[ ص: 238 ] ( الذين تولوا ) : هم المنافقون ، والمغضوب عليهم : هم اليهود ، عن السدي ومقاتل ، عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية ، فقال عليه الصلاة والسلام : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل ، فقال عليه الصلاة والسلام له : " فعلت " ، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت . والضمير في ( ما هم ) عائد على ( أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ، فدخل الذين تولوا ) ، وهم المنافقون : أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ، ( ولا منهم ) : أي ليسوا من الذين تولوهم ، وهم اليهود . " وما هم " استئناف إخبار بأنهم مذبذبون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما قال عليه الصلاة والسلام : . وقال مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه ابن عطية : يحتمل تأويلا آخر ، وهو أن يكون قوله : ( ما هم ) يريد به اليهود ، وقوله : ( ولا منهم ) يريد به المنافقين ، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن ، لأنهم تولوا مغضوبا عليهم ، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صوابا . انتهى . والظاهر التأويل الأول ، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم . والضمير في ( ويحلفون ) عائد عليهم ، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف . وعلى هذا التأويل يكون ( ما هم ) استئنافا ، وجاز أن يكون حالا من ضمير ( تولوا ) . وعلى احتمال ابن عطية ، يكون ( ما هم ) صفة لقوم . ( ويحلفون على الكذب ) ، إما أنهم ما سبوا ، كما روي في سبب النزول ، أو على أنهم مسلمون . والكذب هو ما ادعوه من الإسلام . ( وهم يعلمون ) : جملة حالية يقبح عليهم ، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا ، فالمعنى : وهم عالمون متعمدون له . والعذاب الشديد : المعد لهم في الآخرة . وقرأ الجمهور : ( أيمانهم ) جمع يمين ; والحسن : إيمانهم ، بكسر الهمزة : أي ما يظهرون من الإيمان ، ( جنة ) : أي ما يتسترون به ويتقون المحدود ، وهو الترس ، ( فصدوا ) : أي أعرضوا ، أو صدوا الناس عن الإسلام ، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله ، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان ، وقتلهم هو سبيل الله فيهم ، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم . ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) : تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران . ( فيحلفون له ) : أي لله تعالى . ألا ترى إلى قولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ؟ ( كما يحلفون لكم ) أنهم مؤمنون ، وليسوا بمؤمنين . والعجب منهم ، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة ، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم ؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب ، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا ، ( ويحسبون أنهم على شيء ) : أي شيء نافع لهم . ( استحوذ عليهم الشيطان ) : أي أحاط بهم من كل جهة ، وغلب على نفوسهم واستولى عليها ، وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى : ( ألم نستحوذ عليكم ) في النساء ، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها ، وجمعها غالبا لها ، ومنه كان أحوذيا نسيج وحده . وقرأ عمر : استحاذ ، أخرجه على الأصل ، والقياس واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال . ( فأنساهم ذكر الله ) : فهم لا يذكرونه ، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم ; و ( حزب الشيطان ) : جنده ، قاله أبو عبيدة . ( أولئك في الأذلين ) : هي أفعل التفضيل ، أي في جملة من هو أذل خلق الله تعالى ، لا ترى أحدا أذل منهم . وعن مقاتل : لما فتح الله مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولهم ، قالوا : نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أبي : [ ص: 239 ] أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها ؟ والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) : ( كتاب ) : أي في اللوح المحفوظ ، أو قضى . وقال قتادة : بمعنى قال ، ( ورسلي ) : أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثت منهم بالحجة . ( إن الله قوي ) : ينصر حزبه ، ( عزيز ) : يمنعه من أن يذل . ( لا تجد قوما ) ، قال ، من باب التخييل : خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوادون المشركين ، والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله . وزاد ذلك تأكيدا بقوله : ( الزمخشري ولو كانوا آباءهم ) . انتهى . وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم ، فنهاهم عن موادتهم . وقال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) ، ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب ، ثم أتى ثالثا بالإخوان لأنهم بهم التعاضد ، كما قيل :
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح
ثم رابعا بالعشيرة ، لأن بها التناصر وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلى ما دعوا إليه ، كما قال :لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا