قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=30455_29035ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم .
في هذه الآية الكريمة نص صريح بأن ما يصيب أحدا مصيبة إلا بإذن الله .
ومعلوم أنه كذلك ما يصيب أحدا خير إلا بإذن الله على حد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر [ 16 \ 81 ] أي : والبرد .
ولكن التنصيص على المصيبة هنا ; ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله ; لأن الجبلة تأبى المصائب وتتوقاها ، ومع ذلك تصيبه ، وليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير ، قد يدعي أنه حصله باجتهاد منه كما قال قارون :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إنما أوتيته على علم عندي [ 28 \ 78 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، قرئ ( يهدأ ) بالهمز من الهدوء ، و ( قلبه ) بالرفع ، وهي بمعنى يهدي قلبه ; لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، فيسترجع فيطمئن قلبه بهذا ولا يجزع ، وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=32484_29675من خصائص المؤمن .
كما قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009623عجبا لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له حتى الشوكة يشاكها في قدمه " .
ومثل هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [ 2 \ 155 - 157 ] .
أي : إلى ما يلزمهم من امتثال وصبر ولذا جاء بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول [ 64 \ 12 ] .
[ ص: 203 ] ومن ناحية أخرى يقال : إن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ،
nindex.php?page=treesubj&link=30523والكفر أعظم المصائب .
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11ومن يؤمن بالله يهد قلبه nindex.php?page=treesubj&link=29674والإيمان بالله أعظم النعم ، فيقول قائل : إن كان كل ذلك بإذن الله ، فما ذنب الكافر وما فضل المؤمن ، فجاء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، بيانا لما يلزم العبد ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28750طاعة الرسل فيما جاءوا به ، ولا يملك سوى ذلك .
وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11يهد قلبه من نسبة الهداية إلى القلب بيان لقضية
nindex.php?page=treesubj&link=32050_33410_32020الهداية العامة والخاصة ، كما قالوا في قوله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [ 42 \ 52 ] ، مع قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ 28 \ 56 ] .
فقالوا : الهداية الأولى دلالة إرشاد ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى [ 41 \ 17 ] .
والثانية : هداية توفيق وإرشاد ويشهد لذلك شبه الهداية من الله لقلب من يؤمن بالله ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، بتكرار فعل الطاعة يدل على طاعة الرسول تلزم مستقلة .
وقد جاءت السنة بتشريعات مستقلة وبتخصيص القرآن ونحو ذلك ، كما تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه [ 59 \ 7 ] .
ومما يشهد لهذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ 4 \ 59 ] ، فكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر ; لأن طاعتهم لا تكون استقلالا بل تبعا لطاعة الله ، وطاعة رسوله ، كما في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009624لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=30455_29035مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَصٌّ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَا يُصِيبُ أَحَدًا مُصِيبَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَذَلِكَ مَا يُصِيبُ أَحَدًا خَيْرٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [ 16 \ 81 ] أَيْ : وَالْبَرْدَ .
وَلَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُصِيبَةِ هُنَا ; لِيَدُلَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَنَالُ الْعَبْدَ إِنَّمَا هُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ ; لِأَنَّ الْجِبِلَّةَ تَأْبَى الْمَصَائِبَ وَتَتَوَقَّاهَا ، وَمَعَ ذَلِكَ تُصِيبُهُ ، وَلَيْسَ فِي مَقْدُورِهِ دَفْعُهَا بِخِلَافِ الْخَيْرِ ، قَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ حَصَّلَهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ كَمَا قَالَ قَارُونُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [ 28 \ 78 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ، قُرِئُ ( يَهْدَأْ ) بِالْهَمْزِ مِنَ الْهُدُوءِ ، وَ ( قَلْبُهُ ) بِالرَّفْعِ ، وَهِيَ بِمَعْنَى يَهْدِي قَلْبَهُ ; لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، فَيَسْتَرْجِعُ فَيَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ بِهَذَا وَلَا يَجْزَعُ ، وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=32484_29675مِنْ خَصَائِصِ الْمُؤْمِنِ .
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009623عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا فِي قَدَمِهِ " .
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ 2 \ 155 - 157 ] .
أَيْ : إِلَى مَا يَلْزَمُهُمْ مِنِ امْتِثَالٍ وَصَبْرٍ وَلِذَا جَاءَ بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ 64 \ 12 ] .
[ ص: 203 ] وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى يُقَالُ : إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30523وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ nindex.php?page=treesubj&link=29674وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ أَعْظَمُ النِّعَمِ ، فَيَقُولُ قَائِلٌ : إِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَمَا ذَنْبُ الْكَافِرِ وَمَا فَضْلُ الْمُؤْمِنِ ، فَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، بَيَانًا لِمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28750طَاعَةُ الرُّسُلِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ سِوَى ذَلِكَ .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11يَهْدِ قَلْبَهُ مِنْ نِسْبَةِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْقَلْبِ بَيَانٌ لِقَضِيَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32050_33410_32020الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ 42 \ 52 ] ، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [ 28 \ 56 ] .
فَقَالُوا : الْهِدَايَةُ الْأُولَى دَلَالَةُ إِرْشَادٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [ 41 \ 17 ] .
وَالثَّانِيَةُ : هِدَايَةُ تَوْفِيقٍ وَإِرْشَادٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ شِبْهُ الْهِدَايَةِ مِنَ اللَّهِ لِقَلْبِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=12وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، بِتَكْرَارِ فِعْلِ الطَّاعَةِ يَدُلُّ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ تَلْزَمُ مُسْتَقِلَّةً .
وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِتَشْرِيعَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَبِتَخْصِيصِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ 59 \ 7 ] .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ 4 \ 59 ] ، فَكَرَّرَ الْفِعْلَ بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَلَمْ يُكَرِّرْهُ بِالنِّسْبَةِ لِأُولِي الْأَمْرِ ; لِأَنَّ طَاعَتَهُمْ لَا تَكُونُ اسْتِقْلَالًا بَلْ تَبَعًا لِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009624لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ " .