطية : والحول بمعنى التحول . قال مجاهد متحولا . وقال الشاعر :
لكل دولة أجل ثم يتاح لها حول
وكأنه اسم جمع وكان واحده حوالة وفي هذا نظر . وقال عن قوم : هي بمعنى الحيلة في التنقل وهذا ضعيف متكلف . الزجاج" قل لو كان البحر " قيل سبب نزولها أن اليهود قالوا للرسول - صلى الله عليه وسلم - : كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها ومبعوث إليها ، وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم وأنت مقصر ؟ قد سئلت عن الروح فلم تجب فيه ؟ فنزلت معلمة باتساع معلومات الله وأنها غير متناهية وأن الوقوف دونها ليس ببدع ولا نكر ، فعبر عن هذا بتمثيل ما يستكثرونه وهو قوله " قل لو كان البحر " . وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " ثم تقرءون " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " فنزلت يعني إن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله " قل لو كان البحر " ، أي : ماء البحر " مدادا " وهو ما يمد به الدواة من الحبر ، وما يمد به السراج من السليط . ويقال : السماء مداد الأرض " لكلمات ربي " ، أي : معد الكتب كلمات ربي وهو علمه وحكمته ، وكتب بذلك المداد " لنفد البحر " ، أي : فني ماؤه الذي هو المداد قبل أن تنفد الكلمات ؛ لأن كلماته تعالى لا يمكن نفادها لأنها لا تتناهى والبحر ينفد لأنه متناه ضرورة ، وليس ببدع أن أجهل شيئا من معلوماته " وإنما أنا بشر مثلكم " لم أعلم إلا ما أوحي إلي به وأعلمت .
وقرأ الجمهور " مدادا لكلمات ربي " . وقرأ عبد الله وابن عباس [ ص: 169 ] والأعمش ومجاهد والأعرج والحسن والمنقري عن أبي عمرو ( مددا لكلمات ربي ) . وقرأ الجمهور " تنفد " بالتاء من فوق . وقرأ حمزة والكسائي وعمرو بن عبيد والأعمش وطلحة بالياء . وقرأ وابن أبي ليلى السلمي " أن تنفد " بالتشديد على تفعل على المضي ، وجاء كذلك عن عاصم وأبي عمرو فهو مطاوع من نفد مشددا نحو كسرته فتكسر وفي قراءة الجماعة مطاوع لأنفد ، وجواب ( لو ) محذوف لدلالة المعنى عليه تقديره لنفد .
وقرأ الجمهور ( بمثله مددا ) بفتح الميم والدال بغير ألف ، بكسر الميم . وانتصب " والأعرج مددا " على التمييز عن ( مثل ) ، كقوله :
فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا
وقرأ ابن مسعود وابن عباس ومجاهد بخلاف ، والأعمش والتيمي وابن محيصن وحميد والحسن في رواية ، وأبو عمرو في رواية وحفص في رواية ( بمثله مدادا ) بألف بين الدالين وكسر الميم . قال أبو الفضل الرازي : ويجوز أن يكون نصبه على المصدر بمعنى ولو أمددناه بمثله إمدادا ثم ناب المدد مناب الإمداد مثل أنبتكم نباتا . وفي قوله " بشر مثلكم " إعلام بالبشرية والمماثلة في ذلك لا أدعي أني ملك " يوحى إلي " ، أي : علي إنما هو مستند إلى وحي ربي ، ونبه على الوحدانية لأنهم كانوا كفارا بعبادة الأصنام ، ثم حض على ما فيه النجاة و " يرجو " بمعنى يطمع و " لقاء ربه " على تقدير محذوف ، أي : حسن لقاء ربه . وقيل " يرجو " ، أي : يخاف سوء لقاء ربه ، أي : لقاء جزاء ربه ، وحمل الرجاء على بابه أجود لبسط النفس إلى إحسان الله تعالى . ونهى عن الإشراك بعبادة الله تعالى . وقال ابن جبير : لا يرائي في عمله فلا يبتغي إلا وجه ربه خالصا لا يخلط به غيره . قيل نزلت في جندب بن زهير قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال : " إن الله لا يقبل ما شورك فيه " . وروي أنه قال : " لك أجران أجر السر وأجر العلانية " وذلك إذا قصد أن يقتدى به . وقال : هذه آخر آية نزلت من القرآن . معاوية بن أبي سفيان
وقرأ الجمهور " ولا يشرك " بياء الغائب كالأمر في قوله " فليعمل " . وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي عنه : ولا تشرك بالتاء خطابا للسامع والتفاتا من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب ، وهو المأمور بالعمل الصالح ثم عاد إلى الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله بربه ، ولم يأت التركيب بربك إيذانا بأن الضميرين لمدلول واحد وهو من في قوله " فمن كان يرجو " .