وذات حليل أنكحتها رماحنا حلال لمن يبني بها لم تطلق
وقيل : المحصنات المزوجات ، والمستثنى هن الإماء ، فتحرم المزوجات إلا ما ملك منهن بشراء ، أو هبة ، أو صدقة ، أو إرث . فإن مالكها أحق ببضعها من الزوج ، وبيعها ، وهبتها ، والصدقة بها ، وإرثها طلاق لها . وإلى هذا ذهب ، الأعمش وأبو جابر ، أيضا ، و وابن عباس سعيد ، والحسن . وذهب عمرو بن عباس أيضا ، وأبو العالية ، و عبيدة ، و ، طاوس ، و وابن جبير عطاء : إلى أن المحصنات هن العفائف ، وأريد به كل النساء حرام ، والشرائع كلها تقتضي ذلك . والمستثنى معناه : إلا ما ملكت أيمانكم بنكاح أو بملك ، فيدخل ذلك كله تحت ملك اليمين . وبهذا التأويل يكون المعنى تحريم الزنا . وروي عن عمر في المحصنات أنهن الحرائر ؟ فعلى هذا يكون قوله : إلا ما ملكت أيمانكم أي : بنكاح إن كان الاستثناء متصلا ، وإن كان أريد به الإماء كان منقطعا . قيل : والذي يقتضيه لفظ الإحصان - إن تعلق بالقدر المشترك بين معانيه - الأربعة ، وإن اختلفت جهات الإحصان ، ويحمل قوله : إلا ما ملكت أيمانكم على ظاهر استعماله في القرآن وفي السنة وعرف العلماء من أن المراد به الإماء ، ويعود الاستثناء إلى ما صح أن يعود عليه من جهات الإحصان . وكل ما صح ملكها ملك يمين حلت لمالكها من مسبية أو مملوكة مزوجة .
ولم يختلف القراء السبعة في فتح الصاد من قوله : والمحصنات من النساء ، واختلفوا في سوى هذا فقرأ : بكسر الصاد ، سواء كان معرفا بالألف واللام ، أم نكرة . وقرأ باقيهم وعلقمة : بالفتح ، كهذا المتفق عليه . وقرأ الكسائي يزيد بن قطيب : ( والمحصنات ) بضم الصاد اتباعا لضمة الميم ، كما قالوا ( منتن ) ولم يعتدوا بالحاجز لأنه ساكن ، فهو حاجز غير حصين . وقال : فائدة قوله : ( من النساء ) - أن المحصنات تقع على الأنفس ، فقوله : ( مكي والذين يرمون المحصنات ) لو أريد به النساء خاصة ، لما حد من قذف رجلا بنص القرآن ، وأجمعوا على أن حده بهذا النص .
( كتاب الله عليكم ) انتصب بإضمار فعل ، وهو فعل مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله : حرمت عليكم . وكأنه قيل : كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا . ومن جعل ذلك متعلقا بقوله : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) كما ذهب إليه ، فقد أبعد وما ذهب إليه عبيدة السلماني من أنه يجوز تقديم المفعول في باب الإعراب على الظروف والمجرورات مستدلا بهذه الآية ، إذ تقدير ذلك عنده : عليكم كتاب الله ، أي : الزموا كتاب الله - لا يتم دليله لاحتماله أن يكون مصدرا مؤكدا كما ذكرناه . ويؤكد هذا التأويل قراءة الكسائي أبي حيوة ومحمد بن السميقع اليماني : ( كتب الله عليكم ) ، جعله فعلا ماضيا رافعا ما بعده ، أي : كتب الله عليكم تحريم ذلك . وروي عن ابن السميقع [ ص: 215 ] أيضا أنه قرأ : ( كتب الله عليكم ) جمعا ورفعا ، أي : هذه كتب الله عليكم ، أي : فرائضه ولازماته .