(
nindex.php?page=treesubj&link=28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) :
[ ص: 72 ] لما كان من المؤمنين ما كان يوم
أحد ، وعتب عليهم الله ما حذر منهم في الآيات التي تقدمت ، أخبرهم بأن الأمم السالفة قتلت أنبياء لهم كثيرون ، أو قتل ربيون كثير معهم ، فلم يلحقهم ما لحقكم من الوهن والضعف ، ولا ثناهم عن القتال فجعهم بقتل أنبيائهم ، أو قتل ربييهم ، بل مضوا قدما في نصرة دينهم صابرين على ما حل بهم . وقتل نبي أو أتباعه من أعظم المصاب ، فكذلك كان ينبغي لكم التأسي بمن مضى من صالحي الأمم السابقة ، هذا وأنتم خير الأمم ، ونبيكم خير الأنبياء . وفي هذه الجملة من العتب لمن فر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقرأ الجمهور " وكأين " ، قالوا : وهي أصل الكلمة ، إذ هي " أي " دخل عليها كاف التشبيه ، وكتبت بنون في المصحف ، ووقف عليها
أبو عمرو .
وسورة بن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، بياء دون نون ، ووقف الجمهور على النون اتباعا للرسم . واعتل لذلك
أبو علي الفارسي بما يوقف عليه في كلامه ، وذلك على عادة المعللين ، ومما جاء على هذه اللغة قول الشاعر :
وكأين في المعاسر من أناس أخوهم فوقهم وهم كرام
وقرأ
ابن كثير : " وكائن " وهي أكثر استعمالا في لسان العرب وأشعارها ، قال :
وكائن رددنا عنكم من مـدجـج
وقرأ
ابن محيصين والأشهب العقيلي : وكأين على مثال كعين . وقرأ بعض القراء من الشواذ " كيئن " ، وهو مقلوب قراءة
ابن محيصين . وقرأ
ابن محيصين أيضا فيما حكاه
الداني كان على مثال كع ، وقال الشاعر :
كان صديق خلته صادق الأخا أبان اختباري أنه لي مداهن
وقرأ
الحسن " كي " بكاف بعدها ياء مكسورة منونة . وقد طول المفسرون -
ابن عطية وغيره - بتعليل هذه التصرفات في " كأين " ، وبما عمل في " كأين " ؛ فلذلك أضربنا عن ذكره صفحا .
وقرأ الحرميان
وأبو عمرو " قتل " مبنيا للمفعول ،
وقتادة كذلك ، إلا أنه شدد التاء ، وباقي السبعة " قاتل " بألف ، فعلا ماضيا . وعلى كل من هذه القراءات يصلح أن يسند الفعل إلى الضمير ، فيكون صاحب الضمير هو الذي قتل أو قتل على معنى التكثير بالنسبة لكثرة الأشخاص ، لا بالنسبة لفرد فرد . إذ القتل لا يتكثر في كل فرد فرد . أو هو قاتل ويكون قوله : " معه ربيون " محتملا أن تكون جملة في موضع الحال ، فيرتفع ربيون بالابتداء ، والظرف قبله خبره ، ولم يحتج إلى الواو لأجل الضمير في " معه " العائد على ذي الحال ، ومحتملا أن يرتفع "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146ربيون " على الفاعلية بالظرف ، ويكون الظرف هو الواقع حالا ، التقدير : كائنا معه ربيون ، وهذا هو الأحسن ؛ لأن وقوع الحال مفردا أحسن من وقوعه جملة . وقد اعتمد الظرف لكونه وقع حالا فيعمل ، وهي حال محكية ؛ فلذلك ارتفع "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146ربيون " بالظرف ، وإن كان العامل ماضيا ؛ لأنه حكى الحال كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وكلبهم باسط ذراعيه ) وذلك على مذهب البصريين . وأما
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وهشام ، فإنه يجوز عندهما إعمال اسم الفاعل الماضي غير المعرف بالألف واللام من غير تأويل ، بكونه حكاية حال ، ويصلح أن يسند الفعل إلى ربيون فلا يكون فيه ضمير ، ويكون الربيون هم الذين قتلوا أو قتلوا أو قاتلوا ، وموضع " كأين " رفع على الابتداء . والظاهر أن خبره بالجملة من قوله : قتل أو قتل أو قاتل ، سواء أرفع الفعل الضمير ، أم الربيين . وجوزوا أن يكون قتل إذا رفع الضمير في موضع الصفة ومعه ربيون في موضع الخبر كما تقول : كم من رجل صالح معه مال . أو في موضع الصفة ، فيكون قد وصف بكونه مقتولا ، أو مقتلا ، أو مقاتلا ، وبكونه معه ربيون كثير . ويكون خبر كأين قد حذف تقديره : في الدنيا أو مضى . وهذا ضعيف ؛ لأن الكلام مستقل بنفسه لا يحتاج إلى تكلف إضمار . وأما إذا رفع الظاهر فجوزوا أن تكون الجملة الفعلية من قتل ومتعلقاتها في موضع الصفة لنبي ، والخبر محذوف . وهذا كما قلنا
[ ص: 73 ] ضعيف . ولما ذكروا أن أصل كأين هو " أي " دخلت عليها كاف التشبيه فجرتها ، فهي عاملة فيها ، كما دخلت على ذا في قولهم : له عندي كذا . وكما دخلت على أن في قولهم : كأن ، ادعى أكثرهم أن كأن بقيت فيها الكاف على معنى التشبيه . وأن كذا وكأن زال عنهما معنى التشبيه . فعلى هذا لا تتعلق الكاف بشيء ، وصار معنى كأين معنى كم ، فلا تدل على التشبيه ألبتة . وقال
الحوفي : أما العامل في الكاف فإن حملناها على حكم الأصل فمحمول على المعنى ، والمعنى : إصابتكم كإصابة من تقدم من الأنبياء وأصحابهم . وإن حملنا الحكم على الانتقال إلى معنى " كم " ، كان العامل بتقدير الابتداء ، وكانت في موضع رفع و " قتل " الخبر . ومن متعلقة بمعنى الاستقرار ، والتقدير الأول أوضح ؛ لحمل الكلام على اللفظ دون المعنى بما يجب من الخفض في " أي " . وإذا كانت " أي " على بابها من معاملة اللفظ ، فـ " من " متعلقة بما تعلقت به الكاف من المعنى المدلول عليه . انتهى كلامه ، وهو كلام فيه غرابة . وجرهم إلى التخليط في هذه الكلمة ادعاؤهم بأنها مركبة من كاف التشبيه ، وأن أصلها " أي " فجرت بكاف التشبيه ، وهي دعوى لا يقوم على صحتها دليل . وقد ذكرنا رأينا فيها أنها بسيطة مبنية على السكون ، والنون من أصل الكلمة وليس بتنوين ، وحملت في البناء على نظيرتها " كم " ، وإلى أن الفعل مسند إلى الضمير .
ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وجماعة ورجح ذلك بأن القصة هي سبب غزوة
أحد وتخاذل المؤمنين حين قتل
محمد - صلى الله عليه وسلم - فضرب المثل بنبي قتل . ويؤيد هذا الترجيح قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144أفإن مات أو قتل " . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وما كان لنبي أن يغل ) : النبي يقتل ، فكيف لا يخان ؟ وإذا أسند لغير النبي كان المعنى تثبيت المؤمنين لفقد من فقد منهم فقط . وإلى أن الفعل مسند إلى الربيين ذهب
الحسن وجماعة . قال هو
nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : لم يقتل نبي في حرب قط . وقال
ابن عطية : قراءة من قرأ قاتل أعم في المدح ؛ لأنه يدخل فيها من قتل ومن بقي . ويحسن عندي على هذه القراءة إسناد الفعل إلى الربيين ، وعلى قراءة " قتل " إسناده إلى " نبي " . انتهى كلامه . ونقول : " قتل " يظهر أنها مدح ، وهي أبلغ في مقصود الخطاب ؛ لأنها نص في وقوع القتل ، ويستلزم المقاتلة . وقاتل لا تدل على القتل ، إذ لا يلزم من المقاتلة وجود القتل . قد تكون مقاتلة ولا يقع قتل . وما ذكر من أنه يحسن عنده ما ذكر لا يظهر حسنه ، بل القراءتان تحتملان الوجهين . وقال
أبو الفتح بن جني : في قراءة
قتادة لا يحسن أن يستند الفعل إلى الربيين ؛ لما فيه من معنى التكثير الذي لا يجوز أن يستعمل في قتل شخص واحد . فإن قيل : يستند إلى نبي مراعاة لمعنى " كأين " ، فالجواب : أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146من نبي " ، ودل الضمير المفرد في " معه " على أن المراد إنما هو التمثيل بواحد واحد ، فخرج الكلام على معنى كأين . قال
أبو الفتح : وهذه القراءة تقوي قول من قال لمن قتل وقاتل : إنما يستند إلى الربيين . انتهى كلامه وليس بظاهر ؛ لأن كأين مثل كم ، وأنت خبير إذا قلت : كم من عان فككته ، فأفردت . راعيت لفظ كم ومعناها الجمع ، وإذا قلت : كم من عان فككتهم ، راعيت معنى كم لا لفظها . وليس معنى مراعاة اللفظ إلا أنك أفردت الضمير والمراد به الجمع ، فلا فرق من حيث المعنى بين فككته وفككتهم ، كذلك لا فرق بين قتلوا معهم ربيون وقتل معه ربيون ، وإنما جاز مراعاة اللفظ تارة ، ومراعاة المعنى تارة ؛ لأن مدلول كم وكأين كثير ، والمعنى جمع كثير . وإذا أخبرت عن جمع كثير فتارة تفرد مراعاة للفظ ، وتارة تجمع مراعاة للمعنى كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أم يقولون نحن جميع منتصر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سيهزم الجمع ويولون الدبر ) فقال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44منتصر " ، وقال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45ويولون " ، فأفرد "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44منتصر " ، وجمع في " يولون " . وقول أبي الفتح في جواب السؤال الذي فرضه : إن اللفظ قد جرى على جهة الإفراد في قوله : من نبي ، أي روعي لفظ كأين لكون تمييزها جاء مفردا - فناسب لما ميزت بمفرد أن
[ ص: 74 ] يراعى لفظها ، والمعنى على الجمع . وقوله : ودل الضمير المفرد في " معه " على أن المراد إنما هو التمثيل بواحد واحد ، هذا المراد مشترك بين أن يفرد الضمير أو يجمع ؛ لأن الضمير المفرد ليس معناه هنا إفراد مدلوله ، بل لا فرق بينه مفردا ومجموعا من حيث المعنى . وإذ لا فرق فدلالته عامة ، وهي دلالته على كل فرد فرد . وقوله : فخرج الكلام عن معنى كأين ، لم يخرج الكلام عن معنى كأين ، إنما خرج عن جمع الضمير على معنى كأين دون لفظها ؛ لأنه إذا أفرد لفظا لم يكن مدلوله مفردا ، إنما يكون جمعا كما قالوا : هو أحسن الفتيان وأجمله ، معناه : وأجملهم . ومن أسند قتل أو قتل إلى ربيون ، فالمعنى عنده : قتل بعضهم . كما تقول : قتل بنو فلان في وقعة كذا ، أي جماعة منهم .
