والظاهر أن حكمة هذا في الرجلين دون غيرهما ; أن الرجلين هما أقرب أعضاء الإنسان إلى ملابسة الأقذار لمباشرتهما الأرض فناسب ذلك أن يجمع لهما بين الغسل بالماء والمسح أي الدلك باليد ليكون ذلك أبلغ في التنظيف .
وقال بعض العلماء : المراد بقراءة الجر : المسح ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن ذلك لا يكون إلا على الخف .
وعليه فالآية تشير إلى المسح على الخف في قراءة الخفض ، والمسح على الخفين ، إذا لبسهما طاهرا ، متواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لم يخالف فيه إلا من لا عبرة به ، والقول بنسخه بآية المائدة يبطل بحديث جرير أنه بال ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، فقيل له : تفعل هكذا ؟ قال : نعم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ، ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، قال إبراهيم : فكان يعجبهم هذا الحديث ، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ، متفق عليه .
ويوضح عدم النسخ أن آية المائدة نزلت في غزوة " المريسيع " .
ولا شك أن إسلام جرير بعد ذلك ، مع أن روى المسح على الخفين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة المغيرة بن شعبة تبوك ، وهي آخر مغازيه - صلى الله عليه وسلم - .
وممن صرح بنزول آية المائدة في غزوة " المريسيع " ابن حجر في " فتح الباري " ، وأشار له البدوي الشنقيطي في " نظم المغازي " ، بقوله في غزوة المريسيع : [ الرجز ]
والإفك في قفولهم ونقلا أن التيمم بها قد أنزلا
[ ص: 337 ] والتيمم في آية المائدة ، وأجمع العلماء على ، واختلفوا فيما كان من غير الجلد إذا كان صفيقا ساترا لمحل الفرض ، فقال جواز المسح على الخف الذي هو من الجلود مالك وأصحابه : لا يمسح على شيء غير الجلد ; فاشترطوا في المسح أن يكون الممسوح خفا من جلود ، أو جوربا مجلدا ظاهره وباطنه ، يعنون ما فوق القدم وما تحتها لا باطنه الذي يلي القدم .
واحتجوا بأن المسح على الخف رخصة ، وأن الرخص لا تتعدى محلها ، وقالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمسح على غير الجلد ; فلا يجوز تعديه إلى غيره ، وهذا مبني على شطر قاعدة أصولية مختلف فيها ، وهي : هل يلحق بالرخص ما في معناها ، أو يقتصر عليها ولا تعدى محلها ؟ .
ومن فروعها اختلافهم في بيع " العرايا " من العنب بالزبيب اليابس ، هل يجوز إلحاقا بالرطب بالتمر أو لا ؟ .
وجمهور العلماء منهم ، الشافعي وأبو حنيفة ، وأحمد ، وأصحابهم على عدم اشتراط الجلد ، لأن سبب الترخيص الحاجة إلى ذلك وهي موجودة في المسح على غير الجلد ، ولما مسح على الجوربين ، والموقين . جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه
قالوا : والجورب : لفافة الرجل ، وهي غير جلد .
وفي القاموس : الجورب لفافة الرجل ، وفي اللسان : الجورب لفافة الرجل ، معرب وهو بالفارسية " كورب " .
وأجاب من اشترط الجلد بأن الجورب هو الخف الكبير ، كما قاله بعض أهل العلم ، أما الجرموق والموق ، فالظاهر أنهما من الخفاف .
وقيل : إنهما شيء واحد ، وهو الظاهر من كلام أهل اللغة . وقيل : إنهما متغايران ، وفي القاموس : الجرموق : كعصفور الذي يلبس فوق الخف ، وفي القاموس أيضا : الموق خف غليظ يلبس فوق الخف ، وفي اللسان : الجرموق ، خف صغير ، وقيل : خف صغير يلبس فوق الخف ، في اللسان أيضا : الموق الذي يلبس فوق الخف ، فارسي معرب ، والموق : الخف اهـ .
قالوا : والتساخين : الخفاف ، فليس في الأحاديث ما يعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح [ ص: 338 ] على غير الجلد ، والجمهور قالوا : نفس الجلد لا أثر له ، بل كل خف صفيق ساتر لمحل الفرض يمكن فيه تتابع المشي ، يجوز المسح عليه ، جلدا كان أو غيره .