والمستحب أن يقرأ في الأولى من ركعتي الطواف : قل ياأيها الكافرون [ 109 ] وفي الثانية : قل هو الله أحد [ 112 ] كما هو ثابت في حديث جابر . وجمهور أهل العلم على أن ركعتي الطواف لا يشترط في صحة صلاتهما أن تكون خلف المقام ، بل لو صلاهما في أي موضع غيره صح ذلك . ولو طاف في وقت نهي ، فأحد قولي أهل العلم : إنه يؤخر صلاتهما إلى وقت لا نهي عن النافلة فيه ، ومما يدل على هذين [ ص: 411 ] الأمرين أعني صحة صلاتهما في موضع آخر ، وتأخير صلاتهما إلى وقت غير وقت النهي الذي طاف فيه ما ذكره في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ، قال : باب الطواف بعد الصبح والعصر ، وكان البخاري رضي الله عنهما : يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس ، وطاف ابن عمر عمر بعد الصبح ، فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى . وفعل عمر رضي الله عنه هذا الذي ذكره يدل على عدم اشتراط كون الركعتين خلف المقام ، بل تصح صلاتهما في أي موضع صلاهما فيه ، وأن تأخيرهما عن وقت النهي هو الصواب ، وممن قال به : البخاري ، أبو سعيد الخدري ، ومعاذ بن عفراء ومالك ، وأصحابه : وعزاه بعضهم إلى الجمهور ، وقد قدمنا مرارا قول من يقول من أهل العلم : إن ذوات الأسباب الخاصة من الصلوات لا تدخل في عموم النهي في أوقات النهي ، إلا أن القاعدة المقررة في الأصول : أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح .
وقال ، وأصحابه : إن الشافعي بلا كراهة ، واستدلوا لذلك بدليلين : صلاة ركعتي الطواف جائزة في أوقات النهي
أحدهما : عام وهو أن ذوات الأسباب الخاصة من الصلوات لا تدخل في عموم النهي ; لأن سببها الخاص ، يخرجها من عموم النهي ، كركعتي الطواف فإنهما لسبب خاص هو الطواف . وكتحية المسجد في وقت النهي ، ونحو ذلك ، وأحدهما خاص : وهو ما ورد في خصوص البيت الحرام ، كحديث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جبير بن مطعم بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ، رواه " يا ، وأصحاب السنن ، وصححه الإمام أحمد الترمذي ، ورواه أيضا ، ابن خزيمة ، وابن حبان ، قال والدارقطني ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث : رواه ، الشافعي وأحمد ، وأصحاب السنن ، ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني والحاكم من حديث أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن ، وصححه جبير بن مطعم الترمذي ، ورواه من وجهين آخرين ، عن الدارقطني ، عن أبيه ، ومن طريقين آخرين عن نافع بن جبير جابر ، وهو معلول ، فإن المحفوظ عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن جبير ، لا عن جابر . وأخرجه أيضا ، عن الدارقطني من رواية ابن عباس مجاهد عنه ، ورواه من رواية الطبراني عطاء ، عن ، ورواه ابن عباس أبو نعيم في تاريخ أصبهان ، والخطيب في التلخيص من طريق ثمامة بن عبيدة ، عن أبي الزبير ، عن ، عن أبيه ، وهو معلول . وروى علي بن عبد الله بن عباس من طريق ابن عدي سعيد بن أبي راشد ، عن عطاء ، عن [ ص: 412 ] حديث : أبي هريرة ، الحديث ، وزاد في آخره : " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس " ؛ أي : حين طاف ، وقال : لا يتابع عليه ، وكذا قال " من طاف فليصل " . وروى البخاري البيهقي من طريق عبد الله بن باباه ، عن : أنه طاف بعد العصر عند مغارب الشمس ، فصلى الركعتين ، وقال : إن هذه البلدة ليست كغيرها . أبي الدرداء
تنبيه
عزا المجد ابن تيمية حديث جبير لمسلم ، فإنه قال : رواه الجماعة إلا . وهذا وهم منه تبعه عليه البخاري المحب الطبري ، فقال : رواه السبعة إلا ، البخاري وابن الرفعة ، فقال : رواه مسلم ، ولفظه : وكأنه والله أعلم : لما رأى " لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، " ابن تيمية عزاه إلى الجماعة ، دون اقتطع البخاري مسلما من بينهم ، واكتفى به عنهم ، ثم ساقه باللفظ الذي أورده ابن تيمية ، فأخطأ مكررا .
فائدة
قال البيهقي : يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة صلاة الطواف خاصة : وهو الأشبه بالآثار ، ويحتمل جميع الصلوات . انتهى كلام ابن حجر في التلخيص الحبير .
وهذا الذي ذكرنا عن ، وأصحابه من جواز صلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي بلا كراهة ، حكاه الشافعي ابن المنذر ، عن ، ابن عمر ، وابن عباس والحسن ، ، والحسين بن علي وابن الزبير ، ، وطاوس وعطاء ، ، والقاسم بن محمد وعروة ، ومجاهد ، وأحمد ، وإسحاق ، . انتهى بواسطة نقل وأبي ثور النووي في شرح المهذب .
ومما استدلوا به على ذلك ما رواه مجاهد عن أبي ذر مرفوعا : بمكة " ، قال " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ابن حجر في التلخيص : في هذا الحديث رواه أخبرنا الشافعي عبد الله بن المؤمل ، عن حميد مولى غفرة ، عن ، عن قيس بن سعد مجاهد ، وفيه قصة وكرر الاستثناء ثلاثا . ورواه أحمد ، عن يزيد ، عن عبد الله بن المؤمل إلا أنه لم يذكر حميدا في سنده . ورواه من حديث ابن عدي ، عن سعيد بن سالم عبد الله بن المؤمل ، فلم يذكر قيسا ، ورواه من طريق ابن عدي اليسع بن طلحة ، وسمعت مجاهدا يقول : بلغنا أن أبا ذر فذكره ، وعبد الله ضعيف ، وذكر هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه . وقال ابن عدي البيهقي : فقال تفرد به عبد الله ولكن تابعه ، [ ص: 413 ] ثم ساقه بسنده إلى إبراهيم بن طهمان قال : ثنا خلاد بن يحيى ، ثنا إبراهيم بن طهمان حميد مولى غفرة ، عن ، عن قيس بن سعد مجاهد قال : جاءنا أبو ذر فأخذ بحلقة الباب ، الحديث . وقال : لم يسمع أبو حاتم الرازي مجاهد من أبي ذر ، وكذا أطلق ذلك ، ابن عبد البر والبيهقي ، والمنذري ، وغير واحد . قال البيهقي : قوله في رواية : جاءنا إبراهيم بن طهمان أبو ذر ؛ أي : جاء بلدنا .
قلت : ورواه في صحيحه ، من حديث ابن خزيمة كما رواه سعيد بن سالم ، وقال : أنا أشك في سماع ابن عدي مجاهد ، من أبي ذر ، انتهى كلام ابن حجر في التلخيص الحبير .
هذا هو حاصل ما احتج به ، وأصحابه ، ومن وافقهم على جواز صلاة ركعتي الطواف ، في أوقات النهي وحجة مخالفيهم هي عموم الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في تلك الأوقات وظاهرها العموم . الشافعي
وقد قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : وأنت خبير بأن حديث لا يصلح لتخصيص أحاديث النهي المتقدمة ; لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه ، وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر ، لما عرفت غير مرة انتهى منه ، وهو كما قال رحمه الله . جبير بن مطعم
والقاعدة المقررة في الأصول : أن النصين إذا كان بينهما عموم ، وخصوص من وجه ، فإنهما يظهر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها ، فيجب الترجيح بينهما . كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله :
وإن يك العموم من وجه ظهر فالحكم بالترجيح حتما معتبر
وإيضاح كون حديث جبير المذكور بينه ، وبين أحاديث النهي المذكورة عموم وخصوص من وجه ، كما ذكره الشوكاني رحمه الله : هو أن أحاديث النهي عامة في مكة وغيرها ، خاصة في أوقات النهي . وحديث عام في أوقات النهي وغيرها ، خاص جبير بن مطعم بمكة حرسها الله ، فتختص أحاديث النهي بأوقات النهي في غير مكة ، ويختص حديث جبير بالأوقات التي لا ينهى عن الصلاة فيها بمكة ، ويجتمعان في أوقات النهي في مكة ، فعموم أحاديث النهي يشمل مكة وغيرها ، وعموم إباحة الصلاة في جميع الزمن في حديث جبير ، يشمل أوقات النهي وغيرها في مكة فيظهر التعارض في أوقات النهي في مكة ، فيجب الترجيح . وأحاديث النهي أرجح من حديث جبير من وجهين :
أحدهما : أنها أصح منه لثبوتها في الصحيح .
[ ص: 414 ] والثاني : هو ما تقرر في الأصول ، أن النص الدال على النهي يقدم على النص الدال على الإباحة ; لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح ، كما قدمناه مرارا . والعلم عند الله تعالى .