هذا ابتداء قصص وأخبار بمغيبات وعبر ونكر . ( علما ) لأنه طائفة من العلم . وقال قتادة : " علما " : فهما . وقال مقاتل : علما بالقضاء . وقال ابن عطاء : علما بالله - تعالى - . وقال : أو علما سنيا عزيزا . ( وقالا ) قال : ( فإن قلت ) : أليس هذا موضع الفاء دون الواو ، كقولك : أعطيته فشكر ومنعته فصبر ؟ ( قلت ) : بلى ، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه ، فأضمر ذلك ، ثم عطف عليه التحميد ، كأنه قال : ولقد آتيناهما علما ، فعملا به وعلماه ، وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة ( الزمخشري وقالا الحمد لله ) والكثير المفضل عليه من لم يؤت علما ، أو من يؤت مثل علمهما ، وفي الآية دليل على شرف العلم . انتهى . والموروث : الملك والنبوة ، بمعنى : صار ذلك إليه بعد موت أبيه فسمي ميراثا تجوزا ، كما قيل : العلماء ورثة الأنبياء . وحقيقة الميراث في المال ، والأنبياء لا تورث مالا ، وكان لداود تسعة عشر ولدا ذكرا ، فنبئ سليمان من بينهم وملك . وقيل : ولاه على بني إسرائيل في حياته من بين سائر أولاده ، فكانت الولاية في معنى الوراثة . وقال الحسن : ورث المال ؛ لأن النبوة عطية مبتدأة لا تورث . وقيل : الملك والسياسة . وقيل : النبوة فقط ، والأظهر القول الأول ، ويؤيده قوله : ( علمنا منطق الطير ) فهذا يدل على النبوة ؛ ( وأوتينا من كل شيء ) يدل على الملك ، وكان هذا شرحا للميراث . وقوله : ( إن هذا لهو الفضل المبين ) يقوي ذلك ، ولا يناسب شيء من هذا وراثة المال .
وقوله : ( يا أيها الناس ) تشهير لنعمة الله ، وتنويه بها واعتراف بمكانها ، ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير ، وغير ذلك مما أوتيه من عظائم الأمور . و ( منطق الطير ) استعارة لما يسمع منها من الأصوات ، وهو حقيقة في بني آدم ، لما كان سليمان يفهم منه ما يفهم من كلام بني آدم ، كما يفهم بعض الطير من بعض ، أطلق عليه منطق . وقيل : كانت الطير تكلمه معجزة له ، كقصة الهدهد ، والظاهر أنه علم منطق الطير وعموم الطير . وقيل : علم منطق الحيوان . قيل : والنبات ، حتى كان يمر على الشجرة فتذكر له منافعها ومضارها ، وإنما نص على الطير ، لأنه كان جندا من جنوده ، يحتاج إليه في التظليل من الشمس ، وفي البعث في الأمور . وقال قتادة : : وكذلك كانت هذه النملة القائلة ذات جناحين . وأورد المفسرون مما ذكروا بأن والشعبي سليمان - عليه السلام - أخبر عن كثير من الطير بأنواع من الكلام ، تقديس لله - تعالى - وعظات ، وعبر ما الله أعلم بصحته .
( وأوتينا من كل شيء ) ظاهره العموم ، والمراد الخصوص ، أي من كل شيء يصلح لنا ونتمناه ، وأريد به كثرة ما أوتي ، فكأنه مستغرق لجميع الأشياء . كما تقول : فلان يقصده كل أحد ، يريد كثرة قصاده ، وهذا كقوله تعالى في قصة بلقيس : ( وأوتيت من كل شيء ) ؛ وبني " علمنا " و " أوتينا " للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، [ ص: 60 ] وهو الله - تعالى . وكانا مسندين لنون العظمة لا لتاء المتكلم ؛ لأنه إما أن أراد نفسه وأباه ، أو لما كان ملكا مطاعا خاطب أهل طاعته ومملكته بحاله التي هو عليها ، لا على سبيل التعاظم والتكبر .
( إن هذا لهو الفضل المبين ) إقرار بالنعمة وشكر لها ومحمدة .
روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرون للجن ، ومثلها للإنس ، ومثلها للطير ، ومثلها للوحش ، وألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة منكوحة ، وسبعمائة سرية ، وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ ، ومنبره في وسطه من ذهب ، فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة ، تقعد الأنبياء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين ، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط ، فتسير به مسيرة شهر ، وتفصيل هذه الأشياء يحتاج إلى صحة نقل ، وكان ملكه عظيما ، ملأ الأرض ، وانقاد له أهل المعمور منها . وتقدم لنا أنه ملك الأرض بأسرها أربعة : مؤمنان : سليمان وذو القرنين ، وكافران : بختنصر ونمروذ . وحشر الجنود يقتضي سفرا وفسر الجنود أنهم الجن والإنس والطير ، وذكر المفسرون الوحش رابعا .
( فهم يوزعون ) يحشر أولهم على آخرهم ، أي يوقف متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون ، لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ، أو يكفون عن المسير حتى يجتمعوا . وقيل : يجتمعون من كل جهة . وقيل : يساقون . وقيل : يدفعون . وقيل : يحبسون . كانت الجيوش تسير معه إذا سار ، وتنزل إذا نزل . ( حتى إذا أتوا ) هذه غاية لشيء مقدر ، أي وساروا حتى إذا أتوا ، أو يضمن " يوزعون " معنى فعل يقتضي أن تكون حتى غاية له ، أي فهم يسيرون مكنوفا بعضهم من مفارقة بعض . وعدي " أتوا " بعلى ، إما لأن إتيانهم كان من فوق ، وإما أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم : أتى على الشيء ، إذا أتى على آخره وأنفذه ، كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي ؛ لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم ، قاله . الزمخشري
وقال ابن عطية : والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة في الأرض ، ولذلك يتهيأ حطم النمل بنزولهم في وادي النمل . ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح ، فأحست النمل بنزولهم في وادي النمل ، ووادي النمل قيل بالشام . وقيل : بأقصى اليمن ، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها . وقال كعب :
وادي السدر من الطائف
والظاهر صدور القول من النملة ، وفهم سليمان كلامها ، كما فهم منطق الطير . قال مقاتل : من ثلاثة أميال . وقال الضحاك بلغته الريح كلامها . وقال ابن بحر : نطقت بالصوت معجزة لسليمان ، ككلام الضب والذراع للرسول . وقيل : فهمه إلهاما من الله ، كما فهمه جنس النمل ، لا أنه سمع قولا . وقالالكلبي : أخبره ملك بذلك . قال الشاعر :
لو كنت أوتيت كلام الحكل علم سليمان كلام النمل
[ ص: 61 ] والحكل : ما لا يسمع صوته . وذكروا اختلافا في صغر النملة وكبرها ، وفي اسمها العلم ما لفظه . وليت شعري ، من الذي وضع لها لفظا يخصها ، أبنو آدم أم النمل ؟ وقالوا : كانت نملة عرجاء ، ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنث ، بل يصح أن يقال في المذكر : قالت نملة ، لأن نملة ، وإن كان بالتاء ، هو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث . وما كان كذلك ، كالنملة والقملة ، مما بينه في الجمع وبين واحده من الحيوان تاء التأنيث ، فإنه يخبر عنه إخبار المؤنث ، ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى ؛ لأن التاء دخلت فيه للفرق ، لا دالة على التأنيث الحقيقي ، بل دالة على الواحد من هذا الجنس .
