وهو يرثها إن لم يكن لها ولد أي : إن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها . والمراد بالولد هنا الابن ، لأن الابن يسقط الأخ دون البنت . قال : ( فإن قلت ) : الابن لا يسقط الأخ وحده ، فإن الأب نظيره في الإسقاط ، فلم اقتصر على نفي الولد ( قلت ) : وكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله ، عليه السلام : الزمخشري ، الأب أولى من الأخ ، وليسا بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة . ويجوز أن يدل بحكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد ، لأن الولد أقرب إلى الميت من الوالد . فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب ، فأولى أن يرث عند انتفاء الأبعد ، ولأن الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعا ، فكان ذكر انتفاء أحدهما دالا على انتفاء الآخر . انتهى كلامه . والضمير في قوله : ( وهو ) وفي ( يرثها ) ، عائد إلى ما تقدم لفظا دون معنى ، فهو من باب عندي درهم ونصفه ، لأن الهالك لا يرث ، والحية لا تورث ، ونظيره في القرآن : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره . وهذه الجملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب ، وهي دليل جواب الشرط الذي بعدها .
( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) قالوا : الضمير في كانتا ضمير أختين دل على ذلك قوله : وله أخت . وقد تقرر في علم العربية [ ص: 408 ] أن الخبر يفيد ما لا يفيده الاسم . وقد منع أبو علي وغيره : سيد الجارية مالكها ، لأن الخبر أفاد ما أفاده المبتدأ . والألف في كانتا تفيد التثنية كما أفاده الخبر ، وهو قوله اثنتين . وأجاب الأخفش وغيره بأن قوله : اثنتين يدل على عدم التقييد بالصغر أو الكبر أو غيرهما من الأوصاف ، فاستحق الثلثان بالاثنينية مجردة عن القيود ، فلهذا كان مفيدا وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الألف في الضمير للاثنتين يدل أيضا على مجرد الاثنينية من غير اعتبار قيد ، فصار مدلول الألف ومدلول اثنتين سواء ، وصار المعنى : فإن كانتا الأختان اثنتين ، ومعلوم أن الأختين اثنتان . وقال : ( فإن قلت ) : إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله : الزمخشري فإن كانتا اثنتين ، وإن كانوا إخوة ( قلت ) : أصله فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ، وإن كان من يرث بالأخوة ذكورا وإناثا . وإنما قيل : فإن كانتا ، وإن كانوا ; كما قيل : من كانت أمك ، فكما أنث ضمير ( من ) لمكان تأنيث الخبر ، كذلك ثنى ، وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا ، لمكان تثنية الخبر وجمعه . انتهى . وهو تابع في هذا التخريج غيره ، وهو تخريج لا يصح ، وليس نظير " من كانت أمك " لأن من صرح بها ولها لفظ ومعنى . فمن أنث راعى المعنى ، لأن التقدير : أية أم كانت أمك . ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم ، بخلاف الآية ، فإن المدلولين واحد ، ولم يؤنث في من كانت أمك لتأنيث الخبر ، إنما أنث مراعاة لمعنى من إذ أراد بها مؤنثا . ألا ترى أنك تقول : من قامت فتؤنث مراعاة للمعنى إذا أردت السؤال عن مؤنث ، ولا خبر هنا فيؤنث قامت لأجله . والذي يظهر لي في تخريج الآية غير ما ذكر . وذلك وجهان : أحدهما : إن الضمير في كانتا لا يعود على ( أختين ) إنما هو يعود على الوارثتين ، ويكون ثم صفة محذوفة ، واثنتين بصفته هو الخبر ، والتقدير : فإن كانت الوارثتان اثنتين من الأخوات فلهما الثلثان مما ترك ، فيفيد إذ ذاك الخبر ما لا يفيد الاسم ، وحذف الصفة لفهم المعنى جائز ; والوجه الثاني : أن يكون الضمير عائدا على الأختين كما ذكروا ، ويكون خبر كان محذوفا لدلالة المعنى عليه ، وإن كان حذفه قليلا ، ويكون اثنتين حالا مؤكدة ; والتقدير : فإن كانت أختان له ; أي : للمرء الهالك . ويدل على حذف الخبر الذي هو له : وله أخت ، فكأنه قيل : فإن كانت أختان له ، ونظيره أن تقول : إن كان لزيد أخ فحكمه كذا ، وإن كان أخوان فحكمهما كذا . تريد وإن كان أخوان له .
( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) يعني أنهم يحوزون المال على ما تقرر في إرث الأولاد من أن للذكر مثل حظ الأنثيين . والضمير في ( كانوا ) إن عاد على الإخوة فقد أفاد الخبر بالتفصيل المحتوي على الرجال والنساء ، ما لم يفده الاسم ، لأن الاسم ظاهر في الذكور . وإن عاد على الوارث فظهرت إفادة الخبر ما يفيد المبتدأ ظهورا واضحا . والمراد بقوله : إخوة : الإخوة والأخوات ، وغلب حكم المذكر . وقرأ : فإن للذكر مثل حظ الأنثيين . ابن أبي عبلة
( يبين الله لكم أن تضلوا ) أن تضلوا مفعول من أجله ، ومفعول يبين محذوف ; أي : يبين لكم الحق . فقدره البصري وغيره [ ص: 409 ] كراهة أن تضلوا . وقرأ والمبرد الكوفي ، ، والفراء ، وتبعهم والكسائي : لأن لا تضلوا ، وحذف لا ، ومثله عندهم قول الزجاج القطامي :
رأينا ما رأى البصراء منا فآلينا عليها أن تباعا
أي : أن لا تباعا ، وحكى أبو عبيدة قال : حدثت بحديث رواه الكسائي فيه : لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله إجابة ; فاستحسنه أي : لئلا يوافق . وقال ابن عمر : هو مثل قوله الزجاج إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا . أي : لأن لا تزولا ; ورجح أبو علي قول بأن قال حذف المضاف أسوغ وأشبع من حذف لا . وقيل ، المبرد أن تضلوا : مفعول به ; أي : يبين الله لكم الضلالة أن تضلوا فيها .
( والله بكل شيء عليم ) يعلم مصالح العباد في المبدأ والمعاد ، وفيما كلفهم به من الأحكام . وقال أبو عبد الله الرازي : في هذه السورة لطيفة عجيبة وهي أن أولها مشتمل على كمال تنزه الله تعالى وسعة قدرته ، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم ، وهذان الوصفان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلال والعزة ، وبهما يجب أن يكون العبد منقادا للتكاليف . وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع . فمن ذلك الطباق في : حرمنا وأحلت ، وفي : فآمنوا وإن تكفروا . والتكرار في : وما قتلوه ، وفي : وأوحينا ، وفي : ورسلا ، وفي : يشهد و يشهدون ، وفي : كفروا ، وفي : مريم ، وفي : اسم الله . والالتفات في : فسوف نؤتيهم ، وفي : فسنحشرهم وما بعد ( ما ) في قراءة من قرأ بالنون . والتشبيه في : كما أوحينا . والاستعارة في : الراسخون وهي في الأجرام استعيرت للثبوت في العلم والتمكن فيه ، وفي : سبيل الله ، وفي : يشهد ، وفي : طريقا ، وفي : لا تغلوا ; والغلو حقيقة في ارتفاع السعر ، وفي : وكيلا استعير لإحاطة علم الله بهم ، وفي : فيوفيهم أجورهم استعير للمجازاة . والتجنيس المماثل في : يستفتونك و يفتيكم . والتفصيل في : فأما الذين آمنوا وأما الذين استنكفوا . والحذف في عدة مواضع .