فيـا حسنهـا إذ يغسـل الـدمع كحلهـا
. المرفق : المفصل بين المعصم والعضد ، وفتح الميم وكسر الفاء أشهر . الرجل : معروفة ، وجمعت على أفعل في القلة والكثرة . والكعب : هو العظم الناتئ في وجه القدم حيث يجتمع شراك النعل . الحرج : الضيق ، والحرج الناقة الضامر ، والحرج النعش .( يسألونك ماذا أحل لهم ) سبب نزولها فيما قال عكرمة : سؤال ومحمد بن كعب عاصم بن عدي وسعيد بن خيثمة وعويمر بن ساعدة : ماذا يحل لنا من هذه الكلاب وكان إذ ذاك أمر الرسول بقتلها فقتلت حتى بلغت العواصم لقول جبريل ، عليه السلام : " " وفي صحيح إنا لا ندخل بيتا فيه كلب بسنده إلى أبي عبد الله الحاكم أبي رافع . قال : " يسألونك ماذا أحل لهم ، الآيات . وقال أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتل الكلاب " ، فقال الناس : يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فأنزل الله تعالى ابن جبير : نزلت في عدي بن حاتم وزيد الخيل قالا : يا رسول الله ، إنا نصيد بالكلاب والبزاة ، وإن كلاب آل [ ص: 428 ] درع وآل أبي حورية لتأخذ البقر والحمر والظباء والضب ، فمنه ما ندرك ذكاته ، ومنه ما يقتل فلا ندرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها فنزلت . وعلى اعتبار السبب يكون الجواب أكثر مما وقع السؤال عنه ، لأنهم سألوا عن شيء خاص من المطعم ، فأجيبوا بما سألوا عنه ، وبشيء عام في المطعم . ويحتمل أن يكون ( ماذا ) كلها استفهاما ، والجملة خبر . ويحتمل أن يكون ( ما ) استفهاما ، و ( ذا ) خبرا ; أي : ما الذي أحل لهم ؟ والجملة إذ ذاك صلة . والظاهر أن المعنى : ماذا أحل لهم من المطاعم ، لأنه لما ذكر ما حرم من الميتة وما عطف عليه من الخبائث ، سألوا عما يحل لهم ; ولما كان ( يسألونك ) الفاعل فيه ضمير غائب قال لهم بضمير الغائب . ويجوز في الكلام ماذا أحل لنا ، كما تقول : أقسم زيد ليضربن ولأضربن ، وضمير التكلم يقتضي حكاية ما قالوا كما لأضربن يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها . وقال : في السؤال معنى القول ، فلذلك وقع بعده الزمخشري ماذا أحل لهم ، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم . انتهى . ولا يحتاج إلى ما ذكر ، لأنه من باب التعليق ، كقوله : سلهم أيهم بذلك زعيم ، فالجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني لـ ( يسألونك ) . ونصوا على أن فعل السؤال يعلق ، وإن لم يكن من أفعال القلوب ، لأنه سبب للعلم ، فكما تعلق العلم فكذلك سببه . وقال أبو عبد الله الرازي : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحل لهم ، ومعلوم أن ذلك باطل ، لأنهم لا يقولون ذلك ، وإنما يقولون : ماذا أحل لنا . بل الصحيح : أن هذا ليس حكاية كلامهم بعبارتهم ، بل هو بيان كيفية الواقعة . انتهى .
( قل أحل لكم الطيبات ) لما كانت العرب تحرم أشياء من الطيبات كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، بغير إذن من الله تعالى ، قرر هنا أن الذي أحل هي الطيبات . ويقوي قول : أن المعنى المستلذات ، ويضعف أن المعنى : قل أحل لكم المحللات ، ويدل عليه قوله : ( الشافعي ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) كالخنافس والوزغ وغيرهما . والطيب في لسان العرب يستعمل للحلال وللمستلذ ، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة . والمعتبر في الاستلذاذ والاستطابة أهل المروءة والأخلاق الجميلة ، فإن بعض الناس يستطيب أكل جميع الحيوانات . وهذه الجملة جاءت فعلية ، فهي جواب لما سألوا عنه في المعنى لا على اللفظ ، لأن الجملة السابقة وهي : ماذا أحل لهم اسمية ، وهذه فعلية .
( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) ظاهر علمتم يخالف ظاهر استئناف مكلبين ، فغلب الضحاك والسدي وابن جبير وعطاء ظاهر لفظ مكلبين فقالوا : الجوارح هي الكلاب خاصة . وكان يقول : إنما يصطاد بالكلاب . وقال هو ابن عمر وأبو جعفر : ما صيد بغيرها [ ص: 429 ] من باز وصقر ونحوهما ، فلا يحل إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه . وجوز قوم البزاة ، فجوزوا صيدها لحديث . وغلب الجمهور ظاهر عدي بن حاتم وما علمتم ، وقالوا : معنى مكلبين مؤدبين ومضرين ومعودين ، وعمموا الجوارح في كواسر البهائم والطير مما يقبل التعليم . وأقصى غاية التعليم أن يشلى فيستشلي ، ويدعى فيجيب ، ويزجر بعد الظفر فينزجر ، ويمتنع من أن يأكل من الصيد . وفائدة هذه الحال وإن كانت مؤكدة لقوله : علمتم ، فكان يستغنى عنها أن يكون المعلم مؤتمرا بالتعليم حاذقا فيه موصوفا به ، واشتقت هذه الحال من الكلب وإن كانت جاءت غاية في الجوارح على سبيل التغليب ، لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب ، فاشتقت من لفظه لكثرة ذلك في جنسه .
قال أبو سليمان الدمشقي : وإنما قيل مكلبين ، لأن الغالب من صيدهم أن يكون بالكلاب . انتهى . واشتقت من الكلب وهي الضراوة يقال : هو كلب بكذا إذا كان ضاريا به . قال : أو لأن السبع يسمى كلبا ، ومنه قوله ، عليه السلام : الزمخشري اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ؛ فأكله الأسد ; ولا يصح هذا الاشتقاق ، لأن كون الأسد كلبا ، هو وصف فيه ، والتكليب من صفة المعلم ، والجوارح هي سباع بنفسها لا بجعل المعلم . وظاهر قوله : وما علمتم ، أنه خطاب للمؤمنين . فلو كان المعلم يهوديا أو نصرانيا فكره الصيد به الحسن ، أو مجوسيا فكره الصيد به جابر بن عبد الله والحسن وعطاء ومجاهد والنخعي ، والثوري وإسحاق . وأجاز أكل صيد كلابهم : مالك ، وأبو حنيفة ، إذا كان الصائد مسلما . قالوا : وذلك مثل شفرته . والجمهور : على جواز ما صاد الكتابي . وقال والشافعي مالك : لا يجوز فرق بين صيده وذبيحته . وما صاد المجوسي فالجمهور على منع أكله ، عطاء ، ، وابن جبير والنخعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والليث ، . وقال والشافعي : فيه قول أنهم أهل كتاب ، وأن صيدهم جائز . أبو ثور
وماعلمتم : موضع " ما " رفع على أنه معطوف على الطيبات ، ويكون حذف مضاف ; أي : وصيد ما علمتم ، وقدره بعضهم : واتخاذ ما علمتم . أو رفع على الابتداء ، و ( ما ) شرطية ، والجواب : فكلوا . وهذا أجود ، لأنه لا إضمار فيه . وقرأ ابن عباس : ( وما علمتم ) مبنيا للمفعول ، أي : من أمر الجوارح والصيد بها . وقرأ : ( مكلبين ) من أكلب ، وفعل وأفعل قد يشتركان . والظاهر دخول الكلب الأسود البهيم في عموم الجوارح ، وأنه يجوز أكل صيده ، وبه قال الجمهور . ومذهب وابن الحنفية أحمد وجماعة من أهل الظاهر : أنه لا يجوز أكل صيده ، لأنه مأمور بقتله ، وما أوجب الشرع قتله فلا يجوز أكل صيده . وقال أحمد : لا أعلم أحدا رخص فيه إذا كان بهيما ، وبه قال : . وكره الصيد به : ابن راهويه الحسن ، وقتادة ، والنخعي . وقد تقدم ذكر أقصى غاية التعليم في الكلب ، أنه إذا أمر ائتمر ، وإذا زجر انزجر ، وزاد قوم شرطا آخر وهو أن لا يأكل مما صاد ، فأما سباع الطير فلا يشترط فيها الأكل عند الجمهور . وقال ربيعة : ما أجاب منها فهو المعلم . وقال ابن حبيب : لا يشترط فيها إلا شرط واحد : وهو أنه إذا أمرها أطاعت ، فإن انزجارها إذا زجرت لا يتأتى فيها . وظاهر قوله : وما علمتم ، حصول التعليم من غير اعتبار عدد ، وكان أبو حنيفة لا يحد في ذلك عددا . وقال أصحابنا : إذا صاد الكلب وأمسك ثلاث مرات فقد حصل له التعليم . وقال غيرهم : إذا فعل ذلك مرة واحدة فقد صار معلما .
