[ ص: 467 ] نزلت إلى قوله : ( إلا البلاغ المبين ) في المنافقين بسبب منافق اسمه بشر ، دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعا هو إلى كعب بن الأشرف فنزلت .
ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد أتبع ذلك بذم قوم آمنوا بألسنتهم دون عقائدهم . ( ثم يتولى فريق منهم ) عن الإيمان . ( بعد ذلك ) أي بعد قولهم : ( آمنا ) . ( وما أولئك ) إشارة إلى القائلين فينتفي عن جميعهم الإيمان ، أو إلى الفريق المتولي فيكون ما سبق لهم من الإيمان ليس إيمانا إنما كان ادعاء باللسان من غير مواطأة بالقلب . وأفرد الضمير في ( ليحكم بينهم ) ، وقد تقدم قوله : ( إلى الله ورسوله ) ; لأن حكم الرسول هو عن الله . قال : كقولك أعجبني زيد وكرمه ، يريد كرم زيد ، ومنه : الزمخشري
ومنهل من الفلا في أوسطه غلسته قبل القطا وفرطه
أراد قبل فرط القطا ، انتهى . أي قبل تقدم القطا إليه . وقرأ أبو جعفر : ( ليحكم ) في الموضعين مبنيا للمفعول ، و ( إذا ) الثانية للفجاءة . جواب ( إذا ) الأولى الشرطية ، وهذا أحد الدلائل على أن الجواب لا يعمل في إذا الشرطية خلافا للأكثرين من النحاة ; لأن إذا الفجائية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها . وقد أحكم ذلك في علم النحو . والظاهر أن ( إليه ) متعلق بيأتوا . والضمير في : ( إليه ) عائد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأجاز أن يتعلق : ( إليه ) بمذعنين ، قال : لأنه بمعنى مسرعين في الطاعة ، وهذا أحسن ; لتقدم صلته ودلالته على الاختصاص . وقد رددنا عليه ذلك وفيما رجح تهيئة العامل للعمل وقطعه عن العمل ، وهو مما يضعف ، والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معه إلا الحق المر والعدل البحت يزورون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق ; لئلا تنزعه منهم بقضائك عليهم لخصومهم ، وإن ثبت لهم الحق على خصم أسرع إليك كلهم ولم يرضوا إلا بحكومتك . الزمخشري
( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ) ، ( أم ) هنا منقطعة ، والتقدير : بل ارتابوا بل أيخافون ، وهو استفهام توقيف وتوبيخ ; ليقروا بأحد هذه الوجوه التي عليهم في الإقرار بها ما عليهم ، وهذا التوقيف يستعمل في الأمور الظاهرة مما يوبخ به ويذم ، أو مما يمدح به ، وهو بليغ جدا فمن المبالغة في الذم . قول الشاعر :
ألست من القوم الذين تعاهدوا على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر
ومن المبالغة في المدح . قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
وقسم تعالى جهات صدودهم عن حكومته ، فقال : ( أفي قلوبهم مرض ) أي نفاق وعدم إخلاص . ( أم ارتابوا ) أي عرضت لهم الريبة والشك في نبوته بعد أن كانوا مخلصين . ( أم يخافون ) أي يعرض لهم الخوف من الحيف في الحكومة ، فيكون ذلك ظلما لهم . ثم استدرك ببل إنهم : ( هم الظالمون ) .
وقرأ [ ص: 468 ] علي وابن أبي إسحاق والحسن ( إنما كان قول ) بالرفع ، والجمهور بالنصب . قال : والنصب أقوى ; لأن أولى الاسمين بكونه اسما لكان أوغلهما في التعريف ، و ( الزمخشري أن يقولوا ) أوغل ; لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين . وكان هذا من قبيل ( كان ) في قوله : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد ) ( ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ) ، انتهى . ونص على أن اسم كان وخبرها إذا كانتا معرفتين فأنت بالخيار في جعل ما شئت منهما الاسم والآخر الخبر ، من غير اعتبار شرط في ذلك ولا اختيار . سيبويه
وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن إلياس ( ليحكم بينهم ) ، مبنيا للمفعول ، والمفعول الذي لم يسم فاعله هو ضمير المصدر ، أي ( ليحكم ) هو أي الحكم ، والمعنى ليفعل الحكم ( بينهم ) ومثله قولهم : جمع بينهما وألف بينهما ، وقوله تعالى : ( وحيل بينهم ) . قال : ومثله ( الزمخشري لقد تقطع بينكم ) فيمن قرأ ( بينكم ) منصوبا أي وقع التقطع بينكم ، انتهى . ولا يتعين ما قاله في الآية ; إذ يجوز أن يكون الفاعل ضميرا يعود على شيء قبله ، وتقدم الكلام في ذلك في موضعه .