والربي : عابد الرب ، وكسر الراء من تغيير النسب ، كما قالوا : أمسي في النسبة إلى أمس ، قاله
الأخفش . أو الجماعة ، قاله
أبو عبيدة . أو منسوب إلى الربة وهي الجماعة ، ثم جمع بالواو والنون ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . أو الجماعة الكثيرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17417يونس بن حبيب . وربيون منسوب إليها . قال
قطرب : جماعة العلماء على قول
يونس ، وأما المفسرون فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : هم الألوف ، واختاره
الفراء وغيره . عدد ذلك بعض المفسرين ، فقال : هم عشرة آلاف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
والضحاك ،
وقتادة ،
والسدي ،
والربيع : هم الجماعات الكثيرة ، واختاره
ابن قتيبة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
الحسن : هم العلماء الأتقياء الصبر على ما يصيبهم ، واختاره
اليزيدي nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . وقال
ابن زيد : الأتباع ، والربانيون الولاة . وقال
ابن فارس : الصالحون العارفون بالله . وقيل : وزراء الأنبياء . وقال
الضحاك : الربية الواحدة ألف ، والربيون جمعها . وقال
الكلبي : الربية الواحدة عشرة آلاف . وقال
النقاش : هم المكثرون العلم من قولهم : ربا الشيء يربو ، إذا كثر . وهذا لا يصح ؛ لاختلاف المادتين ؛ لأن ربا أصوله راء وباء وواو ، وأصول هذا راء وباء وباء . وقرأ الجمهور بكسر الراء . وقرأ
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعكرمة ،
والحسن ،
وأبو رجاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب بضم الراء ، وهو من تغيير النسب . كما قالوا : دهري بضم الدال ، وهو منسوب إلى الدهر الطويل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - فيما روى
قتادة عنه - بفتح الراء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : هي لغة
تميم ، وكلها لغات ، والضمير في : وهنوا عائد على الربيين ، إن كان الضمير في قتل عائدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان ربيون مسندا إليه الفعل مبنيا للفاعل ، فكذلك ، أو للمفعول فالضمير يعود على من بقي منهم ، إذ المعنى يدل عليه . إذ لا يصح عوده على ربيون لأجل العطف بالفاء ، لما أصابهم في سبيل الله بقتل أنبيائهم أو ربييهم .
وقرأ الجمهور : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وهنوا " بفتح الهاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
والحسن ،
وأبو السمال بكسرها . وهما لغتان ، وهن يهن كوعد يعد ، ووهن يوهن كوجل يوجل . وقرأ
عكرمة وأبو السمال أيضا : " وهنوا " بإسكان الهاء ، كما قالوا نعم في نعم ، وشهد في شهد . وتميم تسكن عين فعل .
وما ضعفوا عن الجهاد بعد ما أصابهم ، وقيل : ما ضعف يقينهم ، ولا انحلت عزيمتهم . وأصل الضعف نقصان القوة ، ثم يستعمل في الرأي والعقل . وقرئ " ضعفوا " بفتح العين ، وحكاها
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي لغة .
"
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وما استكانوا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ما قعدوا عن الجهاد في دينهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ما ذلوا . وقال
عطاء : ما تضرعوا . وقال
مقاتل : ما استسلموا . وقال
أبو العالية : ما جبنوا . وقال
المفضل : ما خشعوا . وقال
قتادة والربيع : ما ارتدوا عن نصرتهم دينهم ، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيهم حتى لحقوا بربهم . وكل هذه أقوال متقاربة . وهذا تعريض لما أصابهم يوم
أحد من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبضعفهم عند ذلك من مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم ، حين أراد بعضهم أن يعتضد بالمنافق
عبد الله بن أبي في طلب الأمان
[ ص: 75 ] من
أبي سفيان .
