العامل في ( ويوم تقوم ) : يخسر ، و ( يومئذ ) : بدل من يوم ، قاله ، وحكاه الزمخشري ابن عطية عن فرقة . والتنوين في يومئذ تنوين العوض عن جملة ، ولم تتقدم جملة إلا قوله : ( ويوم تقوم الساعة ) ، فيصير التقدير : ويوم تقوم يوم إذ تقوم إذ تقوم الساعة يخسر ، ولا مزيد فائدة في قوله : يوم إذ تقوم الساعة ، لأن ذلك مستفاد من ويوم تقوم الساعة . فإن كان بدلا توكيديا ، وهو قليل ، جاز ذلك ، وإلا فلا يجوز أن يكون بدلا . وقالت فرقة العامل في ويوم تقوم ما يدل عليه الملك ، قالوا : وذلك أن يوم القيامة حال ثالثة ليست بالسماء ولا بالأرض ، لأن ذلك يتبدل ، فكأنه قال : ( ولله ملك السماوات والأرض ) ، والملك يوم القيامة ، فحذفه لدلالة ما قبله عليه ، ويومئذ منصوب بـ يخسر ، وهي جملة فيها استئناف ، وإن كان لها تعلق بما قبلها من جهة تنوين العوض . و ( المبطلون ) : الداخلون في الباطل . ( جاثية ) : باركة على الركب مستوفزة ، وهي هيئة المذنب الخائف . وقرئ : جاذية . بالذال ، والجذو أشد استيفازا من الجثو ، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه . وعن : " جاثية " : مجتمعة . وعن ابن عباس قتادة : جماعات ، من الجثوة : وهي الجماعة ، يجمع على جثي ، قال الشاعر :
ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفيح منضد
[ ص: 51 ] وعن مورج السدوسي : " جاثية " : خاضعة ، بلغة قريش . وعن عكرمة : " جاثية " : متميزة . وقرأ يعقوب : ( كل أمة تدعى ) ، بنصب " كل أمة " على البدل بدل النكرة الموصوفة من النكرة ، والظاهر عموم كل أمة من مؤمن وكافر . قال الضحاك : وذلك عند الحساب . وقال : ذلك خاص بالكفار ، تدعى إلى كتابها المنزل عليها ، فتحاكم إليه ، هل وافقته أو خالفته ؟ أو الذي كتبته الحفظة ، وهو صحائف أعمالها أو اللوح المحفوظ ، أو المعنى إلى ما يسبق لها فيه ، أي إلى حسابها ، أقوال . وأفرد كتابها اكتفاء باسم الجنس لقوله : ( يحيى بن سلام ووضع الكتاب ) ، ( اليوم تجزون ) ، ( هذا كتابنا ) ، هو الذي دعيت إليه كل أمة ، وصحت إضافته إليه تعالى لأنه مالكه والآمر بكتبه ، وإليهم لأن أعمالهم مثبتة فيه . والإضافة تكون بأدنى ملابسة ، فلذلك صحت إضافته إليهم وإليه تعالى .( ينطق عليكم ) : يشهد بالحق من غير زيادة ولا نقصان . ( إنا كنا نستنسخ ) : أي الملائكة ، أي نجعلها تنسخ ، أي تكتب . وحقيقة النسخ نقل خط من أصل ينظم فيه ، فأعمال العباد كأنها الأصل . وقال الحسن : هو كتب الحفظة على بني آدم . وعن : يجعل الله الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد ، ثم يمسكونه عندهم ، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك . فبعيد أيضا ، فذلك هو الاستنساخ . وكان يقول ابن عباس : ألستم عربا ؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟ ثم بين حال المؤمن بأنه يدخله في رحمته ، وهو الثواب الذي أعد له ، وأن ذلك هو الظفر بالبغية ، وبين الكافر بأنه يوبخ ويقال له : ( ابن عباس أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم ) عن اتباعها والإيمان بها وكنتم أصحاب جرائم ؟ والفاء في : أفلم ينوي بها التقديم ، وإنما قدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدر الكلام ، والتقدير : فيقال له ألم . وقال : والمعنى ألم يأتكم رسلي ؟ فلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فحذف المعطوف عليه . انتهى . وقد تقدم الكلام معه في زعمه أن بين الفاء والواو إذا تقدمها همزة الاستفهام معطوفا عليه محذوفا ، ورددنا عليه ذلك . الزمخشري
وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد : وإذا قيل أن وعد الله . بفتح الهمزة ، وذلك على لغة سليم ، والجمهور : إن بكسرها . وقرأ الجمهور : ( والساعة ) بالرفع على الابتداء ، ومن زعم أن لاسم إن موضعا جوز العطف عليه هنا ، أو زعم أن لـ ( إن ) واسمها موضعا جوز العطف عليه ، وبالعطف على الموضع لـ ( إن ) واسمها هنا . قال أبو علي : ذكره في الحجة ، وتبعه فقال : وبالرفع عطفا على محل إن واسمها ، والصحيح المنع . الزمخشري وحمزة : بالنصب عطفا على الله ، وهي مروية عن ، الأعمش وأبي عمرو ، وعيسى ، وأبي حيوة ، والعبسي ، والمفضل . ( إن نظن إلا ظنا ) ، تقول : ضربت ضربا ، فإن نفيت ، لم تدخل إلا ، إذ لا يفرغ بالمصدر المؤكد ، فلا تقول : ما ضربت إلا ضربا ، ولا ما قمت إلا قياما . فأما الآية فتؤول على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصا لا مؤكدا ، وتقديره : إلا ظنا ضعيفا ، أو على تضمين : نظن معنى نعتقد ، ويكون ظنا مفعولا به . وقد تأول ذلك بعضهم على وضع إلا في غير موضعها ، وقال : التقدير إن نحن إلا نظن ظنا . وحكي هذا عن ، ونظيره ما حكاه المبرد أبو عمرو بن العلاء من قول العرب : وسيبويه
ليس الطيب إلا المسك
قال المبرد : ليس إلا الطيب المسك . انتهى . واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعا بعد إلا وأنت إذا قلت : ما كان زيد إلا فاضلا نصبت ، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس ، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها ، ويجعل في ليس ضمير الشأن ، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر ، فيصير كالملفوظ به ، في نحو : ما كان إلا زيد قائم . ولم يعرف أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها المبرد بنو تميم معاملة ما ، فلم يعملوها إلا باقية مكانها ، وليس غير عاملة . وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ، ولا تميمي إلا وهو يرفع . في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر ، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو . ونظير ( وأبي عمرو بن العلاء إن نظن إلا ظنا ) [ ص: 52 ] قول الأعشى :
وجد به الشيب أثقاله وما اغتره الشيب إلا اغترارا أي اغترارا بينا . وقال : فإن قلت : ما معنى ( إن نظن إلا ظنا ) ؟ قلت : أصله نظن ظنا ، ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه ، وزيد نفى ما سوى الظن توكيدا بقوله : ( وما نحن بمستيقنين ) . انتهى . وهذا الكلام ممن لا شعور له بالقاعدة النحوية ، من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيره إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه . وقدره بعضهم : إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا ، قال : وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأنه لا يجوز في الكلام : ما ضربت إلا ضربا ، فاهتدى إلى هذه القاعدة النحوية ، وأخطأ في التخريج ، وهو محكي عن الزمخشري ، ولعله لا يصح . وقولهم : إن نظن . دليل على أن الكفار قد أخبروا بأنهم ظنوا البعث واقعا ، ودل قولهم قبل قوله : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا ) ، على أنهم منكرون البعث ، فهم - والله أعلم - فرقتان ، أو اضطربوا ، فتارة أنكروا ، وتارة ظنوا ، وقالوا : ( المبرد إن نظن إلا ظنا ) على سبيل الهزء . ( وبدا لهم سيئات ما عملوا ) : أي قبائح أعمالهم ، أو عقوبات أعمالهم السيئات ، وأطلق على العقوبة سيئة ، كما قال : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) . ( وحاق بهم ) أي أحاط ، ولا يستعمل حاق إلا في المكروه . ( ننساكم ) : نترككم في العذاب ، أو نجعلكم كالشيء المنسي الملقى غير المبالى به . ( كما نسيتم لقاء يومكم ) : أي لقاء جزاء الله على أعمالكم ، ولم تخطروه على بال بعد ما ذكرتم به وتقدم إليكم بوقوعه . وأضاف اللقاء لليوم توسعا كقوله : ( بل مكر الليل والنهار ) . وقرأ الجمهور : ( لا يخرجون ) ، مبنيا للمفعول ، والحسن ، وابن وثاب ، وحمزة ، : مبنيا للفاعل . ( منها ) : أي من النار . ( والكسائي ولا هم يستعتبون ) أي بطلب مراجعة إلى عمل صالح . وتقدم الكلام في الاستعتاب . وقرأ الجمهور : ( رب ) ، بالجر في الثلاثة على الصفة ، وابن محيصن : بالرفع فيهما على إضمار هو .