( أن يقولوا سمعنا ) أي قول الرسول ، ( وأطعنا ) أي أمره . وقرئ : ( ويتقه ) بالإشباع والاختلاس والإسكان . وقرئ : ( ويتقه ) بسكون القاف وكسر الهاء من غير إشباع ، أجرى خبر كان المنفصل مجرى المتصل ، فكما يسكن علم فيقال علم كذلك سكن ويتقه ; لأنه تقه كعلم ، وكما قال السالم :
قالت سليمى اشتر لنا سويقا
يريد اشتر لنا . ( ومن يطع الله ) في فرائضه ، ( ورسوله ) في سننه ، و ( يخشى الله ) على ما مضى من ذنوبه ، ( ويتقه ) فيما يستقبل . وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه .
ولما بلغ المنافقين ما أنزل تعالى فيهم أتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقسموا إلى آخره أي : ( ليخرجن ) عن ديارهم وأموالهم ونسائهم ، و ( لئن أمرتهم ) بالجهاد ( ليخرجن ) إليه ، وتقدم الكلام في ( جهد أيمانهم ) في الأنعام . ونهاهم تعالى عن قسمهم ; لعلمه تعالى أنه ليس حقا . ( طاعة معروفة ) أي : معلومة لا شك فيها ولا يرتاب ، كطاعة الخلص من المؤمنين المطابق باطنهم لظاهرهم ، لا أيمان تقسموا بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها ، أو طاعتكم طاعة معروفة بالقول دون الفعل ، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة ; قاله . وقال الزمخشري ابن عطية : يحتمل معاني .
أحدها : النهي عن القسم الكاذب إذ قد عرف أن طاعتهم دغلة رديئة ، فكأنه يقول : لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه .
والثاني : لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم ، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم .
والثالث : لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم ، هو المطلوب منكم .
والرابع : لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسمة طاعة الله معروفة ، وجهاد عدوه مهيع لائح ، انتهى .
و ( طاعة ) مبتدأ ، و ( معروفة ) صفة ، والخبر محذوف ، أي أمثل وأولى ، أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا أو المطلوب ( طاعة معروفة ) . وقال أبو البقاء : ولو قرئ بالنصب لكان جائزا في العربية ، وذلك على المصدر أي أطيعوا طاعة ، انتهى . وقدراه بالنصب زيد بن علي واليزيدي ، وتقدير بعضهم الرفع على إضمار ولتكن ( طاعة معروفة ) ضعيف ; لأنه لا يحذف الفعل ويبقى الفاعل ، إلا إذا كان ثم مشعر به ، نحو ( رجال ) بعد ( يسبح ) مبنيا للمفعول ، أي يسبحه رجال ، أو يجاب به نفي نحو : بلى زيد لمن قال : ما جاء أحد . أو استفهام نحو قوله :
ألا هل أتى أم الحويرث مرسل بلى خالد إن لم تعقه العوائق
أي أتاها خالد . ( إن الله خبير بما تعملون ) أي مطلع على سرائركم ففاضحكم . والتفت من الغيبة إلى الخطاب ; لأنه أبلغ في تبكيتهم .
ولما بكتهم بأنه مطلع على سرائرهم تلطف بهم ; فأمرهم بطاعة الله والرسول ، وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم . ( فإن تولوا ) أي : فإن تتولوا . ( فإنما عليه ) ، أي : على الرسول ( ما حمل ) وهو التبليغ [ ص: 469 ] ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم . ( وعليكم ما حملتم ) وهو السمع والطاعة واتباع الحق . ثم علق هدايتهم على طاعته فلا يقع إلا بطاعته ، ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) ، تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في المائدة .