واستكان ظاهره أنه استفعل من الكون ، فتكون أصل ألفه واوا أو من قول العرب : مات فلان بكينة سوء ، أي بحالة سوء . وكانه يكينه إذا خضعه . قال هذا
الأزهري وأبو علي . فعلى قولهما أصل الألف ياء . وقال
الفراء وطائفة من النحاة : أنه افتعل من السكون ، وأشبعت الفتحة فتولد منها ألف . كما قال : أعوذ بالله من العقراب ، يريد من العقرب ، وهذا الإشباع لا يكون إلا في الشعر . وهذه الكلمة في جميع تصاريفها بنيت على هذا الحرف ، تقول : استكان يستكين فهو مستكين ومستكان له ، والإشباع لا يكون على هذا الحد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146والله يحب الصابرين ) : أي على قتال عدوهم . قاله الجمهور . أو على دينهم وقتال الكفار . والظاهر العموم لكل صابر على ما أصابه من قتل في سبيل الله ، أو جرح ، أو بلاء ، أو أذى يناله بقول أو فعل ، أو مصيبة في نفسه ، أو أهله ، أو ماله ، أو ما يجري مجرى ذلك . وكثيرا ما تمدحت العرب بالصبر وحرصت عليه كما قال
طرفة بن العبد :
وتشكي النفس ما أصاب بها فاصبري إنك من قوم صبر
إن تلاقي سفسالا بلغنا فرح الخير ولا تكبوا لضر
(
nindex.php?page=treesubj&link=28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ) :
[ ص: 72 ] لَمَّا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يَوْمَ
أُحُدٍ ، وَعَتَبَ عَلَيْهِمُ اللَّهُ مَا حَذَّرَ مِنْهُمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ ، أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ قَتَلَتْ أَنْبِيَاءً لَهُمْ كَثِيرُونَ ، أَوْ قُتِلَ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ مَعَهُمْ ، فَلَمْ يَلْحَقْهُمْ مَا لَحِقَكُمْ مِنَ الْوَهْنِ وَالضَّعْفِ ، وَلَا ثَنَاهُمْ عَنِ الْقِتَالِ فَجْعُهُمْ بِقَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ ، أَوْ قَتْلِ رِبِّيِّيهِمْ ، بَلْ مَضَوْا قُدُمًا فِي نُصْرَةِ دِينِهِمْ صَابِرِينَ عَلَى مَا حَلَّ بِهِمْ . وَقَتْلُ نَبِيٍّ أَوْ أَتْبَاعِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَابِ ، فَكَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي لَكُمُ التَّأَسِّي بِمَنْ مَضَى مِنْ صَالِحِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ ، هَذَا وَأَنْتُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ ، وَنَبِيُّكُمْ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ . وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْعَتْبِ لِمَنْ فَرَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " وَكَأَيِّنْ " ، قَالُوا : وَهِيَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ ، إِذْ هِيَ " أَيٌّ " دَخَلَ عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ ، وَكُتِبَتْ بِنُونٍ فِي الْمُصْحَفِ ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا
أَبُو عَمْرٍو .
وَسَوْرَةُ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ ، بِيَاءٍ دُونَ نُونٍ ، وَوَقَفَ الْجُمْهُورُ عَلَى النُّونِ اتْبَاعًا لِلرَّسْمِ . وَاعْتَلَّ لِذَلِكَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ ، وَذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الْمُعَلِّلِينَ ، وَمِمَّا جَاءَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَكَأَيِّنْ فِي الْمَعَاسِرِ مِنْ أُنَاسٍ أَخُوهُمْ فَوْقَهُمْ وَهُمُ كِرَامُ
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ : " وَكَائِنْ " وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا ، قَالَ :
وَكَائِنْ رَدَدْنَا عَنْكُمُ مِنْ مُـدَجَّـجٍ
وَقَرَأَ
ابْنُ مُحَيْصِينٍ وَالْأَشْهَبُ الْعَقِيلِيُّ : وَكَأَيِّنْ عَلَى مِثَالِ كَعَيِّنْ . وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مِنَ الشَّوَاذِّ " كَيْئِنْ " ، وَهُوَ مَقْلُوبُ قِرَاءَةِ
ابْنِ مُحَيْصِينٍ . وَقَرَأَ
ابْنُ مُحَيْصِينٍ أَيْضًا فِيمَا حَكَاهُ
الدَّانِي كَانَ عَلَى مِثَالِ كَعِ ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
كَانَ صَدِيقٌ خِلْتُهُ صَادِقَ الْأَخَا أَبَانَ اخْتِبَارِي أَنَّهُ لِي مُدَاهِنُ
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ " كَيٍّ " بِكَافٍ بَعْدَهَا يَاءٌ مَكْسُورَةٌ مُنَوَّنَةٌ . وَقَدْ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ -
ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ - بِتَعْلِيلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي " كَأَيِّنْ " ، وَبِمَا عُمِلَ فِي " كَأَيِّنْ " ؛ فَلِذَلِكَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ صَفْحًا .
وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ
وَأَبُو عَمْرٍو " قُتِّلَ " مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ،
وَقَتَادَةُ كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ التَّاءَ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ " قَاتَلَ " بِأَلِفٍ ، فِعْلًا مَاضِيًا . وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ يَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ الْفِعْلُ إِلَى الضَّمِيرِ ، فَيَكُونُ صَاحِبُ الضَّمِيرِ هُوَ الَّذِي قُتِلَ أَوْ قُتِّلَ عَلَى مَعْنَى التَّكْثِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِكَثْرَةِ الْأَشْخَاصِ ، لَا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْدٍ فَرْدٍ . إِذِ الْقَتْلُ لَا يَتَكَثَّرُ فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ . أَوْ هُوَ قَاتِلٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ : " مَعَهُ رِبِّيُّونَ " مُحْتَمِلًا أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، فَيَرْتَفِعُ رِبِّيُّونَ بِالِابْتِدَاءِ ، وَالظَّرْفُ قَبْلَهُ خَبَرُهُ ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْوَاوِ لِأَجْلِ الضَّمِيرِ فِي " مَعَهُ " الْعَائِدِ عَلَى ذِي الْحَالِ ، وَمُحْتَمِلًا أَنْ يَرْتَفِعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146رِبِّيُّونَ " عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِالظَّرْفِ ، وَيَكُونَ الظَّرْفُ هُوَ الْوَاقِعُ حَالًا ، التَّقْدِيرُ : كَائِنًا مَعَهُ رِبِّيُّونَ ، وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحَالِ مُفْرَدًا أَحْسَنُ مِنْ وُقُوعِهِ جُمْلَةً . وَقَدِ اعْتُمِدَ الظَّرْفُ لِكَوْنِهِ وَقَعَ حَالًا فَيَعْمَلُ ، وَهِيَ حَالٌ مَحْكِيَّةٌ ؛ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146رِبِّيُّونَ " بِالظَّرْفِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مَاضِيًا ؛ لِأَنَّهُ حَكَى الْحَالَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ ) وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ . وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَهِشَامٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ الْمَاضِي غَيْرِ الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ ، بِكَوْنِهِ حِكَايَةَ حَالٍ ، وَيَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ الْفِعْلُ إِلَى رِبِّيُّونَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ ضَمِيرٌ ، وَيَكُونُ الرِّبِّيُّونَ هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا أَوْ قُتِّلُوا أَوْ قَاتَلُوا ، وَمَوْضِعُ " كَأَيِّنْ " رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَبَرَهُ بِالْجُمْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ : قُتِلَ أَوْ قُتِّلَ أَوْ قَاتَلَ ، سَوَاءٌ أَرَفَعَ الْفِعْلُ الضَّمِيرَ ، أَمِ الرِّبِّيِّينَ . وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ قُتِلَ إِذَا رُفِعَ الضَّمِيرُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ كَمَا تَقُولُ : كَمْ مِنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مَعَهُ مَالٌ . أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ، فَيَكُونُ قَدْ وُصِفَ بِكَوْنِهِ مَقْتُولًا ، أَوْ مُقَتَّلًا ، أَوْ مُقَاتِلًا ، وَبِكَوْنِهِ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ . وَيَكُونُ خَبَرُ كَأَيِّنْ قَدْ حُذِفَ تَقْدِيرُهُ : فِي الدُّنْيَا أَوْ مَضَى . وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفِ إِضْمَارٍ . وَأَمَّا إِذَا رَفَعَ الظَّاهِرَ فَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ مِنْ قُتِلَ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِنَبِيٍّ ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ . وَهَذَا كَمَا قُلْنَا
[ ص: 73 ] ضَعِيفٌ . وَلَمَّا ذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ كَأَيِّنْ هُوَ " أَيٍّ " دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ فَجَرَّتْهَا ، فَهِيَ عَامِلَةٌ فِيهَا ، كَمَا دَخَلَتْ عَلَى ذَا فِي قَوْلِهِمْ : لَهُ عِنْدِي كَذَا . وَكَمَا دَخَلَتْ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ : كَأَنَّ ، ادَّعَى أَكْثَرُهُمْ أَنَّ كَأَنَّ بَقِيَتْ فِيهَا الْكَافُ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ . وَأَنَّ كَذَا وَكَأَنَّ زَالَ عَنْهُمَا مَعْنَى التَّشْبِيهِ . فَعَلَى هَذَا لَا تَتَعَلَّقُ الْكَافُ بِشَيْءٍ ، وَصَارَ مَعْنَى كَأَيِّنْ مَعْنَى كَمْ ، فَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّشْبِيهِ أَلْبَتَّةَ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : أَمَّا الْعَامِلُ فِي الْكَافِ فَإِنْ حَمَلْنَاهَا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى ، وَالْمَعْنَى : إِصَابَتْكُمْ كَإِصَابَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَصْحَابِهِمْ . وَإِنْ حَمَلْنَا الْحُكْمَ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى مَعْنَى " كَمْ " ، كَانَ الْعَامِلُ بِتَقْدِيرِ الِابْتِدَاءِ ، وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَ " قُتِلَ " الْخَبَرُ . وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ ، وَالتَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ ؛ لِحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى بِمَا يَجِبُ مِنَ الْخَفْضِ فِي " أَيٍّ " . وَإِذَا كَانَتْ " أَيٍّ " عَلَى بَابِهَا مِنْ مُعَامَلَةِ اللَّفْظِ ، فَـ " مِنْ " مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَافُ مِنَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ . انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ غَرَابَةٌ . وَجَرَّهُمْ إِلَى التَّخْلِيطِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ ادِّعَاؤُهُمْ بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ ، وَأَنَّ أَصْلَهَا " أَيٌّ " فَجُرَّتْ بِكَافِ التَّشْبِيهِ ، وَهِيَ دَعْوَى لَا يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهَا دَلِيلٌ . وَقَدْ ذَكَرْنَا رَأْيَنَا فِيهَا أَنَّهَا بَسِيطَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ ، وَالنُّونُ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ وَلَيْسَ بِتَنْوِينٍ ، وَحُمِلَتْ فِي الْبِنَاءِ عَلَى نَظِيرَتِهَا " كَمْ " ، وَإِلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ إِلَى الضَّمِيرِ .
ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ هِيَ سَبَبُ غَزْوَةِ
أُحُدٍ وَتَخَاذُلِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ قُتِلَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضُرِبَ الْمَثَلُ بِنَبِيٍّ قُتِلَ . وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّرْجِيحَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ " . وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) : النَّبِيُّ يُقْتَلُ ، فَكَيْفَ لَا يُخَانُ ؟ وَإِذَا أُسْنِدَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ كَانَ الْمَعْنَى تَثْبِيتُ الْمُؤْمِنِينَ لِفَقْدِ مَنْ فُقِدَ مِنْهُمْ فَقَطْ . وَإِلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ إِلَى الرِّبِّيِّينَ ذَهَبَ
الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ . قَالَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرَ : لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ فِي حَرْبٍ قَطُّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ قَاتَلَ أَعَمُّ فِي الْمَدْحِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا مَنْ قُتِلَ وَمَنْ بَقِيَ . وَيَحْسُنُ عِنْدِي عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى الرِّبِّيِّينَ ، وَعَلَى قِرَاءَةِ " قُتِلَ " إِسْنَادُهُ إِلَى " نَبِيٍّ " . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَنَقُولُ : " قُتِلَ " يَظْهَرُ أَنَّهَا مَدْحٌ ، وَهِيَ أَبْلَغُ فِي مَقْصُودِ الْخِطَابِ ؛ لِأَنَّهَا نَصٌّ فِي وُقُوعِ الْقَتْلِ ، وَيَسْتَلْزِمُ الْمُقَاتَلَةَ . وَقَاتَلَ لَا تَدُّلُ عَلَى الْقَتْلِ ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وُجُودُ الْقَتْلِ . قَدْ تَكُونُ مُقَاتَلَةً وَلَا يَقَعُ قَتْلٌ . وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَحْسُنُ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ لَا يَظْهَرُ حُسْنُهُ ، بَلِ الْقِرَاءَتَانِ تَحْتَمِلَانِ الْوَجْهَيْنِ . وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي : فِي قِرَاءَةِ
قَتَادَةَ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَسْتَنِدَ الْفِعْلُ إِلَى الرِّبِّيِّينَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّكْثِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي قَتْلِ شَخْصٍ وَاحِدٍ . فَإِنْ قِيلَ : يَسْتَنِدُ إِلَى نَبِيٍّ مُرَاعَاةً لِمَعْنَى " كَأَيِّنْ " ، فَالْجَوَابُ : أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ مَشَى عَلَى جِهَةِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146مِنْ نَبِيٍّ " ، وَدَلَّ الضَّمِيرُ الْمُفْرَدُ فِي " مَعَهُ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ التَّمْثِيلُ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى كَأَيِّنْ . قَالَ
أَبُو الْفَتْحِ : وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ لِمَنْ قُتِلَ وَقَاتَلَ : إِنَّمَا يَسْتَنِدُ إِلَى الرِّبِّيِّينَ . انْتَهَى كَلَامُهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ كَأَيِّنْ مِثْلَ كَمْ ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ إِذَا قُلْتَ : كَمْ مِنْ عَانٍ فَكَكْتُهُ ، فَأَفْرَدْتَ . رَاعَيْتَ لَفْظَ كَمْ وَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ ، وَإِذَا قُلْتَ : كَمْ مِنْ عَانٍ فَكَكْتُهُمْ ، رَاعَيْتَ مَعْنَى كَمْ لَا لَفْظَهَا . وَلَيْسَ مَعْنَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّكَ أَفْرَدْتَ الضَّمِيرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ ، فَلَا فَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْن فَكَكْتُهُ وَفَكَكْتُهُمْ ، كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ قُتِلُوا مَعَهُمْ رِبِّيُّونَ وَقُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ ، وَإِنَّمَا جَازَ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ تَارَةً ، وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى تَارَةً ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ كَمْ وَكَأَيِّنْ كَثِيرٌ ، وَالْمَعْنَى جَمْعٌ كَثِيرٌ . وَإِذَا أُخْبِرْتَ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فَتَارَةً تُفْرِدُ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ ، وَتَارَةً تَجْمَعُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) فَقَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44مُنْتَصِرٌ " ، وَقَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45وَيُوَلُّونَ " ، فَأَفْرَدَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44مُنْتَصِرٌ " ، وَجَمَعَ فِي " يُوَلُّونَ " . وَقَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الَّذِي فَرَضَهُ : إِنَّ اللَّفْظَ قَدْ جَرَى عَلَى جِهَةِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ : مِنْ نَبِيٍّ ، أَيْ رُوعِيَ لَفْظُ كَأَيِّنْ لِكَوْنِ تَمْيِيزِهَا جَاءَ مُفْرَدًا - فَنَاسَبَ لَمَّا مُيِّزَتْ بِمُفْرَدٍ أَنْ
