( حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين .
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة على سبيل الإجمال ، بين بعد كيفية أحوال الفريقين ، وما أفضى إليه كل واحد منهما [ ص: 443 ] فقال : ( وسيق ) ، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف ، وهو الغالب فيه . وجواب إذا : ( فتحت أبوابها ) ، ودل ذلك على أنه لا يفتح إلا إذا جاءت ; كسائر أبواب السجون ، فإنها لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فيفتح ثم يغلق عليهم .
وتقدم ذكر قراءة التخفيف والتشديد في ( فتحت ) ، وأبوابها سبعة ، كما ذكر في سورة الحجر .
( وقال لهم خزنتها ) ، على سبيل التقريع والتوبيخ ، ( ألم يأتكم رسل منكم ) أي : من جنسكم ، تفهمون ما ينبئونكم به ، وسهل عليكم مراجعتهم .
وقرأ ابن هرمز : ( تأتكم ) بتاء التأنيث ; والجمهور : بالياء .
( يتلون عليكم آيات ربكم ) أي : الكتب المنزلة للتبشير والنذارة ، ( وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) : وهو يوم القيامة ، وما يلقى فيه المسمى من العذاب ، ( قالوا بلى ) أي : قد جاءتنا ، وتلوا وأنذروا ، وهذا اعتراف بقيام الحجة عليهم ، ( ولكن حقت كلمة العذاب ) أي : قوله تعالى : ( لأملأن جهنم ) .
( على الكافرين ) : وضع الظاهر موضع المضمر ، أي : علينا ، صرحوا بالوصف الموجب لهم العقاب .
ولما فرغت محاورتهم مع الملائكة ، أمروا بدخول النار .
( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) : عبر عن الإسراع بهم إلى الجنة مكرمين بالسوق ، والمسوق دوابهم ؛ لأنهم لا يذهبون إليها إلا راكبين . ولمقابلة قسيمهم ساغ لفظ السوق ، إذ لو لم يتقدم لفظ وسيق لعبر بأسرع ، وإذا شرطية وجوابها قال الكوفيون : وفتحت ، والواو زائدة ; وقال غيره : محذوف .
قال : وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة ، فدل على أنه شيء لا يحيط به الوصف ، وحق موقعه ما بعد خالدين . انتهى . الزمخشري
وقدره بعد خالدين سعدوا . وقيل الجواب : ( المبرد وقال لهم خزنتها ) ، على زيادة الواو ، قيل : ( حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) . ومن جعل الجواب محذوفا ، أو جعله : ( وقال لهم ) ، على زيادة الواو ; وجعل قوله : ( وفتحت ) جملة حالية ، أي : وقد فتحت أبوابها لقوله : ( جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ) . وناسب كونها حالا أن أبواب الأفراح تكون مفتحة لانتظار من يجيء إليها ، بخلاف أبواب السجون .
( وقال لهم خزنتها سلام عليكم ) : يحتمل أن يكون تحية منهم عند ملاقاتهم ، وأن يكون خبرا بمعنى السلامة والأمن .
( طبتم ) أي : أعمالا ومعتقدا ومستقرا وجزاء .
( فادخلوها خالدين ) أي : مقدرين الخلود .
( وقالوا ) أي : الداخلون الجنة ( الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ) أي : ملكناها نتصرف فيها كما نشاء ، تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه . وقيل : ورثوها من أهل النار ، وهي أرض الجنة ، ويبعد قول من قال هي أرض الدنيا ، قاله قتادة وابن زيد والسدي .
( نتبوأ ) منها ، ( حيث نشاء ) : أي نتخذ أمكنة ومساكن . والظاهر أن قوله : ( فنعم أجر العاملين ) : أي بطاعة الله هذا الأجر من كلام الداخلين . وقال مقاتل : هو من كلام الله تعالى .
( وترى الملائكة حافين ) : الخطاب للرسول حافين . قال الأخفش : واحدهم حاف .
وقال الفراء : لا يفرد . وقيل : لأن الواحد لا يكون حافا ، إذ الحفوف : الإحداق بالشيء من حول العرش . قال الأخفش : من زائدة ، أي حافين حول العرش ; وقيل : هي لابتداء الغاية . والظاهر عود الضمير من بينهم على الملائكة ، إذ ثوابهم ، وإن كانوا معصومين ، يكون على حسب تفاضل مراتبهم .
فذلك هو القضاء بينهم بالحق ; وقيل : ضمير ( الحمد لله رب العالمين ) . الظاهر أن قائل ذلك هم من ذوات بينهم ، المخاطبة من الداخلين الجنة ومن خزنتها ، ومن الملائكة الحافين حول العرش ؛ إذ هم في نعيم سرمدي ، منجاة من عذاب الله .
وقال : المقضي بينهم ، إما جميع العباد ، وإما الملائكة ، كأنه قيل : ( الزمخشري وقضي بينهم بالحق ) . وقالوا : ( الحمد لله رب العالمين ) على إفضاله وقضائه بيننا بالحق ، وأنزل كل منا منزلته التي هي حقه .
وقال ابن عطية : وقيل : ( الحمد لله رب العالمين ) خاتمة المجالس المجتمعات في العلم .