روي أن بعض الصحابة شكا جهد مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف ، وأنهم لا يضعون أسلحتهم ، فنزل ( وعد الله الذين آمنوا منكم ) . وروي أنه - عليه الصلاة والسلام - لما قال بعضهم : ما أتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة " . قال : وهذا الوعد وعده الله أمة ابن عباس محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل . والخطاب في ( منكم ) للرسول وأتباعه ، و ( من ) للبيان ، أي : الذين هم أنتم وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم خلفاء . وقوله : ( في الأرض ) ، هي البلاد التي تجاورهم ، وهي جزيرة العرب ، ثم افتتحوا بلاد الشرق والغرب ، ومزقوا ملك الأكاسرة ، وملكوا خزائنهم ، واستولوا على الدنيا . وفي الصحيح : " " . قال بعض العلماء : ولذلك اتسع نطاق الإسلام في الشرق والغرب دون اتساعه في الجنوب والشمال . ( قلت ) : ولا سيما في عصرنا هذا بإسلام معظم العالم في المشرق كقبائل الترك ، وفي المغرب كبلاد السودان التكرور والحبشة وبلاد الهند . زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها
( كما استخلف الذين من قبلهم ) أي بني إسرائيل ، حين أورثهم مصر والشام بعد هلاك الجبابرة . وقيل : هو ما كان في زمان داود وسليمان - عليهما السلام - وكان الغالب على الأرض المؤمنون . وقرئ : ( كما استخلف ) مبنيا للمفعول . واللام في ( ليستخلفنهم ) جواب قسم محذوف ، أي : وأقسم ( ليستخلفنهم ) أو أجرى وعد الله لتحققه مجرى القسم ، فجووب بما يجاوب به القسم . وعلى التقدير حذف القسم بكون معمول ( وعد ) محذوفا ، تقديره استخلافكم وتمكين دينكم . ودل عليه جواب القسم المحذوف . وقال الضحاك : هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ; لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات . وقال : " " انتهى . ويندرج من جرى مجراهم في العدل من استخلف من الخلافة بعدي ثلاثون قريش ، من الأمويين ، والمهتدين بالله في العباسيين . كعمر بن عبد العزيز
( وليمكنن لهم دينهم ) أي : يثبته ويوطده بإظهاره وإعزاز أهله وإذلال الشرك وأهله . و ( الذي ارتضى لهم ) صفة مدح جليلة ، وقد بلغت هذه الأمة في تمكين هذا الدين الغاية القصوى ، مما أظهر الله على أيديهم من الفتوح والعلوم التي فاقوا فيها جميع العالم ، من لدن آدم إلى زمان هذه الملة المحمدية . وقرأ الجمهور : ( وليبدلنهم ) بالتشديد ، وابن كثير وأبو بكر ، والحسن وابن محيصن بالتخفيف . وقال أبو العالية : لما أظهر الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - على جزيرة العرب ، وضعوا السلاح وآمنوا ، ثم قبض الله نبيه - عليه السلام - فكانوا آمنين ، كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان ، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة ، فأدخل الله عليهم الخوف فغيروا فغير الله ما بهم .
( يعبدونني ) الظاهر أنه مستأنف ، فلا موضع له من الإعراب ، كأنه قيل : ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال : ( يعبدونني ) ; قاله . وقال الزمخشري ابن عطية : ( يعبدونني ) فعل مستأنف أي : هم ( يعبدونني ) ، ويعني بالاستئناف الجملة لا نفس الفعل وحده ، وقاله الحوفي ، قال : ويجوز أن يكون مستأنفا على طريق الثناء عليهم ، أي : هم ( يعبدونني ) . وقال : وإن جعلته حالا عن وعدهم ، أي : وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم فمحله النصب ، انتهى . وقال الزمخشري الحوفي قبله . وقال أبو البقاء : ( يعبدونني ) حال من ( ليستخلفنهم ) ، و ( ليبدلنهم ) ( لا يشركون ) بدل من ( يعبدونني ) أو حال [ ص: 470 ] من الفاعل في ( يعبدونني ) موحدين ، انتهى . والظاهر أنه متى أطلق الكفر كان مقابل الإسلام والإيمان ، وهو ظاهر قول حذيفة ، قال : كان النفاق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذهب ولم يبق إلا كفر بعد إيمان . قال ابن عطية : يحتمل أن يريد كفر هذه النعم إذا وقعت ويكون الفسق على هذا غير مخرج عن الملة . قيل : ظهر في قتلة عثمان .