[ ص: 74 ] يُرَاعَى لَفْظُهَا ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ . وَقَوْلُهُ : وَدَلَّ الضَّمِيرُ الْمُفْرَدُ فِي " مَعَهُ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ التَّمْثِيلُ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ ، هَذَا الْمُرَادُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَنْ يُفْرَدَ الضَّمِيرُ أَوْ يُجْمَعَ ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُفْرَدَ لَيْسَ مَعْنَاهُ هُنَا إِفْرَادُ مَدْلُولِهِ ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى . وَإِذْ لَا فَرْقَ فَدَلَالَتُهُ عَامَّةٌ ، وَهِيَ دَلَالَتُهُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ . وَقَوْلُهُ : فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَنْ مَعْنَى كَأَيِّنْ ، لَمْ يَخْرُجِ الْكَلَامُ عَنْ مَعْنَى كَأَيِّنْ ، إِنَّمَا خَرَجَ عَنْ جَمْعِ الضَّمِيرِ عَلَى مَعْنَى كَأَيِّنْ دُونَ لَفْظِهَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أُفْرِدَ لَفْظًا لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُهُ مُفْرَدًا ، إِنَّمَا يَكُونُ جَمْعًا كَمَا قَالُوا : هُوَ أَحْسَنُ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلُهُ ، مَعْنَاهُ : وَأَجْمَلُهُمْ . وَمَنْ أَسْنَدَ قُتِلَ أَوْ قُتِّلَ إِلَى رِبِّيُّونَ ، فَالْمَعْنَى عِنْدَهُ : قُتِلَ بَعْضُهُمْ . كَمَا تَقُولُ : قُتِلَ بَنُو فُلَانٍ فِي وَقْعَةِ كَذَا ، أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ .
وَالرِّبِّيُّ : عَابِدُ الرَّبِّ ، وَكُسِرَ الرَّاءُ مِنْ تَغْيِيرِ النِّسَبِ ، كَمَا قَالُوا : أَمْسِيٌّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى أَمْسِ ، قَالَهُ
الْأَخْفَشُ . أَوِ الْجَمَاعَةُ ، قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ . أَوْ مَنْسُوبٌ إِلَى الرِّبَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، ثُمَّ جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ . أَوِ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17417يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ . وَرِبِّيُّونَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا . قَالَ
قُطْرُبٌ : جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ
يُونُسَ ، وَأَمَّا الْمُفَسِّرُونَ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْأُلُوفُ ، وَاخْتَارَهُ
الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ . عَدَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ، فَقَالَ : هُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
وَالضَّحَّاكُ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَالسُّدِّيُّ ،
وَالرَّبِيعُ : هُمُ الْجَمَاعَاتُ الْكَثِيرَةُ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الْحَسَنِ : هُمُ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الصُّبَّرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ
الْيَزِيدِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْأَتْبَاعُ ، وَالرَّبَّانِيُّونَ الْوُلَاةُ . وَقَالَ
ابْنُ فَارِسٍ : الصَّالِحُونَ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ . وَقِيلَ : وُزَرَاءُ الْأَنْبِيَاءِ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : الرِّبِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ أَلْفٌ ، وَالرِّبِّيُونَ جَمْعُهَا . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : الرِّبِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ . وَقَالَ
النَّقَّاشُ : هُمُ الْمُكْثِرُونَ الْعِلْمَ مِنْ قَوْلِهِمْ : رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو ، إِذَا كَثُرَ . وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ رِبَا أُصُولُهُ رَاءٌ وَبَاءٌ وَوَاوٌ ، وَأُصُولُ هَذَا رَاءٌ وَبَاءٌ وَبَاءٌ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الرَّاءِ . وَقَرَأَ
عَلِيٌّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَأَبُو رَجَاءٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16571وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ النَّسَبِ . كَمَا قَالُوا : دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِّ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الدُّهْرِ الطَّوِيلِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - فِيمَا رَوَى
قَتَادَةُ عَنْهُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي : هِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ ، وَالضَّمِيرُ فِي : وَهَنُوا عَائِدٌ عَلَى الرِّبِّيِّينَ ، إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي قُتِلَ عَائِدًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ رِبِّيُّونَ مُسْنَدًا إِلَيْهِ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، فَكَذَلِكَ ، أَوْ لِلْمَفْعُولِ فَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ، إِذِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ . إِذْ لَا يَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى رِبِّيُّونَ لِأَجْلِ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ ، لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِقَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ أَوْ رِبِّيِّيهِمْ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَهَنُوا " بِفَتْحِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَأَبُو السَّمَّالِ بِكَسْرِهَا . وَهُمَا لُغَتَانِ ، وَهَنَ يَهِنُ كَوَعَدَ يَعِدُ ، وَوَهَنَ يَوْهَنُ كَوَجَلَ يَوْجَلُ . وَقَرَأَ
عِكْرِمَةُ وَأَبُو السَّمَّالِ أَيْضًا : " وَهْنُوا " بِإِسْكَانِ الْهَاءِ ، كَمَا قَالُوا نَعْمٌ فِي نَعَمْ ، وَشَهْدَ فِي شَهَدَ . وَتَمِيمُ تُسَكِّنُ عَيْنَ فَعْلَ .
