ولبقية الصلوات الخمس في المسجد الواحد تعدد المؤذنين لصلاة الجمعة
أولا : ما يتعلق بالجمعة ، صور التعدد لها فيه صورتان ، صورة تعدد الأذان أي قبل الوقت وبعد الوقت ، وصورة تعدد المؤذنين بعد الوقت على ما سيأتي في ذلك إن شاء الله ، أما تعدد الأذان فقد بوب له رحمه الله في صحيحه في باب الجمعة قال : باب الأذان يوم الجمعة ، وساق حديث البخاري ، قال : السائب بن يزيد
فلما كان عثمان - رضي الله عنه - وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ففيه الأذان أولا للوقت كبقية الصلوات ، وفيه أذان قبل الوقت زاده كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما . عثمان لما كثر الناس ، وهو المعنى الثالث ، والاثنان الآخران هما الأذان للوقت ، والإقامة الموجودان من قبل .
وذكر ابن حجر - رحمه الله - في الشرح تنبيها قال فيه : ورد ما يخالف ذلك الخبر بأن عمر رضي الله عنه هو الذي زاد الأذان .
[ ص: 139 ] ففي تفسير جويبر عن الضحاك عن زيادة الراوي ، عن ، عن برد بن سنان مكحول عن معاذ أن عمر أمر مؤذنيه أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس ، وأمر أن يؤذن بين يديه ، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، ثم قال عمر : نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين اهـ .
ثم ناقش ابن حجر هذا الأثر وقال : إنه منقطع ثم ذكر أنه وجد له ما يقويه إلى آخر كلامه .
فهذا دليل على تعدد الأذان للجمعة قبل الوقت وعند دخوله ، سواء من عمر أو من عثمان أو منهما معا ، رضوان الله عليهما .
أما مكان هذا الأذان وزمانه ، فإن المكان قد جاء النص أنه كان على الزوراء .
وقد كثر الكلام في تحديد الزوراء مع اتفاقهم أنها مكان بالسوق ، وهذا يتفق مع الغرض من مشروعيته لتنبيه أهل السوق بوقت الجمعة للسعي إليها .
أما الزوراء بعينها فقال علماء تاريخ المدينة : إنه اسم للسوق نفسها ، وقيل : مكان منها مرتفع كان عند أحجار الزيت ، وعند قبر مالك بن سنان ، وعند سوق العباءة .
والشيء الثابت الذي لم يقبل التغير ، هو قبر مالك بن سنان ، لكن يقولون عنده ، وليس في مكانه ، وقد بدا لي أن الزوراء هو مكان المسجد الذي يوجد الآن بالسوق في مقابلة الباب المصري المعروف بمسجد فاطمة ، ويبدو لي أن الزوراء حرفت إلى الزهراء ، والزهراء عند الناس يساوي فاطمة لكثرة قولهم ، ومعلوم قطعا أن فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن لها مسجد في هذا المكان ، فلا صحة لنسبة هذا المسجد إليها ، بل ولا ما نسب فاطمة الزهراء لأبي بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - من مساجد في جوانب مسجد المصلى المعروف الآن بمسجد الغمامة ، وإنما صحة ما نسب إليهم - رضوان الله تعالى عليهم - هو أن تلك الأماكن كانت مواقفهم في مصلى العيد ، ولهذا تراها كلها في هذا المكان المتواجدة فيه .
فأولهم أبو بكر - رضي الله عنه - وقد أخر موقفه عن موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى العيد تأدبا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء من بعده ، واختلفت أماكن مصلاهم فأقيمت تلك المساجد في أماكن قيامهم .
