ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون . قوله تعالى :
في هذه الآية الكريمة تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن إخوانه من الرسل الكرام - صلوات الله وسلامه عليهم - استهزأ بهم الكفار ، كما استهزءوا به - صلى الله عليه وسلم - يعني : فاصبر كما صبروا ، ولك [ ص: 153 ] العاقبة الحميدة ، والنصر النهائي كما كان لهم . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من ذلك جاء موضحا في مواضع من كتاب الله . كقوله تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [ 41 \ 43 ] وقوله تعالى : وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك [ 11 \ 120 ] وقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ 6 ] وقوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير [ 35 \ 25 - 26 ] وقوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور [ 35 \ 4 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله في هذه الآية الكريمة : فحاق بالذين سخروا منهم أي : أحاط بهم . ومادة حاق يائية العين ، بدليل قوله في المضارع : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] ولا تستعمل هذه المادة إلا في إحاطة المكروه خاصة . فلا تقول : حاق به الخير بمعنى أحاط به . والأظهر في معنى الآية أن المراد : وحاق بهم العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ويستهزئون به ، وعلى هذا اقتصر ابن كثير . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : فحاق أي : أحاط ودار بالذين كفروا و سخروا منهم وهزئوا بهم ( ما كانوا به يستهزئون ) [ 21 \ 41 ] أي جزاء استهزائهم . والأول أظهر ، والعلم عند الله تعالى . والآية تدل على أن السخرية من الاستهزاء وهو معروف .