وَمَا ضَعُفُوا عَنِ الْجِهَادِ بَعْدَ مَا أَصَابَهُمْ ، وَقِيلَ : مَا ضَعُفَ يَقِينُهُمْ ، وَلَا انْحَلَّتْ عَزِيمَتُهُمْ . وَأَصْلُ الضَّعْفَ نُقْصَانُ الْقُوَّةِ ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ . وَقُرِئَ " ضَعَفُوا " بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَحَكَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ لُغَةً .
"
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَمَا اسْتَكَانُوا " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : مَا قَعَدُوا عَنِ الْجِهَادِ فِي دِينِهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : مَا ذَلُّوا . وَقَالَ
عَطَاءٌ : مَا تَضَرَّعُوا . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : مَا اسْتَسْلَمُوا . وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةَ : مَا جَبُنُوا . وَقَالَ
الْمُفَضَّلُ : مَا خَشَعُوا . وَقَالَ
قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ : مَا ارْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتِهِمْ دِينَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِرَبِّهِمْ . وَكُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ . وَهَذَا تَعْرِيضٌ لِمَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ
أُحُدٍ مِنَ الْوَهْنِ وَالِانْكِسَارِ عِنْدَ الْإِرْجَافِ بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِضَعْفِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتِكَانَتِهِمْ لَهُمْ ، حِينَ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَعْتَضِدَ بِالْمُنَافِقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ
[ ص: 75 ] مِنْ
أَبِي سُفْيَانَ .
وَاسْتَكَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْكَوْنِ ، فَتَكُونُ أَصْلُ أَلِفِهِ وَاوًا أَوْ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : مَاتَ فُلَانٌ بِكِينَةِ سُوءٍ ، أَيْ بِحَالَةِ سُوءٍ . وَكَانَهُ يَكِينُهُ إِذَا خَضَّعَهُ . قَالَ هَذَا
الْأَزْهَرِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ . فَعَلَى قَوْلِهِمَا أَصْلُ الْأَلِفِ يَاءٌ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النُّحَاةِ : أَنَّهُ افْتَعَلَ مِنَ السُّكُونِ ، وَأُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ فَتَوَلَّدَ مِنْهَا أَلِفٌ . كَمَا قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَقْرَابِ ، يُرِيدُ مِنَ الْعَقْرَبِ ، وَهَذَا الْإِشْبَاعُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ . وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي جَمِيعِ تَصَارِيفِهَا بُنِيَتْ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ ، تَقُولُ : اسْتَكَانَ يَسْتَكِينُ فَهُوَ مُسْتَكِينٌ وَمُسْتَكَانٌ لَهُ ، وَالْإِشْبَاعُ لَا يَكُونُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) : أَيْ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ . قَالَهُ الْجُمْهُورُ . أَوْ عَلَى دِينِهِمْ وَقِتَالِ الْكُفَّارِ . وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ لِكُلِّ صَابِرٍ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ قَتْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ جُرْحٍ ، أَوْ بَلَاءٍ ، أَوْ أَذًى يَنَالُهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، أَوْ مُصِيبَةٍ فِي نَفْسِهِ ، أَوْ أَهْلِهِ ، أَوْ مَالِهِ ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ . وَكَثِيرًا مَا تَمَدَّحَتِ الْعَرَبُ بِالصَّبْرِ وَحَرَصَتْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ
طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ :
وَتَشَكِّي النَّفْسُ مَا أَصَابَ بِهَا فَاصْبِرِي إِنَّكِ مِنْ قَوْمٍ صُبُرُ
إِنْ تُلَاقِي سَفْسَالًا بَلَغْنَا فُرُحَ الْخَيْرِ وَلَا تَكْبُوَا لِضُر