وقال ، وعن الزمخشري قتادة : أنه دخل الكوفة ، فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم . وكان أبو حنيفة حاضرا ، وهو غلام حدث ، فقال : سلوه عن نملة سليمان ، أكانت ذكرا أم أنثى : فسألوه فأفحم ، فقال أبو حنيفة : كانت أنثى . فقيل له : من أين عرفت ؟ فقال : من كتاب الله ، وهو قوله : ( قالت نملة ) ولو كان ذكرا لقال قال نملة . قال : وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما بعلامة ، نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى ، وهو وهي . انتهى . وكان الزمخشري بصيرا بالعربية ، وكونه أفحم ، يدل على معرفته باللسان ، إذ علم أن النملة يخبر عنها إخبار المؤنث ، وإن كانت تنطلق على الأنثى والذكر ، إذ هو مما لا يتميز فيه أحد هذين ، فتذكيره وتأنيثه لا يعلم ذلك من إلحاق العلامة للفعل فتوقف ، إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله . وأما استنباط تأنيثه من كتاب الله من قوله : ( قتادة بن دعامة السدوسي قالت نملة ) ولو كان ذكرا لقال : قال نملة ، وكلام النحاة على خلافه ، وأنه لا يخبر عنه إلا إخبار المؤنث ، سواء كان ذكرا أم أنثى . وأما تشبيه النملة بالحمامة والشاة ، فبينهما قدر مشترك ، وهو إطلاقهما على المذكر والمؤنث ، وبينهما فرق ، وهو أن الحمامة والشاة يتميز فيهما المذكر من المؤنث ، فيمكن أن تقول : حمامة ذكر وحمامة أنثى ، فتميز بالصفة . وأما تمييزه بهو وهي ، فإنه لا يجوز . لا تقول : هو الحمامة ، ولا هو الشاة ؛ وأما النملة والقملة فلا يتميز فيه المذكر من المؤنث ، فلا يجوز فيه في الإخبار إلا التأنيث ، وحكمه حكم المؤنث بالتاء من الحيوان العاقل نحو : المرأة ، أو غير العاقل كالدابة ، إلا إن وقع فصل بين الفعل وبين ما أسند إليه من ذلك ، فيجوز أن تلحق العلامة الفعل ، ويجوز أن لا تلحق ، على ما قرر ذلك في باب الإخبار عن المؤنث في علم العربية . الزمخشري
وقرأ الحسن ، وطلحة ، ، ومعتمر بن سليمان وأبو سليمان التيمي : نملة ، بضم الميم كسمرة ، وكذلك النمل ، كالرجلة والرجل لغتان . وعن : نمل ونمل بضم النون والميم ، وجاء الخطاب بالأمر ، كخطاب من يعقل في قوله : ( ادخلوا ) وما بعده ؛ لأنها أمرت النمل كأمر من يعقل ، وصدر من النمل الامتثال لأمرها . وقرأ سليمان التيمي : مسكنكم ، على الإفراد . وعن شهر بن حوشب أبي : ادخلن مساكنكن " يحطمنكم " مخففة النون التي قبل الكاف . وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، ، وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي ونوح القاضي : بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون ، مضارع حطم مشددا . وعن الحسن : بفتح الياء وإسكان الحاء وشد الطاء ، وعنه كذلك مع كسر الحاء ، وأصله : لا يحتطمنكم من الاحتطام . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وطلحة ، ويعقوب ، وأبو عمرو في رواية عبيد : كقراءة الجمهور ، إلا أنهم سكنوا نون التوكيد . وقرأ : بحذف النون وجزم الميم ، والظاهر أن قوله : ( الأعمش لا يحطمنكم ) بالنون خفيفة أو شديدة ، نهي مستأنف ، وهو من باب : لا أرينك هاهنا ، نهت غير النمل ، والمراد النمل ، أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم ، ولا تكن هنا فأراك . وقال : ( فإن قلت ) : " يحطمنكم " ما هو ؟ ( قلت ) : يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، وأن يكون [ ص: 62 ] هنا بدلا من الأمر ، والذي جوز أن يكون بدلا منه ، لأنه في معنى لا تكونوا ؛ حيث أنتم فيحطمنكم على طريقة لا أرينك هاهنا ، أرادت يحطمنكم جنود سليمان ، فجاءت بما هو أبلغ ، ونحوه : عجبت من نفسي ومن إشفاقها . انتهى . وأما تخريجه على أنه أمر ، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الزمخشري ، إذ هو مجزوم ، مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نفي ، وأما مع وجود نون التوكيد ، فإنه لا يجوز ذلك إلا إن كان في الشعر . وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر ، فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلا في الشعر . وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في النحو ، ومثال مجيء نون التوكيد في جواب الشرط ، قول الشاعر : الأعمش
نبتم نبات الخيزرانة في الثرى حديثا متى يأتك الخير ينفعا
وقول الآخر :
مهما تشا منه فزارة يعطه ومهما تشا منه فزارة يمنعا
قال : وذلك قليل في الشعر ، شبهوه بالنفي حيث كان مجزوما غير واجب . انتهى . وقد تنبه سيبويه أبو البقاء لشيء من هذا قال : وقيل : هو جواب الأمر ، وهو ضعيف ؛ لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار . وأما تخريجه على البدل فلا يجوز ، لأن مدلول ( يحطمنكم ) مخالف لمدلول ( ادخلوا ) . وأما قوله : لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم ، فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، والبدل من صفة الألفاظ . نعم لو كان اللفظ القرآني لا تكونوا حيث أنتم يحطمنكم لتخيل فيه البدل ؛ لأن الأمر بدخول المساكن نهي عن كونهم في ظاهر الأرض . وأما قوله : أنه أراد يحطمنكم جنود سليمان إلى آخر ، فيسوغ زيادة الأسماء ، وهو لا يجوز ، بل الظاهر إسناد الحطم إليه وإلى جنوده ، وهو على حذف مضاف ، أي خيل سليمان وجنوده ، أو نحو ذلك مما يصح تقديره . ( وهم لا يشعرون ) جملة حالية ، أي إن وقع حطم ، فليس ذلك بتعمد منهم ، إنما يقع وهم لا يعلمون بحطمنا ، كقوله : ( فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) وهذا التفات حسن ، أي من عدل سليمان وأتباعه ورحمته ورفقه أن لا يحطم نملة فما فوقها إلا بأن لا يكون لهم شعور بذلك .
