ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون     . سكوت غضبه كان - والله أعلم - بسبب اعتذار أخيه ، وكونه لم يقصر في نهي بني إسرائيل  عن عبادة العجل ، ووعد الله إياه بالانتقام منهم ، وسكوت الغضب استعارة ، شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته . قال  يونس بن حبيب    : تقول العرب : سال الوادي ثم سكت ، وقال  الزجاج    : مصدر : سكت الغضب سكن ، ومصدر سكت الرجل سكوت ، وهذا يقتضي أنه فعل على حده ، وليس من سكوت الناس ، وقيل : هو من باب القلب ، أي : ولما سكت موسى  عن الغضب ، نحو : أدخلت في في الحجر ، وأدخلت القلنسوة في رأسي ، انتهى ، ولا ينبغي هذا ، لأنه من القلب وهو لم يقع إلا في قليل من الكلام ، والصحيح أنه لا ينقاس ، وقال  الزمخشري    : وهذا مثل ، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ، ويقول له : قل لقومك كذا ، وألق الألواح ، وخذ برأس أخيك إليك ، فترك النطق بذلك وترك الإغراء ، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ، ولأنه من قبيل شعب البلاغة ، وإلا فما لقراءة  معاوية بن قرة    " ولما سكن عن موسى  الغضب " لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة وطرفا من تلك الروعة ، وقرئ : أسكت رباعيا مبنيا للمفعول ، وكذا هو في مصحف حفصة  ، والمنوي عند الله ، أو أخوه باعتذاره إليه أو تنصله ، أي أسكت الله أو هارون  ، وفي مصحف عبد الله    : ولما صبر ، وفي مصحف أبي    : ولما انشق ، والمعنى : ولما طفي غضبه أخذ ألواح التوراة التي كان ألقاها من يده ، روي عن  ابن عباس  أنه ألقاها فتكسرت فصام أربعين يوما فردت إليه في لوحين ولم يفقد منها شيئا ، وفي نسختها أي فيما نسخ من الألواح المكسرة ، أو فيما نسخ فيها ، أو فيما بقي منها بعد المرفوع وهو سبعها ، والأظهر أن المعنى : وفيما نقل وحول منها ، واللام في : لربهم تقوية لوصول الفعل إلى مفعوله المتقدم ، وقال الكوفيون    : هي زائدة ، وقال الأخفش    : هي لام المفعول له ، أي لأجل ربهم : يرهبون لا رياء ولا سمعة ، وقال  المبرد    : هي متعلقة بمصدر ، المعنى : الذين هم رهبتهم لربهم ، وهذا على طريقة البصريين  لا يتمشى ؛ لأن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز عندهم إلا في الشعر ، وأيضا فهذا التقدير يخرج الكلام عن الفصاحة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					