أما تعدد المؤذنين يوم الجمعة
فقد جاء صريحا في صحيح في باب رجم الحبلى من الزنا في حديث طويل عن البخاري زمن ابن عباس عمر رضي الله عنه ، وفيه ما نصه : " فجلس عمر على المنبر ولما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله " إلى آخر الحديث .
فهذا نص صريح من أنه كان البخاري لعمر مؤذنون ، وكانوا يؤذنون حين يجلس على المنبر ، وكان يجلس إلى أن يفرغوا من الأذان ، ثم يقوم فيخطب أي كان أذانهم كلهم بعد دخول الوقت .
[ ص: 142 ] قال ابن الحاج في المدخل ، وكانوا ثلاثة يؤذنون واحدا بعد واحد ، ثم زاد عثمان أذانا آخر بالزوراء قبل الوقت ، فتحصل من هذا وجود تعدد المؤذنين لصلاة الجمعة ، وكانوا زمن عمر ثلاثة وكانوا يؤذنون متفرقين واحدا بعد واحد .
وقد ذكر ابن حجر في الفتح أيضا ضمن كلامه على الحديث المتقدم تحت عنوان " المؤذن الواحد يوم الجمعة " رواية عن ابن حبيب أنه - صلى الله عليه وسلم - . كان إذا رقي المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحدا بعد واحد ، فإذا فرغ الثالث قام فخطب
ثم قال : فإنه دعوى تحتاج إلى دليل ، ولم يرد ذلك صريحا من طريق متصلة يثبت مثلها .
ثم قال : ثم وجدته في مختصر عن البويطي ، وفي تعليق لسماحة رئيس الجامعة في الحاشية على ذلك قال في مخطوطة الرياض في مختصر الشافعي المزني : وسواء كان في مختصر أو البويطي المزني فإن عزوه إلى صحيح الشافعي لم يعلق على وجود هذا الأثر بشيء . وابن حجر
وقال النووي في المجموع : قال - رحمه الله - في الشافعي : والنداء يوم الجمعة هو الذي يكون والإمام على المنبر ، يكون المؤذنون يستفتحون الأذان فوق المنارة جملة حين يجلس الإمام على المنبر ; ليسمع الناس ، فيأتون إلى المسجد ، فإذا فرغوا خطب الإمام بهم ، فهذا أيضا نص البويطي ينقله الشافعي النووي على تعدد المؤذنين يوم الجمعة فوق المنارة جملة ، والإمام على المنبر ، وبهذا تظهر مشروعية تعدد الأذان للجمعة ، قبل وبعد الوقت من عمل الخلفاء الراشدين ، وفي توفر الصحابة المرضيين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - مما يصلح أن يقال فيه إجماع سكوتي في وفرة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - كما ثبتت مشروعية تعدد الأذان بعد الوقت من فعل الخلفاء أيضا وإجماع الصحابة عليه مع أثر فيه نقاش مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
أما ما يتعلق بالأذان لبقية الصلوات الخمس فكالآتي :
أولا : ، فقد ثبت في حديث تعدد الأذان بلال في قوله - صلى الله عليه وسلم : " وابن أم مكتوم بلالا ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " متفق عليه ، وهذا في صلاة الفجر فقط لما في الحديث من القرائن المتعددة التي منها : " إن ابن أم مكتوم ، أي إن أذان ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي [ ص: 143 ] بلال قبل الفجر يحل الطعام وأذان بعد دخول الوقت حين يحرم الطعام على الصائم . ابن أم مكتوم
وفي رواية : لم يكن يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت وكان بينهما من الزمن ، ففي بعض الروايات أنه لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا . رواه ابن أم مكتوم مسلم .
وفي رواية للجماعة عن قال صلى الله عليه وسلم : " ابن مسعود بلال من سحوره ، فإنه يؤذن أو قال : ينادي بليل ; ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم " . لا يمنعن أحدكم أذان
قال الشوكاني : يريد القائم المتهجد إلى راحته ; ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يتسحر ، إن كان له حاجة إلى الصيام ، ويوقظ النائم ; ليتأهب للصلاة بالغسل والوضوء ، فالأول يشعر بتواليهما مع فرق يسير ، والآخر يدل بالفرق بينهما ، وكلاهما صحيح السند .
وقد فسر هذا النووي في شرح مسلم ونقله عنه الشوكاني في نيل الأوطار بقوله : قال العلماء معناه : إن بلالا كان يؤذن قبل الفجر ، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ، ثم يرقب الفجر ، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر ، وهذا يتفق مع قوله صلى الله عليه وسلم : " ابن أم مكتوم إلى آخره ، ويصدقه ما جاء في الأثر أيضا عن ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم وكان رجلا أعمى فلا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت ، وهذا الأذان الأول للفجر هو مذهب الجمهور ما عدا ابن أم مكتوم - رحمه الله - من الأئمة الأربعة ، وحمل أذان الإمام أبا حنيفة بلال على النداء بغير ألفاظ الأذان .
قال الشوكاني : وعند الأحناف أن - رحمه الله - لما أذن أبا حنيفة بلال قبل الوقت أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فيقول : إلا إن العبد قد نام ، وهذا الأثر رواه الترمذي ، وقال : حديث غير محفوظ .
وفي فتح القدير للأحناف ، ما نصه : ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ، ويعاد في الوقت .
وقال أبو يوسف : يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل ، قال في الشرح : وهو قول ، وقال : لتوارث الشافعي أهل الحرمين ، فيكون أبو يوسف صاحب أبي حنيفة [ ص: 144 ] - رحمهما الله - قد وافق الجمهور في مشروعية الأذان قبل الفجر قبل الوقت ، وإن ما استدل به أبو حنيفة ليس بمحفوظ ، وقد جوزه أبو يوسف في النصف الأخير من الليل .
وجاء نص المالكية أنه في السدس الأخير ، قال في مختصر خليل : غير مقدم على الوقت إلا الصبح فبسدس الليل الأخير .
وعند الحنابلة في المعنى ما نصه : قال أصحابنا : ويجوز الأذان للفجر بعد نصف الليل ، وهذا مذهب إلى قوله : الشافعي
وقد روى الأثرم عن جابر قال : كان مؤذن مسجد دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول فيه شيئا . اهـ .