وما أحسن ما أتت به هذه النملة في قولها وأغر به وأفصحه وأجمعه للمعاني ، أدركت فخامة ملك سليمان ، فنادت وأمرت وأنذرت . وذكروا أنه جرى بينها وبين سليمان محاورات ، وأهدت له نبقة ، وأنشدوا أبياتا في حقارة ما يهدى إلى العظيم ، والاستعذار من ذلك ، ودعاء سليمان للنمل بالبركة ، والله أعلم بصحة ذلك أو افتعاله . والنمل حيوان قوي الحس شمام جدا ، يدخر القوت ، ويشق الحبة قطعتين لئلا تنبت ، والكزبرة بأربع ؛ لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت ، وتأكل في عامها بعض ما تجمع ، وتدخر الباقي عدة . وفي الحديث : ، خرجه " النهي عن قتل أربع من الدواب : الهدهد والصرد والنملة والنحلة " أبو داود عن . وروي من حديث ابن عباس : وتبسم أبي هريرة سليمان - عليه السلام - إما للعجب بما دل عليه قولها : ( وهم لا يشعرون ) وهو إدراكها رحمته وشفقته ورحمة عسكره ، وإما للسرور بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا ، وهو إدراكه قول ما همس به ، الذي هو مثل في الصغر ، ولذلك دعا أن يوزعه الله شكر ما أنعم به عليه . وانتصب ضاحكا على الحال ، أي شارعا في الضحك ومتجاوزا حد التبسم إلى الضحك ، ولما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب ، كما يقولون ، تبسم تبسم الغضبان ، وتبسم تبسم المستهزئ ، وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح ، أتى بقوله : ( ضاحكا ) . وقرأ ابن السميفع : ضحكا ، جعله مصدرا ؛ لأن تبسم في معنى ضحك ، فانتصابه على المصدرية ، أو على أنه مصدر في موضع الحال ، كقراءة ضاحكا .
( وقال رب أوزعني ) أي اجعلني أزع شكر نعمتك وآلفه وأرتبطه ، حتى لا ينفلت عني ، [ ص: 63 ] حتى لا أنفك شاكرا لك . وقال : أوزعني : اجعلني أشكر . وقال ابن عباس ابن زيد : حرضني . وقال أبو عبيدة : أولعني . وقال : امنعني عن الكفران . وقيل : ألهمني الشكر ، وأدرج ذكر نعمة الله على والديه في أن يشكرهما ، كما الزجاج على نفسه ، يشكر نعمة الله من الدعاء لهما والبر بهما ، ولا سيما إذا كان الولد تقيا لله صالحا ، فإن والديه ينتفعان بدعائه وبدعاء المؤمنين لهما بسببه ، كقولهم : رحم الله من خلفك ، رضي الله عنك وعن والديك . ولما سأل ربه شيئا خاصا ، وهو شكر النعمة ، سأل شيئا عاما ، وهو أن يعمل عملا يرضاه الله - تعالى - فاندرج فيه شكر النعمة ، فكأنه سأل إيزاع الشكر مرتين ، ثم دعا أن يلحق بالصالحين . قال لما يجب للوالد على الولد ابن زيد : هم الأنبياء والمؤمنون ، وكذا عادة الأنبياء أن يطلبوا جعلهم من الصالحين ، كما قال يوسف - عليه السلام - : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) . وقال تعالى ، عن إبراهيم - عليه السلام - : ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) . قيل : لأن كمال الصلاح أن لا يعصي الله - تعالى - ولا يهم بمعصية ، وهذه درجة عالية .