[ ص: 140 ] أما ما ينسب إلى فلا مناسبة له ولا صحة له ، وقد قال بعض المتأخرين : إنه منسوب إلى إحدى الفضليات من نساء العصور المتأخرة ، واسمها فاطمة الزهراء فاطمة ، وعليه فلعلها قد جددته ولم تؤسسه ; لأنه لا موجب أيضا لتبرعها بإنشاء مسجد بهذا القرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبمناسبة العمل بالقضاء فقد عرض علي صك شرط وقف للأشراف الشراقمة بالمدينة المنورة ، وفي بعض تحديد أعيانه يقول : الواقع في طريق الزوراء ، ويحده جنوبا وقف الحلبي ، ووقف الحلبي موجود حتى الآن معروف يقع عن المسجد الموجود بالفعل في الجنوب الشرقي وليس بينه وبين المسجد المذكور إلا السور والشارع فقط ، وتاريخ هذا الصك قبل مائة سنة من تاريخ كتابة هذه الأحرف أي قبل عام ألف ومائتين من الهجرة .
وبهذا ترجح عندي أن موضع أذان عثمان - رضي الله عنه - كان بذلك المكان ، وأنه المتوسط بسوق المدينة ، وتقدر مسافته عن المسجد النبوي بحوالي مائتين وخمسين مترا تقريبا .
وقد كان الأذان الأول زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنارة ، وهكذا الأذان للوقت زمن الخلفاء الراشدين ، ثم من بعدهم ، أما هذا الأذان فكان ابتداؤه من الزوراء ، ثم نقل إلى باب المسجد ، ثم نقل إلى ما بين يدي الإمام ، وذلك زمن ، ثم نقل إلى المنارة . هشام بن عبد الملك
أما زمانه فلم أقف على تحديد صحيح صريح ، كم كان بينه وبين الثاني ؟ وهل كان بعد دخول الوقت أو قبله ؟
وقد ذكر ابن حجر في الفتح رواية عن ما نصه : فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الطبراني الزوراء ، فكان يؤذن عليها ، فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول ، فإذا نزل أقام الصلاة ، وفي رواية له من هذا الوجه : فأذن بالزوراء قبل خروجه ; ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت ، إلى أن قال : وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات ، فألحق الجمعة بها ، وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب ، فتراه يرجح كونه بعد دخول الوقت وعند خروج عثمان أي من بيته وكان يسكن إلى تلك الجهة ، ولكن هذا لا يتمشى مع الغرض من إيجاد هذا الأذان ، لأنه لما كثر [ ص: 141 ] الناس جعله في السوق لإعلامهم ، فإذا كان بعد الوقت ، فأي فائدة منه ، وكيف يعد ثالثا ، إنه يكون من تعدد المؤذنين لا من تعدد الأذان .
ثم إن مسكن عثمان - رضي الله عنه - كان بجوار مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحله معروف حتى الآن ، وكان يعرف برباط عثمان ، فكيف يجعل هذا الأذان عند خروجه مع بعد ما بين الزوراء ومكان سكناه .
ثم إن من المتفق عليه أن الأذان بين يدي الإمام هو الأذان الذي بعد دخول الوقت ، وتصح الصلاة بعده ، فالأذان الثالث كالأول بالنسبة للصبح ، وبهذا يترجح أنه كان قبل الوقت لا بعده ، كالأول للصبح ليتحقق الغرض منه ، وعليه ينبغي أن يراعى في زمنه ما بينه وبين الثاني وما يتحقق به الغرض من رجوع أهل السوق وتهيئهم للجمعة وهذا يختلف باختلاف الأماكن والبلاد ، وسواء كان قبل الوقت أو بعده ، فلا بد من زمن بينهما يتمكن فيه أهل السوق من الحضور إلى المسجد وإدراك الخطبة .
ولو أخذنا بعين الاعتبار ما وقع لعثمان نفسه زمن عمر - رضي الله عنه - لما دخل المسجد وعمر يخطب فعاتبه على التأخير ، ثم أحدث عثمان هذا الأذان في عهده لوجدنا قرينة تقديمه عن الوقت لئلا يقع غيره فيما يقع هو فيه ، والله تعالى أعلم .
وسيأتي نص ابن الحاج على أنه قبل الوقت .
وهذا آخر ما يتعلق بتعدد الأذان يوم الجمعة ، وسيأتي التنبيه على ما يوجد من نداءات أخرى يوم الجمعة في بعض الأمصار عند الكلام على ما استحدث في الأذان وابتدع فيه ، مما ليس منه إن شاء الله .