وقد علمت معارضة تضعيف حديث عند ابن عمر من جهة الدارقطني ، عطاء الخراساني ، ومعلى بن منصور وشعيب بن زريق ، إلى آخر ما تقدم : [ الخفيف ]
لا تخاصم بواحد أهل بيت فضعيفان يغلبان قويا
وقال النووي في " شرح مسلم " ما نصه : واحتج الجمهور بقوله تعالى : ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ 65 \ 1 ] .
قالوا : معناه أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه ; لوقوع البينونة ، فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع طلاقه هذا إلا رجعيا ، فلا يندم . ا ه محل الغرض منه بلفظه .
قال مقيده عفا الله عنه : ومما يؤيد هذا الاستدلال القرآني ما أخرجه أبو داود بسند صحيح من طريق مجاهد قال : كنت عند فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا ، فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه ، فقال : ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ، ثم يقول يا ابن عباس ، إن الله قال : ابن عباس ومن يتق الله يجعل له مخرجا [ 65 \ 2 ] وإنك لم تتق الله ، فلا أجد لك مخرجا ، عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك . وأخرج له أبو داود متابعات عن بنحوه ، وهذا تفسير من ابن عباس للآية بأنها يدخل في معناها ابن عباس ومن يتق الله ولم يجمع الطلاق في لفظة واحدة يجعل له مخرجا بالرجعة ، ومن لم يتقه في ذلك بأن لم يجعل له مخرجا بالرجعة ; لوقوع البينونة بها مجتمعة ، هذا هو معنى كلامه ، الذي لا يحتمل غيره . وهو قوي جدا في محل النزاع ; لأنه مفسر به قرآنا ، وهو ترجمان القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم : " جمع الطلقات في لفظ واحد " وعلى هذا القول جل الصحابة وأكثر العلماء ، منهم الأئمة الأربعة . وحكى غير واحد عليه الإجماع ، واحتج المخالفون بأربعة أحاديث ؛ الأول : حديث اللهم علمه التأويل ، عن ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين عكرمة ، عن عند ابن عباس أحمد وأبي يعلى ، وصححه بعضهم قال : ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : " كيف طلقتها " ؟ قال : ثلاثا في مجلس واحد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما تلك واحدة ، فارتجعها إن شئت " فارتجعها . طلق
قال مقيده عفا الله عنه : الاستدلال بهذا الحديث مردود من ثلاثة أوجه : [ ص: 118 ] الأول : أنه لا دليل فيه البتة على محل النزاع على فرض صحته ، لا بدلالة المطابقة ، ولا بدلالة التضمن ، ولا بدلالة الالتزام ; لأن لفظ المتن أن الطلقات الثلاث واقعة في مجلس واحد ، ولا شك أن كونها في مجلس واحد لا يلزم منه كونها بلفظ واحد ، فادعاء أنها لما كانت في مجلس واحد لا بد أن تكون بلفظ واحد في غاية البطلان كما ترى ; إذ لم يدل كونها في مجلس واحد على كونها بلفظ واحد بنقل ولا عقل ولا لغة ، كما لا يخفى على أحد ، بل الحديث أظهر في كونها ليست بلفظ واحد ، إذ لو كانت بلفظ واحد ؛ لقال بلفظ واحد وترك ذكر المجلس ; إذ لا داعي لترك الأخص والتعبير بالأعم بلا موجب كما ترى .
وبالجملة فهذا الدليل يقدح فيه بالقادح المعروف عند أهل الأصول بالقول بالموجب ، فيقال : سلمنا أنها في مجلس واحد ، ولكن من أين لك أنها بلفظ واحد فافهم . وسترى تمام هذا المبحث إن شاء الله في الكلام على حديث عند طاوس مسلم .
الثاني : أن الذي هو راوي هذا الحديث عن داود بن الحصين عكرمة ليس بثقة في عكرمة .
قال ابن حجر في " التقريب " : ثقة إلا في داود بن الحصين الأموي مولاهم أبو سليمان المدني عكرمة ، ورمي برأي الخوارج ا ه . وإذا كان غير ثقة في عكرمة كان الحديث المذكور من رواية غير ثقة . مع أنه قدمنا أنه لو كان صحيحا لما كانت فيه حجة .
الثالث : ما ذكره ابن حجر في " فتح الباري " فإنه قال فيه ما نصه : الثالث : أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة ، وهو تعليل قوي ; لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث ، فقال طلقها ثلاثا ، فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث . ا ه منه بلفظه . ابن عباس
يعني حديث ، عن ابن إسحاق المذكور ، عن داود بن الحصين عكرمة ، عن ، مع أنا قدمنا أن الحديث لا دليل فيه أصلا على محل النزاع . وبما ذكرنا يظهر سقوط الاستدلال بحديث ابن عباس المذكور . ابن إسحاق