عن عبد الله : ملت الصحابة ملة ، فنزلت ( ألم يأن ) . وعن : عوتبوا بعد ثلاث عشرة سنة . وقيل : كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت . وقرأ الجمهور : ( ألم ) ; ابن عباس والحسن وأبو السمال : ألما . والجمهور : ( يأن ) مضارع أنى حان ; والحسن : يئن مضارع آن حان أيضا ، والمعنى : قرب وقت الشيء . ( أن تخشع ) : تطمئن وتخبت ، وهو من عمل القلب ، ويظهر في الجوارح . وفي الحديث : " " . ( أول [ ص: 223 ] ما يرفع من الناس الخشوع لذكر الله ) : أي لأجل ذكر الله ، كقوله : ( إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) . قيل : أو لتذكير الله إياهم . وقرأ الجمهور : وما نزل مشددا ; ونافع وحفص : مخففا ; والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية يونس وعباس عنه : مبنيا للمفعول مشددا ; وعبد الله : أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل . والجمهور : ( ولا يكونوا ) بياء الغيبة ، عطفا على ( أن تخشع ) ; وأبو حيوة وابن أبي عبلة وإسماعيل عن أبي جعفر ، وعن شيبة ويعقوب وحمزة في رواية عن سليم عنه : ولا تكونوا على سبيل الالتفات ، إما نهيا ، وإما عطفا على ( أن تخشع ) . ( كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) ، وهم معاصرو موسى عليه السلام من بني إسرائيل . حذر المؤمنون أن يكونوا مثلهم في قساوة القلوب ، إذ كانوا إذا سمعوا التوراة رقوا وخشعوا ، ( فطال عليهم الأمد ) : أي انتظار الفتح ، أو انتظار القيامة . وقيل : أمد الحياة . وقرأ الجمهور : الأمد مخفف الدال ، وهي الغاية من الزمان ; وابن كثير : بشدها ، وهو الزمان بعينه الأطول . ( فقست قلوبهم ) : صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة .
( يحيي الأرض بعد موتها ) : يظهر أنه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها ، ولتأثير ذكر الله فيها . كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة ، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة ، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع . وقرأ الجمهور : ( المصدقين والمصدقات ) ، بشد صاديهما ; وابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون : بخفهما ; وأبي : بتاء قبل الصاد فيهما ، فهذه وقراءة الجمهور من الصدقة ، والخف من التصديق ، صدقوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغ عن الله تعالى . قال : فإن قلت : علام عطف قوله : ( وأقرضوا ) ؟ قلت : على معنى الفعل في المصدقين ، لأن اللام بمعنى الذين ، واسم الفاعل بمعنى اصدقوا ، كأنه قيل : إن الذين اصدقوا وأقرضوا . انتهى . واتبع في ذلك الزمخشري أبا علي الفارسي ، ولا يصح أن يكون معطوفا على المصدقين ، لأن المعطوف على الصلة صلة ، وقد فصل بينهما بمعطوف ، وهو قوله : ( والمصدقات ) . ولا يصح أيضا أن يكون معطوفا على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر ، إذ ضمير المتصدقات مؤنث ، وضمير وأقرضوا مذكر ، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه ، لأنه قيل : والذين أقرضوا ، فيكون مثل قوله :
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
يريد : ومن يمدحه ، وصديق من أبنية المبالغة . قال : ولا يكون فيما أحفظ إلا من ثلاثي . وقيل : يجيء من غير الثلاثي كمسيك ، وليس بشيء ، لأنه يقال : مسك وأمسك ، فمسيك من مسك . ( والشهداء ) : الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده ، فيقف على ( الصديقون ) ، وإن شئت فهو من عطف الجمل ، وهذا قول الزجاج ابن عباس ومسروق والضحاك . إن الكلام تام في قوله : ( الصديقون ) ، واختلف هؤلاء ، فبعض قال : الشهداء هم الأنبياء ، يشهدون للمؤمنين بالصديقية لقوله : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) الآية ; وبعض قال : هم الشهداء في سبيل الله تعالى ، استأنف الخبر عنهم ، فكأنه جعلهم صنفا مذكورا وحده لعظم أجرهم . وقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة : والشهداء معطوف على ( الصديقون ) ، والكلام متصل ، يعنون من عطف المفردات ، فبعض قال : جعل الله كل مؤمن صديقا وشهيدا ، قاله مجاهد . وفي الحديث ، من رواية البراء : " مؤمنو أمتي شهداء " ، وإنما ذكر الشهداء السبعة تشريفا لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة ، كما خص المقتول في سبيل الله من السبعة بتشريف تفرد به ، وبعض قال : وصفهم بالصديقية والشهادة من قوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) . ( لهم أجرهم ) : خبر عن الشهداء فقط ، أو عن من جمع بين الوصفين على اختلاف القولين . والظاهر في نورهم أنه حقيقة . وقال مجاهد وغيره : عبارة عن [ ص: 224 ] الهدى والكرامة والبشرى .
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ) : أخبر تعالى بغالب أمرها من اشتمالها على أشياء لا تدوم ولا تجدي ، وأما ما كان من الطاعات وضروري ما يقوم به الأود ، فليس مندرجا في هذه الآية . ( لعب ولهو ) ، كحالة المترفين من الملوك . ( وزينة ) : تحسين لما هو خارج عن ذات الشيء . ( وتفاخر بينكم ) : قراءة الجمهور بالتنوين ونصب بينكم ، والسلمي بالإضافة . ( وتكاثر ) بالعدد والعدد على عادة الجاهلية ، وهذه كلها محقرات ، بخلاف أمر الآخرة ، فإنها مشتملة على أمور حقيقية عظام . قال : وشبه تعالى حال الدنيا وسرعة تقصيها ، مع قلة جدواها ، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتهل ، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات ، فبعث عليهم العاهة ، فهاج واصفر وصار حطاما ، عقوبة لهم على جحودهم ، كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين . انتهى . الزمخشري
وقال ابن عطية : ( كمثل ) في موضع رفع صفة لما تقدم . وصورة هذا المثال أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك ، فيشب ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس ، ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط ، فينشف ويضعف ويسقم ، وتصيبه النوائب في ماله ودينه ، ويموت ويضمحل أمره ، وتصير أمواله لغيره ، وتغير رسومه ، فأمره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق ، ثم هاج ، أي يبس واصفر ، ثم تحطم ، ثم تفرق بالرياح واضمحل . انتهى . قيل : الكفار : الزراع ، من كفر الحب ، أي ستره في الأرض ، وخصوا بالذكر لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة ، فلا يعجبهم إلا المعجب حقيقة . وقيل : من الكفر بالله ، لأنهم أشد تعظيما للدنيا وإعجابا بمحاسنها ; وحطام : بناء مبالغة كعجاب . وقرئ : مصفارا . ولما ذكر ما يئول إليه أمر الدنيا من الفناء ، ذكر ما هو ثابت دائم من أمر الآخرة من العذاب الشديد ، ومن رضاه الذي هو سبب النعيم .