وقال : ( الزمخشري ومن كفر ) يريد كفران النعمة ، كقوله : ( فكفرت بأنعم الله ) ، ( فأولئك هم الفاسقون ) ، أي هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة العظيمة . والظاهر أن قوله : ( وأقيموا ) التفات من الغيبة إلى الخطاب ، ويحسنه الخطاب في ( منكم ) . وقال : ( الزمخشري وأقيموا الصلاة ) معطوف على ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ، وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال ; لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه ، وكررت طاعة الرسول توكيدا لوجوبها ، انتهى .
وقرأ الجمهور ( لا تحسبن ) بتاء الخطاب ، والتقدير ( لا تحسبن ) أيها المخاطب ، ولا يندرج فيه الرسول ، وقالوا : هو خطاب للرسول ، وليس بجيد ; لأن مثل هذا الحسبان لا يتصور وقوعه فيه - عليه السلام - . وقرأ حمزة وابن عامر " لا يحسبن " بالياء للغيبة ، والتقدير لا يحسبن حاسب ، والرسول لا يندرج في حاسب ، وقالوا : يكون ضمير الفاعل للرسول ; لتقدم ذكره في ( وأطيعوا الرسول ) ، قاله أبو علي ، ، وليس بجيد لما ذكرناه في قراءة التاء . وقال والزمخشري النحاس : ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة ، فمنهم من يقول : هي لحن ; لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن ، وممن قال هذا أبو حاتم ، انتهى . وقال الفراء : هو ضعيف ، وأجازه على حذف المفعول الثاني ، وهو قول البصريين ، تقديره أنفسهم . و ( معجزين ) المفعول الثاني .
وقال علي بن سليمان : ( الذين كفروا ) في موضع نصب ، قال : ويكون المعنى ولا يحسبن الكافر ( الذين كفروا معجزين في الأرض ) . وقال الكوفيون : ( معجزين ) المفعول الأول . و ( في الأرض ) الثاني ، قيل : وهو خطأ ، وذلك لأن ظاهر ( في الأرض ) تعلقه بمعجزين ، فلا يكون مفعولا ثانيا . وخرج ذلك متبعا قول الكوفيين . فقال ( الزمخشري معجزين في الأرض ) هما المفعولان ، والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا لهم في مثل ذلك ، وهذا معنى قوي جيد ، انتهى . وقال أيضا : يكون الأصل : لا يحسبنهم ( الذين كفروا معجزين ) ، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول ، وكان الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشيء الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث ، انتهى . وقد رددنا هذا التخريج في آل عمران في قوله : ( لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) ، في قراءة من قرأ بياء الغيبة ، وجعل الفاعل ( الذين يفرحون ) ، وملخصه أنه ليس هذا من الضمائر التي يفسرها ما بعدها ، فلا يتقدر لا يحسبنهم ; إذ لا يجوز ظنه زيد قائما على تقدير رفع زيد بظنه .
( ومأواهم النار ) قال : عطف على ( الزمخشري لا تحسبن ) ، كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله ( ومأواهم النار ) ، والمراد بهم المقسمون جهد أيمانهم ، انتهى . وقال صاحب النظم : لا يحتمل أن يكون ( ومأواهم ) متصلا بقوله : ( لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ) بل هم مقهورون ( ومأواهم النار ) انتهى .
واستبعد العطف من حيث إن ( لا تحسبن ) نهي ، ( ومأواهم النار ) جملة خبرية ، فلم يناسب عنده أن يعطف الجملة الخبرية على جملة النهي ; لتباينهما ، وهذا مذهب قوم . ولما أحس بهذا قال : كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله ، فتأول جملة النهي بجملة خبرية حتى تقع المناسبة ، والصحيح أن ذلك لا يشترط بل يجوز عطف الجمل على اختلافها بعضا على بعض وإن لم تتحد في النوعية ، وهو [ ص: 471 ] مذهب الزمخشري . سيبويه