[ ص: 129 ] أي كثيرا . ( أهلكنا ) : أي قبل قريش . ( هم أشد منهم بطشا ) ، لكثرة قوتهم وأموالهم . وقرأ الجمهور : ( فنقبوا ) ، بفتح القاف مشددة ، والظاهر أن الضمير في نقبوا عائد على كم ، أي دخلوا البلاد من أنقابها . والمعنى : طافوا في البلاد . وقيل : نقروا وبحثوا ، والتنقيب : التنقير والبحث . قال امرؤ القيس في معنى التطواف :
وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وروي : وقد طوفت . وقال الحارث بن خالدة :
نقبوا في البلاد من الموت وجالوا في الأرض كل مجال
و " فنقبوا " متسبب عن شدة بطشهم ، فهي التي أقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه . ويجوز أن يعود الضمير في فنقبوا على قريش ، أي فنقبوا في أسفارهم في بلاد القرون ، فهل رأوا محيصا حتى يؤملوه لأنفسهم ؟ ويدل على عود الضمير على أهل مكة قراءة ، ابن عباس وابن يعمر ، وأبي العالية ، ونصر بن يسار ، وأبي حيوة ، عن والأصمعي أبي عمرو : بكسر القاف مشددة على الأمر لأهل مكة ، أي فسيحوا في البلاد وابحثوا . وقرئ : بكسر القاف خفيفة ، أي نقبت أقدامهم وأخفاف إبلهم ، أو حفيت لكثرة تطوافهم في البلاد ، من نقب خف البعير إذا انتقب ودمي . ويحتمل أن يكون ( هل من محيص ) على إضمار القول ، أي يقولون هل من محيص من الهلاك ؟ واحتمل أن لا يكون ثم قول ، أي لا محيص من الموت ، فيكون توفيقا وتقريرا .
( إن في ذلك ) : أي في إهلاك تلك القرون ، ( لذكرى ) : لتذكرة واتعاظا ، ( لمن كان له قلب ) : أي واع ، والمعنى : لمن له عقل وعبر عنه بمحله ، ومن له قلب لا يعي كمن لا قلب له . وقرأ الجمهور : ( أو ألقى السمع ) ، مبنيا للفاعل ، و " السمع " نصب به ، أي أو أصغى سمعه مفكرا فيه ، و ( شهيد ) : من الشهادة ، وهو الحضور . وقالقتادة : لمن كان له ، قيل : من أهل الكتاب ، فيعتبر ويشهد بصحتها لعلمه بذلك من التوراة ، فشهيد من الشهادة . وقرأ السلمي ، وطلحة ، والسدي ، وأبو البر هشيم : أو ألقي مبنيا للمفعول ، السمع : رفع به ، أي السمع منه ، أي من الذي له قلب . وقيل : المعنى : أو لمن ألقى غيره السمع وفتح له أذنه ولم يحضر ذهنه ، أي الملقي والفاتح والملقى له والمفتوح أذنه حاضر الذهن متفطن . وذكر لعاصم أنها قراءة ، فمقته وقال : أليس يقول يلقون السمع ؟ السدي
( ولقد خلقنا السماوات والأرض ) : نزلت في اليهود تكذيبا لهم في قولهم : إنه تعالى استراح من خلق السماوات والأرض ، ( في ستة أيام ) : يوم السبت ، واستلقى على العرش ، وقيل : التشبيه الذي وقع في هذه الأمة إنما أخذ من اليهود . ( وما مسنا من لغوب ) : احتمل أن تكون جملة حالية ، واحتمل أن تكون استئنافا ، واللغوب : الإعياء . وقرأ الجمهور : بضم اللام ، وعلي ، والسلمي ، وطلحة ، ويعقوب ، بفتحها ، وهما مصدران ، الأول مقيس وهو الضم ، وأما الفتح فغير مقيس ، كالقبول والولوع ، وينبغي أن يضاف إلى تلك الخمسة التي ذكرها ، وزاد سيبويه الوزوع فتصير سبعة . الكسائي