( تعلمونهن مما علمكم الله ) أي : إن تعليمكم إياهن ليس من قبل أنفسكم ، إنما هو من العلم الذي علمكم الله ، وهو أن جعل لكم روية وفكرا بحيث قبلتم العلم . فكذلك الجوارح يصير لها إدراك ما وشعور ، بحيث يقبلن الائتمار والانزجار . وفي قوله : مما علمكم الله ، إشعار ودلالة على فضل العلم وشرفه ، إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان . ومفعول ( علم ) و ( تعلمونهن ) الثاني محذوف ; تقديره : وما علمتموه طلب الصيد لكم ، لا لأنفسهن تعلمونهن ذلك ، وفي ذلك دلالة على أن [ ص: 430 ] صيد ما لم يعلم حرام أكله ، لأن الله تعالى إنما أباح ذلك بشرط التعليم . والدليل على ذلك الخطاب في ( عليكم ) في قوله : فكلوا مما أمسكن عليكم ، وغير المعلم إنما يمسك لنفسه . ومعنى مما علمكم الله ; أي : من الأدب الذي أدبكم به تعالى ، وهو اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، فإذا أمر فائتمر ، وإذا زجر فانزجر ، فقد تعلم مما علمنا الله تعالى . وقال : مما علمكم الله من كلم التكليف ، لأنه إلهام من الله تعالى ومكتسب بالعقل . انتهى . والجملة من قوله : تعلمونهن ، حال ثانية . ويجوز أن تكون مستأنفة على تقدير : أن لا تكون " ما " من قوله : الزمخشري وما علمتم من الجوارح - شرطية ، إلا إن كانت اعتراضا بين الشرط وجزائه . وخطب هنا فقال : وفيه فائدة جليلة وهي أن كل آخذ علما أن لا يأخذه إلا من قبل أهله علما وأبحرهم دراية ، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه ، واحتاج إلى أن تضرب إليه أكباد الإبل ، فكم من آخذ من غير متقن فقد ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله . الزمخشري
فكلوا مما أمسكن عليكم . هذا أمر إباحة . و ( من ) هنا للتبعيض ; والمعنى : كلوا من الصيد الذي أمسكن عليكم . ومن ذهب إلى أن ( من ) زائدة ، فقوله ضعيف ، وظاهره أنه إذا أمسك على مرسله جاز الأكل سواء أكل الجارح منه أو لم يأكل ، وبه قال : ، سعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وأبو هريرة . وهو قول وابن عمر مالك وجميع أصحابه . ولو بقيت بضعة بعد أكله جاز أكلها ومن حجتهم : أن قتله هي ذكاته ، فلا يحرم ما ذكى . وقال أيضا أبو هريرة ، وابن جبير وعطاء ، وقتادة ، وعكرمة ، ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، : لا يؤكل ما بقي من أكل الكلب ولا غيره ، لأنه إنما أمسك على نفسه ولم يمسك على مرسله . ولأن في حديث وأبو ثور عدي : ; وعن علي : إذا أكل البازي فلا تأكل ، وفرق قوم بين ما أكل منه الكلب فمنعوا من أكله ، وبين ما أكل منه البازي ، فرخصوا في أكله ، منهم : وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، ابن عباس ، والشعبي والنخعي ، ، وحماد بن أبي سليمان وأبو جعفر محمد بن علي الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، لأن الكلب إذا ضرب انتهى ، والبازي لا يضرب . والظاهر أن الجارح إذا شرب من الدم أكل الصيد ، وكره ذلك . والظاهر أنه إذا انفلت من صاحبه فصاد من غير إرسال أنه لا يجوز أكل ما صاد . وقال سفيان الثوري علي : إن كان أخرجه صاحبه للصيد جاز أكل ما صاد . وممن منع من أكله إذا صاد من غير إرسال صاحبه : والأوزاعي ربيعة ، وأبو حنيفة ، ومالك ، ، والشافعي . والظاهر جواز أكل ما قتله الكلب بفمه من غير جرح لعموم مما أمسكن . وقال بعضهم : لا يجوز لأنه ميت . وأبو ثور
( واذكروا اسم الله عليه ) الظاهر عود الضمير في ( عليه ) إلى المصدر المفهوم من قوله : فكلوا ; أي : على الأكل . وفي الحديث في صحيح مسلم " " وقيل : يعود على ما أمسكن ، على معنى : وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته ، وهذا فيه بعد . وقيل : على سم الله وكل مما يليك وما علمتم من الجوارح ; أي : سموا عليه عند إرساله ، لقوله : " " واختلفوا في التسمية عند الإرسال أهي على الوجوب أو على الندب ، والمستحب أن يكون لفظها بسم الله والله أكبر . وقول من زعم : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، وأن الأصل : فاذكروا اسم الله عليه وكلوا مما أمسكن عليكم - قول مرغوب عنه لضعفه . إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل
( واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) لما تقدم ذكر ما حرم وأحل من المطاعم ، أمر بالتقوى ، فإن التقوى بها يمسك الإنسان عن الحرام . وعلل الأمر بالتقوى بأنه تعالى سريع [ ص: 431 ] الحساب لمن خالف ما أمر به من تقواه ، فهو وعيد بيوم القيامة ، وإن حسابه تعالى إياكم سريع إتيانه ، إذ يوم القيامة قريب . أو يراد بالحساب المجازاة ، فتوعد من لم يتق بمجازاة سريعة قريبة ، أو لكونه تعالى محيطا بكل شيء لا يحتاج في الحساب إلى مجادلة عد ، بل يحاسب الخلائق دفعة واحدة .