قيل : سبب النزول أن رجلا من قريش قيل هو أبي بن خلف جاء بعظم رفات فنفخ فيه ، وقال للرسول : أيبعث هذا ؟ وكذب وسخر ، وإسناد هذه المقالة للجنس بما صدر من بعضهم . كقول : الفرزدق
فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي عن رأس خالد ورقاء
أسند الضرب إلى بني عبس مع قوله ( نبا بيدي ورقاء ) ، وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي . أو للجنس الكافر المنكر للبعث ، أو المعني أبي بن خلف ، أو العاصي بن وائل ، أو أبو جهل ، أو الوليد بن المغيرة ، أقوال .
وقرأ الجمهور ( أئذا ) بهمزة الاستفهام . وقرأت فرقة منهم ابن ذكوان بخلاف عنه ( إذا ) بدون همزة الاستفهام . وقرأ الجمهور ( لسوف ) باللام . وقرأ ( سأخرج ) بغير لام وسين الاستقبال عوض سوف ، فعلى قراءته تكون ( إذا ) معمولا لقوله ( سأخرج ) ؛ لأن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده من الفعل فيما قبله ، على أن فيه خلافا شاذا وصاحبه محجوج بالسماع . قال الشاعر : طلحة بن مصرف
فلما رأته آمنا هان وجدها وقالت أبونا هكذا سوف يفعل
فهكذا منصوب بفعل وهو بحرف الاستقبال . وحكى أن الزمخشري قرأ ( لسأخرج ) ، وأما على قراءة الجمهور وما نقله طلحة بن مصرف من قراءة الزمخشري طلحة فاللام لام الابتداء فلا يعمل ما [ ص: 207 ] بعدها فيما قبلها ، فيقدر العامل محذوفا من معنى ( لسوف أخرج ) تقديره إذا ما مت أبعث .
وقال : فإن قلت لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف الاستقبال ؟ قلت : لم تجامعها إلا مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا ألله للتعويض ، واضمحل عنها معنى التعريف . انتهى . الزمخشري
وما ذكر من أن اللام تعطي معنى الحال مخالف فيه ، فعلى مذهب من لا يقول ذلك يسقط السؤال ، وأما قوله كما أخلصت الهمزة إلى آخره فليس ذلك إلا على مذهب من يزعم أن الأصل فيه إله ، وأما من يزعم أن أصله لاه ، فلا تكون الهمزة فيه للتعويض إذ لم يحذف منه شيء ، ولو قلنا إن أصله إله ، وحذفت فاء الكلمة ، لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض ، إذ لو كانت للعوض من المحذوف لثبتت دائما في النداء وغيره ، ولما جاز حذفها في النداء ، قالوا : يا الله بحذفها وقد نصوا على أن قطع همزة الوصل في النداء شاذ . وقال ابن عطية : واللام في قوله ( لسوف ) مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى ، كأن قائلا قال للكافر : إذا مت يا فلان لسوف تخرج حيا ، فقرر الكلام على الكلام على جهة الاستبعاد ، وكرر اللام حكاية للقول الأول . انتهى . ولا يحتاج إلى هذا التقدير ولا أن هذا حكاية لقول تقدم ، بل هذا من الكافر استفهام فيه معنى الجحد والإنكار ، ومن قرأ ( إذا ما ) أن تكون حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليه ، وإما أن يكون إخبارا على سبيل الهزء والسخرية بمن يقول ذلك إذ لم يرد به مطابقة اللفظ للمعنى . وقرأ الجمهور ( أخرج ) مبنيا للمفعول . وقرأ الحسن وأبو حيوة مبنيا للفاعل . وقال : وإيلاؤه ، أي : وإيلاء الظرف حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ، ومنه جاء إنكارهم فهو كقولك للمسيء إلى المحسن : أحين تمت عليك نعمة فلان أسأت إليه . الزمخشري
وقرأ أبو بحرية والحسن وشيبة وابن أبي ليلى وابن مناذر وأبو حاتم ومن السبعة عاصم وابن عامر ونافع ( أولا يذكر ) خفيفا مضارع ذكر . وقرأ باقي السبعة بفتح الذال والكاف وتشديدهما أصله يتذكر أدغم التاء في الذال . وقرأ أبي يتذكر على الأصل . قال : الواو عاطفة ( لا يذكر ) على ( يقول ) ، ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف . انتهى . وهذا رجوع منه إلى مذهب الجماعة من أن حرف العطف إذا تقدمته الهمزة فإنما عطف ما بعدها على ما قبلها ، وقدمت الهمزة ؛ لأن لها صدر الكلام ، وكان مذهبه أن يقدر بين الهمزة والحرف ما يصلح أن يعطف عليه ما بعد الواو فيقر الهمزة على حالها ، وليست مقدمة من تأخير وقد رددنا عليه هذه المقالة . الزمخشري