( فاصبر ) ، قيل : منسوخ بآية السيف ، ( على ما يقولون ) : أي اليهود وغيرهم من الكفار قريش وغيرهم ، ( وسبح بحمد ربك ) ، أي فصل ، ( قبل طلوع الشمس ) ، هي صلاة الصبح ، ( وقبل الغروب ) : هي صلاة العصر ، قاله قتادة وابن زيد والجمهور . وقال : قبل الغروب : الظهر والعصر . ( ومن الليل ) : صلاة العشاءين ، ( ابن عباس وقبل الغروب ) : ركعتان قبل المغرب . وفي صحيح مسلم ، عن أنس ما معناه : أن الصحابة كانوا يصلونها قبل المغرب . وقال قتادة : ما أدركت أحدا يصليها إلا أنسا . وقال بعض التابعين : كان الصحابة [ ص: 130 ] يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة . وقال وأبا برزة الأسلمي ابن زيد : هي العشاء فقط . وقال مجاهد : هي صلاة الليل . ( وأدبار السجود ) ، قال أبو الأحوص : هو التسبيح في أدبار الصلوات . وقال عمر ، وعلي ، ، وأبو هريرة والحسن ، ، والشعبي وإبراهيم ، ومجاهد ، : هما ركعتان بعد المغرب . وقال والأوزاعي : هو الوتر بعد العشاء . وقال ابن عباس ، ابن عباس ومجاهد أيضا ، وابن زيد : النوافل بعد الفرائض . وقال مقاتل : ركعتان بعد العشاء ، يقرأ في الأولى : ( قل ياأيها الكافرون ) ، وفي الثانية : ( قل هو الله أحد ) . وقرأ ، ابن عباس وأبو جعفر ، وشيبة ، وعيسى ، ، والأعمش وطلحة ، وشبل ، وحمزة ، والحرميان : وإدبار . بكسر الهمزة ، وهو مصدر ، تقول : أدبرت الصلاة ، انقضت ونمت . وقال وغيره : معناه ووقت انقضاء السجود ، كقولهم : آتيك خفوق النجم . وقرأ الزمخشري الحسن وباقي السبعة : بفتحها ، جمع دبر ، كطنب وأطناب ، أي وفي أدبار السجود : أي أعقابه . قال والأعرج أوس بن حجر :
على دبر الشهر الحرام فأرضنا وما حولها جدب سنون تلمع
( يوم يسمعون ) : بدل من ( يوم ينادي ) ، و ( الصيحة ) : صيحة المنادي . قيل : يسمعون من تحت أقدامهم . وقيل : من تحت شعورهم ، وهي النفخة الثانية ، و ( بالحق ) متعلق بالصيحة ، والمراد به البعث والحشر . ( ذلك ) : أي يوم النداء والسماع ، ( يوم الخروج ) من القبور ، وقيل : الإشارة بذلك إلى النداء ، واتسع في الظرف فجعل خبرا عن المصدر ، أو يكون على حذف ، أي ذلك النداء نداء يوم الخروج ، أو وقت النداء يوم الخروج . وقرأ نافع ، وابن عامر : تشقق بشد الشين ، وباقي السبعة : بتخفيفها . وقرئ : تشقق بضم التاء ، مضارع شققت على البناء للمفعول ، وتنشق مضارع انشقت . وقرأ : تشقق بفك الإدغام ، ذكره زيد بن علي في قراءة أبو علي الأهوازي من تأليفه ، و يوم بدل من " يوم " الثاني . وقيل : منصوب بالمصدر ، وهو الخروج . وقيل : المصير ، وانتصب ( سراعا ) على الحال من الضمير في عنهم ، والعامل تشقق . وقيل : محذوف تقديره [ ص: 131 ] يخرجون ، فهو حال من الواو في يخرجون ، قاله زيد بن علي الحوفي . ويجوز أن يكون هذا المقدر عاملا في ( يوم تشقق ) . ( ذلك حشر علينا يسير ) : فصل بين الموصوف وصفته بمعمول الصفة ، وهو علينا ، أي يسير علينا ، وحسن ذلك كون الصفة فاصلة . وقال : ( الزمخشري علينا يسير ) ، تقديم الظرف يدل على الاختصاص ، يعني لا يتيسر مثل ذلك اليوم العظيم إلا على القادر الذات الذي لا يشغله شأن عن شأن ، كما قال : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) . انتهى ، وهو على طريقه في أن تقديم المفعول وما أشبهه من دلالة ذلك على الاختصاص ، وقد بحثنا معه في ذلك في سورة الفاتحة في ( إياك نعبد ) . ( نحن أعلم بما يقولون ) : هذا وعيد محض للكفار وتهديد لهم ، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم . ( وما أنت عليهم بجبار ) : بمتسلط حتى تجبرهم على الإيمان ، قاله . وقيل : التحلم عنهم ، وترك الغلظة عليهم . ( الطبري فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) : لأن من لا يخاف الوعيد لكونه غير مصدق بوقوعه لا يذكر ، إذ لا تنفع فيه الذكرى ، كما قال : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ، وختمت بقوله : ( فذكر بالقرآن ) ، كما افتتحت بـ ( ق والقرآن ) .